التوثيق العلمي من ظهور الكتب والمخطوطات

كنت أظنّ أني سأقترح شيئاً جديداً في هذا الموضوع، ثم تبيَّنَ أن السلف قد أخذوا به منذ قرونٍ طويلة، بل عالجوا فناً منه ووضعوا له قواعد علمية، لكنه انحسر شيئاً فشيئاً إلى أن انعدم في يومنا هذا، أو كاد.

فقد كان للسلف عادة جميلة عندما كانوا يدوِّنون معلومات مفيدة على ظهورِ الكتب التي عندهم، وظهر الكتاب هو صفحة الغلاف منه، أو صفحة العنوان فيه، وتكون الكتابة على طرَّته، يعني حوافِّه، من أي جانبٍ كان.

وهذه المعلومات لا ضبط لها ولا تقييد، يعني أن مالك الكتابِ أو ناسخه أو حتى مؤلفه، قد يعجبه شيء، أو يتذكر معلومة، أو يملى عليه شيء، فلا يجد أمامه سوى كتاب يدوِّن على صفحته ما شاء، وقد يتعمَّد ذلك فتكون المعلومات عن مؤلف الكتاب أو الكتاب نفسه، وهلمَّ جرّاً.

ومجموع هذه المعلومات سمّاها الباحثون "فوائد" يعني أيَّ شيء فيه فائدة، من شعر، أو أثر، أو حكمة، أو خبر، أو ترجمة، أو تحديد موضع، أو تأريخ حادثة، أو تصحيح خطأ...وتسمى في عصرنا "معلومات".

وقد تكون هذه الفوائد نقلاً من كتابٍ، أو رواية عن عالم أو أديب، أو معلومة جديدة أتى بها من عنده، أو سمعها من آخرين لم تدرج في كتاب ولا تعرف في باب من أبوابه.

والمقصود في موضوعنا هذا هو الصنف الأخير من الفوائد، يعني ما يمكن الاستفادة منه علمياً مما لا يوجد في الكتب، وما نقله مؤلفون من السلف من ظهور الكتب وجعلوه في كتبهم.

وهو أمرٌ جليلٌ حقاً، فإنه لا يعرف قيمة هذه الفوائد والمعلومات إلا من اطلع عليها وعرف كنهها وفائدتها.

وقد افتقدنا هذه العادة الجميلة في هذا العصر، فلم نعد نرى كتاباً عليه فوائد مثل قبل، بل ينظر إلى الكتاب أن أفضله عند مالكه ما رؤي نظيفاً!

على أننا لا نعدم كتابات متفرقة على كتب نادرة، وهو ما يستشهد بها في هذا المقال أيضاً، بينها ما هو مفيد ومهم.

وقلت إن السلف عرفوا نوعاً منه واعتنوا به، وأعني "الوجادة" التي يأتي الحديث عنها، وهي أحد أنواع الحديث الشريف.

وسيظهر للقارئ الكريم أن كثيراً من الباحثين من السلف استفادوا من هذه المعلومات المدوّنة على ظهور الكتب، منهم مؤرِّخون ومحدِّثون كبار، أمثال ياقوت الحموي، وابن العديم، والذهبي، والمقَّري... وغيرهم، وهذا ما أردتُ أن أبيِّنه في هذه الدراسة، التي تتولى جانب التوثيق والتحرير.

ويبقى المهم هو في كيفية جمعِ هذا الكم الهائل من المعلومات والفوائد التي على ظهور الكتب والمخطوطات، وهو ما سأدعه إلى آخر البحث.

 

الاهتمام بما على ظهور الكتب من الفوائد

تاريخ الكتابة على طُررِ الكتب قديم، ولا يستبعد أن يكون في القرن الثاني الهجري، على أن الاهتمام بها غدا بعد توافرها، ويُعتقدُ أنه كان في القرن الرابع الهجري.

يذكر القزويني رحمه الله أن القاضي أبو القاسم عبدالملك بن أحمد بن المعافى القزويني، كان كثير الجمع والكتابة، حسن الخط، يتهاداه الناس فيما بينهم، سافر وخالط فضلاء العصر من مكاتبة ومعاشرة ومشاعرة.

وقال: رأيت بخطه: حضر عندي الشيخ الرئيس أبو الحسن علي بن الحسن البجلي وأنا بأصبهان سنة خمسمائة وقد خرَّجتُ ما في الصناديق من الكتب، فأخذ يتأمل ما على ظهورها، وقال لي: لو جُمع ما على ظهورِ هذه الكتب لكان رأسَ مالِ عالم! فقلتُ له: روى لنا الشيخ أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريري (ت 502هـ)، عن أبي القاسم الرقِّي، أنه كان يُروى عن بعض مشايخ الأدب وقد مرض، أنه قيل له: ما تشتهي؟ فقال: ظهورَ الكتب، وأكبادَ الحُسّاد، وأعينَ الرقباء (1).

وممن جمع الفوائد من ظهور الكتب الوزير الاكرم علي بن يوسف القفطي (ت 646هـ) في كتابه " نُهزة الخاطر ونزهة الناظر" لكنه مفقود.

ثم جميل العظم (ت 1352هـ) في كتابه "الصبابات فيما وجدته على ظهور الكتب من الكتابات"، وهو صغير، صدر عن دار البشائر الإسلامية ببيروت.

ثم لكاتب هذا المقال "الغُرر على الطُّرر: غُرَر الفوائد على طُرَر المخطوطات والنوادر" جزءان في مجلد، صدر عن الدار السابقة، ولديه جزء ثالث جاهز للطبع.

