الكتابُ طريقكَ إلى العقول!
وكذلك هو وسيلتكَ إلى القلوب!
وقد يكونُ الكتابُ فكرةً واحدة، أو أفكارًا.
ومسألةً أو مسائل...
والمهمُّ أن تكونَ الفكرةُ مقنعة، وتكونَ قد جمعتَ لها الحججَ والأمثلةَ الكافيةَ ليلمسَ العقول، وكتبتهُ بأسلوبٍ رشيق ليتسلَّلَ إلى القلوب!
ولا تظننَّ أن الإصلاحَ والإقناعَ يحتاجانِ في كلِّ مرةٍ إلى كلامٍ كثيرٍ وصبرٍ طويل،
فليس كلُّ الناسِ مثلُ بعضها في الإدراكِ والتثقيف،
وليست كلُّ البيئاتِ متشابهة،
إن الإصلاحَ ينطلقُ من كلمةِ حق، ويتمُّ التركيزُ عليها بقوة، وتكرارها،
والتفصيلُ يأتي من بعد.
وقد بدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع قومهِ بكلمة (لا إله إلا الله).
وركزَ عليها كثيرًا، وكرَّرها لهم.
فمساحةُ عقولهم ما كانت تستوعبُ كلَّ الحقائقِ وتفاصيلَها مرةً واحدة، ولا تستطيعُ هضمها.
ثم نزل القرآنُ الكريمُ متتابعًا يشرحُ هذه الكلمةَ على مدى سنوات...
والداعيةُ الفطنُ يعرفُ بيئتهُ وما يصلحُ لها وكيفيةَ إصلاحها..
وقد جاءت مرحلةٌ مباركةٌ في عصرنا، تزامنت مع نهضةٍ صحويةٍ قوية، كان الكتابُ الصغيرُ يشغلُ فيها قوةً كبيرةً في الدعوةِ والحِجاح، وفي إيصالِ الفكرةِ عن طريقِ الدعاةِ والمفكرين المسلمينَ والعلماءِ عامة، كلٌّ يقدِّمُ أهمَّ ما عندهُ بإيجاز وأسلوبٍ سهلٍ ميسَّر، يخاطبُ فيها طبقةَ الشبابِ خاصة، وقودَ المجتمع، وقوتَهُ وعاطفتَهُ الجياشة، ولا يتعالَى عليهم، بل يتحبَّبُ ويتقرَّب، يفسِّرُ آيةً كريمةً بأسلوب مشوِّقٍ وينزلها على أحداثٍ معاصرةٍ ووقائعَ حاضرة، أو يشرحُ حديثًا شريفًا ويستنبطُ منه الحُكمَ والحِكمةَ بما يربطُ المسلمَ بدينه ويتشبَّثُ بأحكامه، أو يسردُ قصةً مفيدة ماتعةً تأخذُ بيدِ فتاةٍ ضائعةٍ فتهتدي إلى دينها، أو يسوقُ أخبارًا وعِبَرًا من أحداثٍ ووقائعَ سابقةٍ أو لاحقة، ليصلَ الماضيَ بالحاضر، والأصالةَ بالمعاصرة، ليبقى المسلمُ قريبًا من دينه، وسيَرِ أبطاله، وتاريخه..
إنها رسائلُ صغيرةٌ ولكنها تحملُ معاني جليلة..
كان سلفنا يسمونَ الرسالةَ (جزءًا) وهي في حدودِ العشرين صفحة.
وما كان مفهومُ المقالِ عندهم واضحًا كما هو عندنا.
وكذلك "البحث"، و"الدراسة"، التي قد تصلُ إلى السبعين صفحة أو أكثر!
وانتشر لها في عصرنا مصطلح "كتيِّب" تصغيرًا للفظِ الكتاب بين العامة، أو شعبيًا كما يقال، لكنَّ الخاصةَ من العلماءِ وطلبةِ العلمِ لم يستعملوها في كتاباتهم إلا نادرًا، وذلك لجلالةِ قدر الكتابِ عندهم وسموِّه، حاملِ العلمِ والهدايةِ والخير. وكأنهم قاسوا ذلك على ما قاله التابعي الجليل سعيد بن المسيِّب رحمه الله: "لا تقولوا مُصَيحِف ولا مُسَيجِد، ما كان لله فهو عظيمٌ حسنٌ جميل".
.. نعم، لقد تقلَّصَ نفوذُ الكتابِ الصغيرِ بعد عقودٍ ثلاثةٍ تلَت مطلعَ القرنِ الهجري الخامسِ عشر، وكأنه أدَّى دورهُ المنوطَ به!
وفي هذا شيءٌ من الصحة، ولكن لا يُخشَى منه، فهو لم ينقطعْ أولاً، بل مازال يطبعُ ولكن بنسبةٍ أقلّ، كما صارت موادّ كتابية وإعلامية تطبعُ في نشراتٍ مطوية، بتكلفةٍ أقل، وهناك وسائل وأساليبُ أخرى انتشرت باستحداثِ الشبكةِ العالمية للمعلوماتِ وفنونها..
إن لكلِّ زمنٍ وسائلهُ النافذة، والكتابُ منذ نشأتهِ في قرونٍ غابرةٍ وحتى يومنا هذا مازال نافذًا، وإنْ خفتَ ضوؤهُ نوعًا ما، ومن ذلك فرخهُ الكتابُ الصغير..
والمهمُّ عند المسلم: المحتوى.. والأسلوب.. والإقناع، سواء أكان ذا غلافٍ أم لم يكن..
واللهُ يؤيدُ الحقَّ وينصره.