إهداءات الكتب ملاحظات ونماذج

إهدء الكتاب يشغل عادة أول صفحات الكتاب بعد العنوان، ولذلك يقع عليه عين كل قارئ، يمرُّ عليه بعينيه وبدافع من قلبه ليعرف المهدَى إليه، وأسلوب المُهدي، ويتحسَّس عمق كلماته وصداها في جوانبه، وكأنه يلامس شيئًا خفيًّا في نفسه.

وعادة ما يستجمع الكاتب أجمل الكلمات وألطفها، وأبلغها وأعمقها، ليُهديها لمن يحب، ممن له يدٌ عليه، من أساتذة وأصدقاء، أو أهل وأحباب، أو فئات أو أوطان..

أو أنه يحب شيئًا ويؤثره، وقد أخذ بمجامع قلبه، فيريد أن يُشعر الآخرين به بكلِّ قوة وبيان، ليشاركوه في تفكيره واهتمامه، في جدِّه وهزله، وفي فرحه وترحه.

وصار الإهداء يُكتب على كل صنف من الكتب، ولو كان رسالة جامعية، أو بحوثًا معمَّقة ومحكَّمة، بل صارت تصدر بأسماء المهدَى إليهم فقط! مثل: بحوث ودراسات مهداة إلى الأستاذ فلان.

وطلبتُ من ناشر أن يكتب عبارة ارتضيتها على كتاب لي فتثاقل، وقال: الإهداءات عادة تُكتب على كتب (رومانسية)! يعني الأدبية والعاطفية.

وكان الكتاب في خصائص الإعلام الإسلامي، فأهديته "إلى والدي الذي ربَّاني على قول الحقّ"، ورأيته مناسبًا جدًّا، لما يُرَى في الساحة الإعلامية من تضخيم وتزوير وكذب وافتراء وتضليل، ولِما يجب أن يكون عليه الإعلامي الإسلامي في رسالته المكلَّف بها في الحياة.

وأول كتاب ألَّفته أهديته لأستاذي وشيخي الذي تعلمت منه آداب ديني، ولكن تفاجأت عند صدور الكتاب بحذفه من قبل الناشر!

وكان مناسبًا أيضًا؛ وفاءً وتقديرًا من طالب علم لأستاذه.

والحديث في هذا يطول.

والذي رأيته في بعض الإهداءات هو خصوصيات أسرية جانبية لا ينبغي أن تُعلن هكذا، وخاصة في الرسائل العلمية، بل نصيبها في كتب أخرى، أو أواخر المقدمة على الأقل، إذا كان لابدّ.

وكلمات أخرى من مؤرخين وأدباء كبار يهدون كتبهم بإعجاب لا مثيل له إلى أحفاد صغار مازالوا يلثغون، ويصفونهم بأوصاف كبيرة، تدلُّ على تحكم العاطفة فيهم...!

وأحببت هنا أن أدوِّن بعض الإهداءات المعاصرة للقارئ، التي لفتت نظري منها، فتربَّصت بالكتب مدة، بضعة أسابيع أو شهور، وتصفحت مجموعة منها لأجل ذلك، فجاءت كما يلي:

  • في كلمات جميلة مؤثِّرة ومعبِّرة كتب الأستاذ علي محمود الصرّاف هذا الإهداء على كتابه "الألفاظ المحدَثة في المعاجم العربية المعاصرة":

"أضع هذا العمل على أعتاب خيرِ مَن ائتزرَ وارتدَى، وخيرِ مَن انتعلَ واحتفَى، وخيرِ مَن طافَ وسعَى، وخيرِ مَن حجَّ ولبَّى، على أعتاب مَن حُمِلَ على البُراق في الهوا، مَن صلَّى بملائكة السماء مثنى مثنى، على أعتاب خير خَلق الله، محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم".

  • وأهدى الأستاذ سعيد مغاوري محمد كتابه "بحوث ودراسات في البرديات العربية":

"إلى أرض مصر الطيبة المعطاءة، التي احتضنت أنبياء الله تعالى ورسله، وشَرُفت بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي قامت على أرضها وربوعها حضارة عظيمة، علَّمت البشرية كلها شتى الحِرَف والفنون، ومنها زراعة وصناعة ورق البَردي، الذي حفظ تاريخ الأمم والشعوب"

  • والأستاذ عبدالرحمن الحجي من المغرب، له كتاب "الكتب والمكتبات في الأندلس" قال في إهدائه:

"إلى كلِّ يمين أندلسية خطَّت كتابًا أو صفحة فيه، مؤلِّفةً أو مستحسنة، واعيةً أو جامعة، انتفاعًا به ونشرًا له، مبتغيةً وجه الله تعالى، قربةً واحتسابًا، أهدي هذه الكلمات".