 

التراجم

لعل أكثر ما يكتب على ظهور الكتب بعد الشعر هو ما يتعلق بالتراجم، ومعظمها في ذلك عن مؤلف الكتاب نفسه، وهذه أمثلة على ذلك.

في ترجمة على بن المختار العزنوي، وهو لغوي فرضي مات سنة 572هـ نقل القزويني في التدوين في أخبار قزوين 3/ 422 قال: رأيت بخطه على ظهر كتاب: تركت المسجد الجامع والترك له ريبة، فإن زدت من الغيبة زدناك من الغيبة.

وحديث عن الحافظ الطبراني في رؤيا رآها في رحلته إلى المشايخ لطلب الحديث، رؤي ذلك بخط محمد بن أبي بكر البقال مكتوباً على ظهر الجزء الأول من كتاب "التفسير" لأبي محمد بن حيان أبي الشيخ.

 ورؤيا أخرى له وجدت في ظهر كتاب "دلائل النبوة" لأبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي... (2)

وجاء في آخر "شرح الجزازية" تعريف بمؤلفه أحمد بن محمد الجزاز نقلاً من كتاب "النور اللامع" للعلامة صالح بن الصديق النمازي (ت 975هـ). وهذا الكتاب لم يرد له ذكر في كشف الظنون ولا ذيله، ولم يذكر له هذا الكتاب الزركلي في ترجمته.

وترجمة جميلة للإمام الشاطبي كتبه ناسخ "الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية" للملا علي القاري، نسخة الأزهرية، نقله العرياني والإزميري(3).

وآراء جديدة في ابن تيمية في أوراق من مخطوطة "منهاج السنة النبوية" له، نسخة عاشر أفندي، نقلها محققه محمد رشاد سالم في مقدمة التحقيق.

 وكذلك كتابة "درء تعارض العقل والنقل" التي نقلها المحقق أيضاً.

وترجمة جديدة لأحمد بن عبدالله البعلي نقله أحد العلماء من على ظهر كتابه "الذخر الحرير شرح مختصر التحرير" المحفوظة مخطوطته بمكتبة الملك فهد الوطنية.

وجاء في ظهر الجزء الثالث من "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" للإمام السيوطي، من مصورات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة:

قال الشيخ يوسف بن عبيدالله الحسيني الشافعي الأرميولي: سمعت حال قراءاتي على مؤلف هذا الكتاب - يعني السيوطي – أنه قال: جمعت ثلاثة وثلاثين ألفاً من الأحاديث.

ورأى تقي الدين الغزي صاحب "الطبقات السنية في تراجم الحنفية" معلومة تخص خلف بن أيوب في هامش نسخ من "الجواهر المضيئة" فكتبها ووثقها هكذا في كتابه المذكور المطبوع بتحقيق عبدالفتاح الحلو 3/ 211.

ولا شكّ أن مثل هذه المعلومات، التي لا تتوافر غالباً في مصادر التراجم، تكون مفيدة للدارسين، وخاصة الأعلام الذين لا حظَّ لهم في ترجمات مسهبة، فيدون عنه معلومات أحد أقرانه أو تلامذته، سواء في أحواله، أو معرفة نسبه، أو تأريخ ولادته أو وفاته، كما يأتي:

 

توثيق النسب

في نسب ابن حزم روى المراكشي في كتابه "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" 1/ 46 قال: أبو محمد الذي يحدث عنه الحميدي هو أبو محمد علي بن أحمد... بن حزم... قرئ عليَّ نسبه هذا بخطه على ظهر كتاب من تصانيفه: أصل آبائه الأدنين من قرية من إقليم لبلة من غرب الأندلس، سكن هو وأبوه قرطبة، وكان أبوه من وزراء المنصور...

وتحقيق في نسب ابن حجر الهيتمي ورد في طرة "تحفة المحتاج لشرح المنهاج" للمذكور، نسخة المتحف العراقي.

 

تأريخ الولادة والوفاة بدقة

قال الخطب البغدادي في تاريخه 12/ 198: قرئ على ظهر كتاب لأحمد بن سعيد الدمشقي: مات سيبويه سنة 194هـ.

وقال ياقوت الحموي: وجدتُ على ظهر النسخة التي بخط ابن المسبح بكتاب "النبات" من تصنيف أبي حنيفة: توفي أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري ليلة الإثنين لأربع بقين من جمادى الأولى سنة 208هـ(4).

ويروي المصنف الكبير أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين أنه وجد مولده بخط أبيه على ظهر كتاب حدثه بما فيه محمد بن علي به عبدالله الوراق... وفيه: ولد ابني عمر في صفر سنة 297هـ...(5).

ومثله كثير في تاريخ دمشق.

قال أبو محمد عمر بن محمد الكلبي: وجدت على ظهر جزء: مات الشيخ الزاهد أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين السمان وقت العتمة ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان سنة 445هـ شيخ العدلية وعالمهم وفقيههم...(6).

وقال في تاريخ دمشق 37/ 397: قال عبدالعزيز الكتاني: وجدت على ظهر كتاب تمام بن محمد: توفي أبو الفرج بن سخت الرقي – وهو عبيدالله بن أحمد بن الحسن الجبلي – في سنة 400هـ.

وفي تاريخ دمشق أيضاً 41/ 322: قال عبدالعزيز الكتاني: وجدت على ظهر كتاب تاريخ أبي زرعة: مات أبو القاسم علي بن الحسين بن رجاء بن طعان المحتسب ليلة الإثنين عشرة خلون من شوال سنة 376هـ.

وفي 43/ 485 منه نقل من الكتاني أيضاً: وجدت على ظهر كتاب تمام بن محمد: توفي عمران الخفاف في سنة 400هـ.

وقال السمعاني في الأنساب (5/ 181): قرأت على ظهر كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: مات أحمد بن ماما خامس شعبان سنة 436هـ ببخارى، قال: ومات أبو المسهر قبله بأسبوع.

وتأريخ دقيق لولادة ووفاة محمد بن شريح الرعيني وابن شريح وأبيات وردت في رثائه لم أجدها في جملة من المراجع الأندلسية، كتبت بقلم ناسخ كتاب على ظهر "الكافي في القراءات السبع" للرعيني نفسه، نسخة الأزهرية.

وقال في "بغية الطلب في تاريخ حلب" (9/ 4025). قرأت بخط بعض المعربين على ظهر كتاب: ولد الشيخ أبو نصر زيد بن عبدالواحد بن عبدالله بن سلمان سنة 398هـ وتوفي سنة 442هـ، فيكون عمره 44سنة.

وقال أيضا: قرأت بخط خليفة [بن سليمان] على ظهر كتاب: توفي الأستاذ الإمام علاء الدين الكاساني ذو المكارم أبو بكر بن مسعود عاشر رجب بعد الظهر سنة 587هـ وتولى التدريس بعده الأستاذ الإمام افتخار الدين في سابع عشر رجب (7).

والحافظ السهيلي أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله وُجد على ظهر كتابه "الفرائض" أنه ولد بإشبيلية سنة 508هـ وتوفي بمراكش في الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 581هـ، ولي قضاء الجماعة وحمدت سيرته (8).

وجاء تأريخ وفاة علي الإسفندري على ظهر كتاب "المقتبس في توضيح ما التبس" له، نسخة مكتبة جارالله الملحقة بالمكتبة السليمانية بإستانبول: توفي الشيخ الأستاذ... وقت الضحوة الصغرى من يوم الأربعاء التاسع عشر من رجب سنة 698هـ وعاش سبعاً وسبعين سنة.

وروى صاحب "المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور (1/ 107) عن صاحب الأصل في ترجمة عمه أبي بكر أحمد بن محمد بن عبدالغافر الفارسي قال: قرأت بخط أبيهما – يعني المذكور وأخاه أبا الحسين – على ظهر كتاب "مختصر العين": ولد ولدي أحمد لثلاث بقين من رجب سنة 350هـ، وولد عبدالغافر ليلة الإثنين لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة 353هـ...

كما يرد بيان بتاريخ وفاة الناسخ، حيث ورد على طرّة "مصابيح السنة" نسخة مركز الملك فيصل، لناسخه إلياس بن عيسى أنه توفي يوم الخميس وقت العصر 27 شعبان سنة 818هـ.

وورد حواليه تأريخ وفاة ثلاثة من أولاده.

 ووفيات أسرية أخرى على طر كتاب "جوهرة الفرائض الكاشف لمعاني مفتاح الفائض" للراشدي، نسخة جامعة الإمام بالرياض.

وحديثاً: ورد تأريخ لوفاة الشاعر المصري أحمد نسيم (1938م) وبيان بعض ما قيل فيه، كتب بالقلم على نسخة طبعت سنة 1326هـ محفوظة بمكتبة الملك فهد الوطنية.

كما أرخ الشيخ عبدالله الدحيان (ت 1349هـ) لوفاة شيخه عبدالله بن عودة القدومي من نابلس بيوم الجمعة وهو في صلاتها سنة 1330هـ وذلك على ظهر نسخته من كتاب "الرحلة الحجازية والرياض الأنسية في الحوادث والمسائل العلمية" للقدومي.

 

إنها لا شك معلومات قيمة ودقيقة، قد تكون أكثر توثيقاً ومصداقية من مصادر التراجم، نظراً لأنها كتبت بأقلام مهتمين بها ومقربين من أصحابها، مع تحديد دقيق لا توجد غالباً في مصادر العامة.

 

الشعر

أبيات الشعر هي أكثر ما ترد على ظهور المخطوطات، لكن المقصود هنا هو ما لا يوجد في الدواوين والموسوعات الأدبية، أو ما نقله المؤرخون والأدباء من ظهور الكتب.

 ومن ذلك ما نقله الصفدي في "الوافي بالوفيات" من أبيات وأخبار وجدها أحدهم على طرر المخطوطات، وهي:

قال ابن الشواء الكاتب: رأيت مكتوباً على ظهر كتابٍ قول بعض الأعراب:

 

نزلتُ على آل المهلَّب شاتياً فما زال بي إلطافهم وافتقادهم

 

غريباً عن الأوطانِ في زمنٍ مَحلِ وبِرّهمُ حتى حسبتُهُم أهلي

وتحتها مكتوب قول الحريري:

 

جزى الله مولًى قد نزلتُ بداره فأسرفَ في برّي وأكرمَ جانبي فلو زاره ضيفُ المهلّب لم يقل

 

كما ينزل الضيفُ الموالي المواليا وقرّب آمالي وأرضَى الأمانيا "نزلت على آل المهلّب شاتيا"

فكتبتُ تحتهما من شعري بديهاً:

 

سقى الله داراً ظلتُ فيها منعَّماً جنيتُ ثمار اللهو فيها محاوراً مليكاً ترى صيد الملوك ببابهِ يؤجّجها بالعنبر الرطب ليلَه فلو زار مَغناه الحريريُّ لم يقلْ

 

ولا جادها في الدهر صوبُ المكارهِ لمن لا يطيق الدهر إيلامَ جارهِ وكلّهمُ يَعشو إلى ضوء نارهِ وبالعنبرِ الهنديّ طولَ نهارهِ "جزى الله مولىً قد نزلت بدارهِ" (9)

 

ومثل هذا كثير (10). ومثله في "بغية الطلب في تاريخ حلب"

هذا ما عدا قصائد ومنظومات في مدح الكتاب لا تجده في المراجع وبطون الكتب، وهو كثير أيضاً.