  • ومما كتبه الأستاذ فهد خليل زايد إهداءً في كتابه "أساسيات اللغة العربية" قوله:

"إلى كلِّ عربيٍّ عشق العربية من حروفها، وشرب من كلماتها، فأدرك معنى الحياة".

  • وأنجز الأستاذ شاكر صادق المخزومي (من العراق) رسالته العلمية المفيدة "المشيخة البغدادية" وصدرت في كتاب من خمسة أجزاء، وعليه هذا الإهداء:

"إلى الأيدي التي آلت أن تؤازرني على إنجاز هذا الجهد المتواضع، في وقتٍ دقَّت فيه طبول الحرب، وفُقدت نعمة الأمان، لا يسعني إلا أن أهديه لها حبًّا وتقديرًا:

لمّا وضعتُ صحيفتي

في بطن كفِّ رسولها

قبَّلتها لتمسَّها

يمناكَ عند وصولها

وتودُّ عيني أنها

كانت خلالَ فصولها

لأرى بها من وجهك

الميمونِ غايةَ سؤلها"

(قلت: والأبيات لأبي إسحاق الصابئ إلى الصاحب بن عبّاد).

  • وأهدى الشيخ حسن الفاتح قريب الله (مدير جامعة أم درمان الإسلامية) كتابه "من مخطوطات التراث العربي في أوروبا وغيرها":

"إلى كلِّ من انتظم في طريقهم من أساطين الدعوة إلى الله تعالى". وأورد وصفهم من خلال هذه الأبيات:

هم الفقراء عنهم فاروِ ذكرا

وقفْ واسمعْ لهم خَبْرًا وخُبْرا

من الدنيا تجافَوا فاستراحوا

وقد قطعوا بها الأعمار صبرا

على وجناتهم كتبوا إليه

بأدمعهم حروفًا ليس تُقرا

إذا سهروا تراهم في الدياجي

يُديمون الخضوع لديه جهرا.

  • ومن الإهداءات اللافتة للنظر أيضًا، ما فعله الأستاذ وليد أحمد العناتي، بإهداء كتابه "نهاد الموسى وتعليم اللغة العربية":

"إلى آية

إذ قلت: ربِّ اجعل لي آية

فجعلها

وإلى أمها

الآية الكبرى".

 

  • وفي كلمات ألمٍ كتب الأستاذ صالح حميد العلي إهداءه على كتابه "المؤسسات المالية الإسلامية" هكذا:

"إلى مَن ربَّياني صغيرًا

ولم تكتحل عينهما برؤيتي شابًّا

والديَّ، رحمهما الله تعالى".

  • وفي كلما مؤثرة أيضًا كتب الأستاذ محمد خميس القطيطي إهداء كتاب له هكذا:

"إلى حبيب ما عادت ابتساماته تزهر بيننا وإن بقيت ذكراه عطرة.

وإلى أمٍّ ما برحت تكفكفُ دموعها كلما مرَّ طيفه في خاطرها".

  • وكتبت كذلك أستاذة الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار في جامعة القاهرة فايزة محمود الوكيل، على كتابها "أثاث المصحف في مصر في عصر المماليك" هذا الإهداء المؤلم:

"إلى شمعتي التي انطفأت، وزهرتي التي قُطفت

إلى أملي الذي ضاع، وبسمتي التي ذهبت

إلى قمري الذي خسف، وشمسي التي غربت

إلى نبضي الذي توقَّف، وروحي التي فاضت

إلى الحبِّ والحنان، والجمال والذكاء، نور عيني

إلى الصغير الكبير، إلى فلذة كبدي وثمرة فؤادي

إلى من كان أغلى من كلِّ مال، وأعزَّ من كل جاه

إلى روح ملاكي الطاهر سلامة محمد سلامة، الذي فقدته وفقدت معه الحياة

ليس هذا شعرًا ولا نثرًا، بل هي أنّاتُ قلبِ أمٍّ مكلوم فقدت وليدها.