 مثال ذلك ثناء طويل لابن أبي العز الحنفي على كتاب "مدارج السالكين "لابن القيم على الكتاب نفسه، نسخة المكتبة العثمانية بحلب.

 

الأخبار والآثار

أما الأخبار والآثار فكثيرة، مثال ذلك قول أحمد بن سلمة النيسابوري: وجدت على ظهر كتاب لي عن عبدالله بن عبدالله بن زياد القطواني قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول:

انتهى العلم في زماننا هذا إلى أربعة: إلى أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به، وإلى أبي بكر بن شيبة وهو أحفظهم له (11).

وقال الإمام الذهبي: وجدت على ظهر كتاب عتيق: سمعت أبا عمرو، سمعت عشرة من أصحاب الجبائي يحكون عنه قال: الحديث لأحمد بن حنبل، والفقه لأصحاب أبي حنيفة، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة (12).

وذكر صاحب "بغية الطلب" 3/ 1316: فقلت من خط ابن الحداد صاحب ثعلب على ظهر كتاب ببغداد فيه أخبار الحارث المخزومي: قال أبو هفان: يروى أن الأحنف بن قيس لم يقل غير هذين البيتين:

 

فلو أن مالي مال كثير فإن المروءة لا تستطاع

 

لجدت وكنت له باذلاً إذا لم يكن مالها فاضلاً

تأريخ أحداث ووقائع

ولن تعدم فوائد أخرى تتعلق بالتاريخ والأحداث والوقائع مما يراه أو يسمعه ناسخ الكتاب أو مالكه أو مطالعه، فيكتب ما يشاء من ذلك على ظهر الكتاب وأوراق تسبق العنوان منه، وتنقل هذه المعلومات في مصادر تاريخية أيضاً.

قال في "بغية الطلب" (3/ 1225): قرأت بخط القاضي أبي الفضل هبةالله ابن القاضي أبي الحسن أو بخط غيره على ظهر كتاب "شعر المتنبي" – يعني ديوانه – نسخة القاضي أبي الحسن التي قرأها على محمد بن عبدالله بن سعد وخطه عليها ما صورته: صعد القاضي [أبو الحسن أحمد بن يحيى قاضي حلب] – خلصه الله – إلى القلعة يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الآخر سنة 440هـ، ونزل بحمد الله ومنته يوم الأربعاء الثامن من شعبان سنة 442هـ، ولله على ذلك الحمد وخالص الشكر.

وكان والي حلب أبو علوان بن مرداس قد اعتقل أماثل الحلبيين، منهم القاضي المذكور.

وقال في ترجمة أبي محمد المعري القاضي (5/ 2457): نقلت عن ظهر كتاب "الشروط" لأبي جعفر الطحاوي أظنه بخط أبي صالح محمد بن المهذب المعري: وصل القاضي أبو محمد الحسن بن عبدالكريم بن جعفر بن المهذب إلى سرمين مستهل شعبان من سنة 463هـ وبيده تقليد القضاء بناحية سرمين وأعمالها، والعلامات السلطانية عليه، وهو مؤرخ في النصف من رجب.

يريد بالعلامات السلطانية علامة السلطان ألب أرسلان الملقب بالعادل ا.هـ.

وقد تدون أحداث ووقائع تمر بالناسخ كما قلنا، من ذلك ما كتبه محمد بن إبراهيم الحلواني الحصني (ت 1053هـ) في آخر "جزء في تفسير الباقيات الصالحات" للعلائي، في ظهور طائفة من الخوارج البغاة يقال لهم السيمانية تعدَّى ضررهم إلى سائر البلاد... وكان ذلك سنة 1016هـ، وكيف أن العساكر السلطانية غلبهم، وقتل منهم خلائق لا تحصى... في خبر طويل (13).

وقد بحثت عن هذه الطائفة فلم أجدها في المصادر القريبة.

 

استفادة معلومات

المعلومات الجديدة كثيرة على طرر المخطوطات، وفيها ما لا تجده في الكتب والمراجع.

قرأت على طرة الجزء الثاني من "الإيضاح العضدي" نسخة مكتبة آيا صوفيا عناوين شروح له لم يرد بعضها في "كشف الظنون" ولا ذيله (14).

وينقل ابن أبي الوفاء القرشي في "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" (1/ 449) أسامي شراح "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني مما رآه في "ظهر كتاب بخط بعض الفضلاء".

وذكر حاجي خليفة في تعريفه بكتاب "بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب السادة الأخيار من المشايخ الأبرار" لابن جهضم (ت 713هـ) وأول الكتاب ترجمة للشيخ عبدالقادر الجيلاني، قال حاجي خليفة: قال الشيخ عمر بن عبدالوهاب العرضي الحلبي في ظهر نسخة من نسخ البهجة: ذكر ابن الوردي في تاريخه أن في البهجة أموراً لا تصح ومبالغات في شأن الشيخ عبدالقادر لا تليق إلا بالربوبية (15).

و"مفتاح العلوم" متن مشهور جداً للسكاكي، عليه شروح وتعليقات وحواش كثيرة.

نقل حاجي خليفة من ظهر نسخة من "شرح الفتاح": أول من شرحه شمس الدين المعزى المتوفى؟ ثم الشيرازي، ثم ناصر الدين الترمذي... الخ (16).

و"المفاتيح في شرح حل المصابيح" لمظهر الدين الحسين بن محمود الزيداني ت 727هـ.

ذكر حاجي خليفة أنه وجد في ظهر نسخة منه أن أوله مقدمة في اصطلاحات أصحاب الحديث وأنواع علومه.

ومن المعلومات الحديثة ما ورد من ذكر تلامذة لطاهر الجزائري كان لهم شأن، والفائدة منها تكمن في الاتجاه السياسي والنهضوي لدى هذا العلامة المشهور (ت 1338هـ) الذي كان غامضاً إلا لدى تلامذته، بل كان يجتمع بهم سراً ولا يذكر مواقفه وآراءه في الدولة العثمانية إلا لمن يثق به، فكانت أعمالهم تدل على مدرسته.

فقد كتب أحدهم بالقلم الرصاص في آخر ورقة تسبق جدول الخطأ والصواب من كتاب "تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر" بقلم تلميذه محمد سعيد الباني (ت 1351هـ) المطبوع سنة 1339هـ، وهذه النسخة محفوظة في مكتبة الملك فهد الوطنية:

جماعة ومدرسة الشيخ طاهر الجزائري: جمال الدين القاسمي، عبدالقادر بدران، أحمد التوبلاتي، عثمان الرتا، رشدي الحكيم، جميل الشطي، عبدالرحمن الشابندر، لطفي الحفار، محمد الحكيم، والد رشدي، عبدالباقي الحسني.

ومعلومة أخرى عن أحد المشهورين في مصر، فقد وجدت على الورقة التي تسبق الغلاف من الكتاب الذي أحدث ضجة وطُرد مؤلفه من الأزهر بسببه "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبدالرازق، الطبعة الأولى منه، 1343هـ، نسخة محفوظة بمكتبة الملك فهد الوطنية، كُتب بخطٍّ مغربي:

كتب علي عبدالرزاق مقالةً في جريدة "السياسة الأسبوعية" المصرية الصادرة يوم السبت 4 يونيو 1927م قال فيها: "وللمراكشيين دين عنيف، وإيمان كإيمان العجائز، وللدين أحياناً بَلَهٌ وجنون إذا أوغلَ فيه صاحبُه بعنفٍ وجمود".

ومعلوم أن عليًّا هذا زار المغرب في أثناء تلك السنة ولم يتصل بأي أحد، تنفيذاً لتوصية الحكام المستعمرين الذين سمحوا له بهذه الزيارة على أساس توصيات!

 

تنبيهات

وقد يشكك كاتب في معلومة أو ينبه إلى خطأ، وينقل ذلك مما وجده على ظهر كتاب. مثاله:

قال الجرجاني في تاريخ جرجان (ص243): رأيت كتاب الأربعين تصنيف أبي نعيم علدالملك بن محمد مكتوب على ظهر الجزء: لأبي سعد جيان بن عقبة بن محمد، ولا أعلم حدَّث هذا الرجل أو لا.

وكتاب "كشف الغوامض في الفرائض" لشمس الدين محمد بن محمد سبط المارديني، قال حاجي خليفة: ورأيت في ظهر "كشف الغوامض" أنه لمحيي الدين عبدالحميد بن عبدالسيد ابن خطيب المستنصرية (17).

 

تصحيح معلومة

كما ينقل السمعاني أيضاً من ظهور الكتاب في كتابه الأنساب. ففيه (4/ 397) مصححاً معلومة: غير أني رأيت على ظهر كتاب المسند للحماني الذي سمعناه من لفظه "الفلخاري" باللام، وهو أعرف بقريته.

وهو ردٌّ لمن قال إن اسم القرية "فرخار".

وقال ياقوت في معجم البلدان (5/ 365) حول "ودان" قرأت بخط كراع الهنائي على زهر كتاب "المنضد" من تصنيفه: قال بعضهم: خرجت حاجاً، فلما جزت بودّان أنشدت:

 

أيا صاحب الخيماتِ من بعد أرثدِ

 

إلى النخل من ودان ما فعلت نعم

فقال لي رجل من أهلها: انظر هل ترى نخلاً؟ فقلت: لا، فقال: هذا خطأ، إنما هو النحل، ونحل الوادي جانبه.

ويرد اسم أبي عبيد الهروي "أحمد بن محمد بن محمد بن أبي عبيد العبدي المؤدب الهروي الفاشاني، صاحب كتاب الغريبين. قال ابن خلكان: هذا هو المنقول في نسبه، ورأيت على ظهر كتاب الغريبين أنه أحمد بن محمد بن عبدالرحمن. والله أعلم.

قال الصفدي: وكذا أثبته ياقوت في معجم الأدباء (18).

ونُقِلَ من ظهرِ نسخةٍ من كتاب "إصلاح المنطق"، قال أبو العلاء المعري: حدثني عبدالسلام البصري خازن دار العلم ببغداد وكان لي صديقاً صدوقاً، قال: كنت في مجلس أبي سعيد السيرافي وبعض أصحابه يقرأ عليه "إصلاح المنطق" لابن السكيت، فمضى بيت حميد بن ثور:

 

ومطويةُ الأقرابِ، أما نهارُها

 

فَسَبْتٌ، وأما ليلُها فذميلُ

فقال أبو سعيد "ومطويةِ" أصلحه بالخفض، ثم التفت إلينا فقال: هذه واو رُبّ، فقلت: أطال الله بقاء القاضي، إن قبله ما يدلّ على الرفع، فقال: وما هو؟ فقلت:

 

أتاك بيَ الله الذي أنزل الهدى

 

ونورٌ وإسلامٌ عليكَ دَليلُ

ومطويةُ الأقرابِ...

فعاد وأصلحه، وكان ابنه أبو محمد حاضراً، فتغير وجهه لذلك، فنهض لساعته ووقته والغضبُ يستطيرُ في شمائله إلى دكانه، وكان سمّاناً، فباعها واشتغل بالعلم إلى أن برع فيه وبلغ الغاية، فعمل "شرح إصلاح المنطق". قال أبو العلاء: وحدثني مَنْ رآه وبين يديه أربعمائة ديوان، وهو يعمل هذا الكتاب! (19).

وألحق بالمجلد الأول من "بغية الطلب في تاريخ حلب" فوائد لغوية وتاريخية عديدة، معظمها بقلم كاتب مجيد، هو جمال الدين محمد بن محمد بن السابق، راوي التاريخ عن المقريزي وما كتبه على نسخته مما يفيد التصحيح: رأيت مشايخ الكتابة لا يشكلون الكاف إذا وقعت آخراً، ولا يكتبونها مجلَّسة، أما إذا وقعت أولاً في بعض الكلمة حشواً فإنهم يجلسونها ويشكلونها بردَّة الكاف....

فائدة أخرى: لا يكتب المضاف في آخر السطر الأول ويبتدأ بالمضاف إليه في السطر الثاني، كعبدالله، وأبي بكر، والمغاربة يفعلون ذلك، وليس بحسن (20).

 

الوِجادة:

الوِجادة مصدر وَجَد، وهي أحد أنواع الحديث، بمعرفة كيفية سماعه وتحمله، ومثاله أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطِّه ولم يلقه، أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجد بخطه، ولا له منه إجازة ولا نحوها، فله أن يقول: وجدتُ بخط فلان، أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب فلان بخطه: أخبرنا فلان بن فلان... أو يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان عن فلان.

هذا ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته لعلوم الحديث (21). ثم قال: وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه، فإن لم يكن كذلك فليقل: بلغني عن فلان، أو: وجدت عن فلان... وفصل في ذلك.

 وذكر البلقيني في حاشيته على المقدمة أن هذا يقع كثيراً في مسند الإمام أحمد، حيث يقول ابنه عبدالله: وجدت بخط أبي: حدثنا فلان. ويذكر الحديث.

 ثم بيَّن ابن الصلاح حكمه بعد إيراد أقوال في ذلك وقال: قطع بعض المحققين من أصحابه [يعني الإمام الشافعي] في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به... (22).

قلت: وقد يقاس عليه ما إذا وجد حديثاً على ظهر كتاب بالشروط السابقة، إن كان بسند أو بغير سند، وشرط العمل به أن يجده في مصادر الحديث ويتأكد من صحته، وإلا فلا يعمل به.

وهذه أمثلة فيما وجده المحدِّثون على ظهور كتب وعالجوه.

في ترجمة مالك بن ثعلبة الأنصاري من "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني (5/ 716): قال أبو موسى:

وجدت على ظهر جزء من أمالي ابن منده بسنده إلى مقاتل بن سليمان... ثم ساق حديثاً ذكر ابن حجر أن فيه ضعفاً وانقطاعاً.

وحديث "تُبنى مدينة بين دجلة ودجيل" ذكر ابن عدي أنه منكر لا يروى إلا عن عمار هذا... كما ذكره العقيلي في الضعفاء وذكر له هذا الحديث، وأسند عن يحيى بن معين قوله: سمعت يحيى بن آدم يقول لنا: إنما أصاب عمار هذا على ظهر كتاب فرواه (23).

ويعني عمار بن سيف الضبي.

وقال الإمام الذهبي في ترجمة محمد بن عبدالواحد بن الفرج الأصبهاني:

متهم بوضع الحديث. روى له الجوزقاني حديثاً موضوعاً ركبه على سندٍ رواتهُ منه براء، وكتبه على ظهر جزء فأخرجه.. (24).

وهناك أحاديث تكتب للتذكرة لا لتروى، يستفيد منها راويها في مذكراته، فلا يجوز روايتها.

وقد وجد أبو زرعة حديثاً عند أحدهم فقال له: من أين لك هذا؟ قال: وجدته على ظهر كتاب ليوسف الوراق.

قال أبو زرعة: هذا الحديث من حديثي غير أني لم أحدث به. قيل له: وأنت تحفظ ما حدثت به مما لم تحدث به قال: بلى، ما في بيتي حديث إلا وأنا أفهم موضعه. (25).

وقال أبو يعلى بن الفراء: وجدت على ظهر كتاب: رواه أبو الحسين السوسنجردي عن إسماعيل بن علي... عن أبي زرعة أنه قال: قال لي أحمد بن حنبل: ابني عبدالله محظوظ من علم الحديث أو من حفظ الحديث، لا يكاد يذاكرني إلا بما لا أحفظ. (26).

قال ابن أبي أويس: وجدت في ظهر كتاب مالك: سألت مخرمة عما يحدث به عن أبيه سمعها من أبيه؟ فحلف لي: ورب هذه البنية – يعني المسجد – سمعت من أبي (27).

والمقصود أبو المسور مخرمة بن بكير القرشي.

ومحاسبة طويلة على رواية حديث في ترجمة جرير بن عبدالحميد من تهذيب الكمال للحافظ المزي 4/ 548.

 

الإجازات

ومن باب التوثيق العلمي الذي يقيَّد به بعد التأكد منه: الإجازات الكثيرة الموجودة على ظهور الكتب، بروايتها أو ببيان سماع مضمونها وروايتها. وقد تدون إجازات طويلة لا يتسع له ظهر الكتاب، فتسجل في أوراق تسبق العنوان أو تليه.

ومن ذلك: إجازة للغوري من شيخه محمد بن حسن القتلفكندي في خاتمة "الخلاصة في أصول الحديث" للطيبي، نسخة مكتبة آيا صوفيا.

وذكر عن مغربي شهير يدرِّس كتاب "مغني اللبيب" فقصده الفناري، وأجازه بخطه على ظهر كتابه (28).

ووجد على ظهر كتاب "الحجة" لأبي علي الفارسي بخطه إجازة للصاحب بن عباد (29).

 

تحديد مواقع جغرافية

وممن استفاد تحديد مواقع جغرافية من ظهور الكتب العلامة ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان"، من ذلك قوله:

"بئر ميمون" : منسوبة إلي ميمون بن خالد بن عامر الحضرمي، كذا وجدته بخط الحافظ أبي الفضل بن ناصر على ظهر كتاب.

وقال في "صقلية": قرأت بخط ابن القطاع اللغوي على ظهر كتاب "تاريخ صقلية": وجدت في بعض النسخ سيرة صقلية تعليقاً عن حاشية: أن بصقلية ثلاثاً وعشرين مدينة، وثلاثة عشر حصنا،ً ومن الضياع ما لا يعرف (30).

 

توجيهات مفيدة

وهناك توجيهات علمية مفيدة تأتي عن علم أو خبرة لا تكاد تجدها في بطون الكتب، أو أنها موجودة ولكن لا يعرف مصدرها، وهي مفيدة على كل حال...

مثاله ما وجد في أوراق بقلم ابن السابق على "بغية الطلب في تاريخ حلب":

فائدة ينبغي للمؤرخ حفظها والعمل بها: ينبغي للمؤرخ أن يقدم اللقب على الكنية، والكنية على العَلَم، ثم النسبة إلى البلد، ثم إلى الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى المذهب في الاعتقاد، ثم إلى العلم، أو الصناعة، والخلافة أو السلطنة، أو الوزارة، أو القضاء، أو الإمرة، أو المشيخة، أو الحج، أو الحرفة، كلها تقدم على الجميع، فتقول في الخلافة: أمير المؤمنين الناصر لدين الله، أبو العباس السامُرِّي، إن كان وُلد بسر من رأى، البغدادي، فرقاً بينه وبين الناصر الأموي صاحب الأندلس، الحنفي الماتريدي، إن كان يتمذهب في الفروع بفقه أبي حنيفة، ويميل في الاعتقاد إلى أبي منصور الماتريدي، ثم يقول: القرشي الهاشمي.

ويقول في السلطنة: السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي – نسبة إلى أستاذه الملك الصالح – التركي، الحنفي، البندقدار، أو السلاح دار (31).

 

فوائد شتى

وهناك أمور أخرى قد لا توجد في الكتب، كفتاوى سمعها الناسخ أو دوَّنها من مصدر لا يعرف مطبوعاً، وينظر مثل هذا ما كتب في أوراق من "حاشية القاضي إبراهيم السحولي على الأزهار" المحفوظة بمكتبة الملك فهد الوطنية رقم 451، وكذا "زبدة الأفكار" للنوشبادي (32).

وفوائد شتى يكتبها ناسخ الكتاب أو مالكه، من رأيه في الكتاب، أو تعليقات عليه، أو تعريف بالمؤلف، نقلاً أو تحريراً،

وقد رأى حسن العطار اسم محمد مرتضى الحسيني وأنه قرأ وانتفع بكتاب "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري نسخة دار الكتب بمصر، فذكر رأيه فيه وأن أكثر ما يكتبه فيه إبهام كما يشاء...الخ.

وفائدة معتبرة لعلها بقلم شيخ شافعي كبير هو ابن العماد الأقفهسي، حيث ورد في ظهر كتابه "القول التمام في آداب دخول الحمام" مصورتها بجامعة الكويت:

القاعدة أن ابن حجر وابن الرملي: إذا تعارضا فالمقدم قول ابن الرملي في بلاد مصر وابن حجر في بلاد الشام، والمعتمد قول ابن الرملي وإن كان ابن حجر أكثر علماً، لأن الرملي الكبير كان شيخ علماء مصر، وكان يحضره في درسه نحو مائة عالم، فلما توفي أجلسوا ولده مكانه ولازموا درس ولده، وأما ابن حجر فكان لا يحضر درسه إلا القليل من الناس.

وأخبار وأحوال، منها قول علامة الكويت الشيخ عبدالله الدحيان (ت 1349هـ) أن الشيخ عبدالقادر بن أحمد بدران (ت 1346هـ) عمل حاشية على الروض الربع، وأن الأخير أخبره بأنه عازم على إتمامها ولعل المنية حالت دونه... كتب ذلك على نسخة خطبة من الروض المربع المنسوخة سنة 1111هـ.

واستنتاجات رائعة للشيخ عبدالله الدحيان على "منتهى الإرادات" على نسخة محفوظة بمكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت، منها قوله: اعلم أن الإمام أحمد لم يؤلف كتاباً مُستقلاً في الفقه، وإنما أُخذ مذهبه من أجوبته وتآليفه في غير الفقه، ومن أقواله وأفعاله والمقيس على كلامه...

وقام بجمع كتابات "الدحيان" من على ظهور الكتب وليد المنيس وأصدره في كتاب بعنوان "علامة الكويت الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان".

وهناك رسائل وتوصيات فريدة على ظهور مخطوطات شتى وأسماء نباتات وتجارب طبية... وغيرها، يستفاد منها في أعمال أدبية وعلمية.

 

أمور أخرى

وأمور أخرى، فيها نقد وبيان تبعث على التفكير والتحقيق، من ذلك ما قاله ياقوت الحموي أنه وجد على ظهر جزء من كتاب "تهذيب اللغة" لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري:

 

ابنُ دريدٍ بقرَهْ ويدَّعي بجهلهِ

 

وفيه عُجْبٌ وشرَهْ وضْعَ كتابِ الجمهرَهْ

وهو كتابُ العينِ إلا أنه قد غيَّرَهْ

الأزهريُّ وزَغَهْ ويدَّعي بجهلهِ

 

وحمقهُ حُمقُ دَغَهْ كتابَ تهذيب اللغَهْ

وهو كتابُ العين إلا أنه قد صبغَهْ

في الخارزنجيِّ بلَهْ ويدَّعي بجهلهِ

 

وفيه حمقٌ وولَهْ (33) وضعَ كتاب التكملهْ

وهو كتابُ العين إلاأنه قد بدَّله (34)

 

النتيجة

نصل إلى نتيجة أن عدداً كبير من الباحثين المعتبرين في تاريخنا الإسلامي، من أدباء ومحدِّثين ومؤرخين وجغرافيين، قد نقلوا معلومات وافرة مما وجدوه منها على ظهور الكتب والمخطوطات، بينها معلومات دقيقة تتعلق بالتراجم وتأريخ ميلادهم ووفاتهم وأنسابهم وبعض أحوالهم، وأخبار وآثار وأحداث ووقائع تاريخية، مع تنبيهات وتصحيحات وتوجهات مفيدة، وكتابة إجازات حديثية أو عامة أو خاصة بكتب معينة، وتحديد مواقع جغرافية لمدن وقرى وأماكن أخرى، وفوائد شتى.

ثم معرفة نوع من هذا التوثيق عُرف بالوجادة، وهو أحد المصطلحات الحديثة القديمة، بحث فيه نقاد الحديث ووضعوا له قواعد مفصَّلة.

 

توصية

إذا تبيَّن للقارئ الكريم من خلال الدراسة السابقة أن الفوائد المدوَّنة على ظهور الكتب والمخطوطات فيها إثراء للمعلومات ومجال للتوثيق العلمي وإمكانية الاستشهاد ببعضها وخاصة فيما يتعلق بالتراجم والتاريخ والنقد، وأنه تمت الاستفادة منها فعلاً بما نقله باحثون مختلفون منها، وأن منها ما لا يوجد في بطون الكتب، فإنه يتأكد تكملة أعمالهم الإبداعية والتوثيقية هذه، بأن يجريد ما على هذه المخطوطات من فوائد ثم تصنف موضوعياً وتقدم للقارئ الباحث، فإنه يكون في ذلك خير كثير، وفائدة مؤكدة.

وهو عمل ليس بالمستحيل، وخاصة أن معظم المخطوطات صارت في مخازن محكمة يهتم بها حفظاً وفهرسة، وأنه يمكن لكل مكتبة أو مركز أن ينفر لهذا العمل باحثين وكتّاباً ماهرين عارفين بالخط وأخبار التراث، كل يجرِّد ما عنده من مخطوطات، ويقدمها في أعمال جميلة رائعة، تزيد من الثقافة والعلم، وتكرِّس أخبار حضارة عالمية غاب عنها إشراقها.

 (سبق نشره في مجلة الفيصل)


  1. التدوين في أخبار قزوين 3/ 367
  2. ينظر هذا في "جزء فيه ذكر الطبراني" بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي 1/ 337، 340.
  3. تنظر في "الغرر على الطرر" لمحمدخير يوسف 2/ 254.
  4. معجم الأدباء لياقوت 1/ 352.
  5. تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 43/ 534.
  6. بغية الطلب في تاريخ حلب 4/ 1714.
  7. المصدر السابق 10/ 4353.
  8. تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1349.
  9. الوافي بالوفيات 4/ 71.
  10. ينظر أيضاً 4/ 258، 11/ 34، والغرر على الطرر 1/ 101.
  11. تاريخ مدينة دمشق 65/ 18.
  12. النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 189.
  13. ينظر في "الغرر على الطرر" 1/ 86 – 78.
  14. تنظر في المصدر السابق 1/ 36.
  15. كشف الظنون 1/ 256.
  16. ينظر المصدر السابق 2/ 1763.
  17. كشف الظنون 2/ 1493.
  18. الوافي بالوفيات 8/ 76.
  19. وفيات الأعيان لابن خلكان 7/ 73.
  20. تراجم في مقدمة الكتاب المحقق.
  21. ص 292 – 293 بتحقيق عائشة عبد الرحمن.
  22. المصدر السابق ص 292 – 294.
  23. تهذيب التهذيب لابن حجر 7/ 352.
  24. لسان الميزان 5/ 269.
  25. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1/ 333.
  26. تهذيب الكمال 14/ 289، سير أعلام النبلاء 13/ 520.
  27. تهذيب الكمال 27/ 327.
  28. الشقائق النعمانية 1/ 114، شذرات الذهب لابن العماد 7/ 324.
  29. نوابغ الرواة 1/ 63.
  30. معجم البلدان 1/ 302، 3/ 417.
  31. هذه الفائدة موجودة في الوافي بالوفيات 1/ 47. وتنظر مع غيرها من الفوائد في الغرر على الطرر 1/ 50 فما بعد.
  32. تنظر في الغرر على الطرر 1/ 135.
  33. هو أحمد بن محمد البُشتي الخارزنجي (نسبه إلى خارزنج قرية بنواحي نيسابور). مات سنة 348هـ. له: تكملة كتاب العين المنسوب إلى الخليل بن أحمد.
  34. الوافي بالوفيات 13/ 391.