مازال الكتابُ الإسلامي يُنشر من غير تنظيم، أعني من غير تخطيطٍ وتوجيه، فهو في معظمه جهود أفراد وليس مؤسَّسات، فلا يُشكل إنتاجُ الجمعيات واللجان والنوادي وأمثالها سوى نسبة ضئيلة مقارنة بإنتاج الأفراد، وحتى الذي تنشره لا يشكل سوى نسبة قليلة من إنتاجها الحقيقي، ذلك لأنها تتلقَّى من الأفراد جهودهم وتنشرها لهم!
وأذكر هنا جانب النقد والميزان، أما حجم الساحة الكتبية الإسلامية فإيجابية ورائعة جدًّا، وتبشِّر بحركة فكرية ونهضة ثقافية متصاعدة.
إن العالم سار ويسير في تطور رقمي هائل في العقود الأخيرة، وما زالت جهودنا المحكَّمة، المدروسة والمخطَّطة، تعاني فوضى وبطءًا، وإعادة وتكراراً، فبعض كتب الدعوة أو العقيدة طُبعت أكثر من 20 و 50 طبعة دون تطوير، على الرغم من تطور الظروف، وعلى الرغم من حاجة المجتمع إلى معالجة أمور جديدة عقدياً ودعوياً، والإنتاج الجديد الموجود - غالبًا - جهودُ أفراد تحتاج إلى مراجعة وتحكيم وتطوير لتلائم الترجمة إلى لغات عالمية وتوزعَ في طبعات متتالية ورقياً وإلكترونياً.
وسببُ هذا التأخير والفوضى هو تشتتُ العالم الإسلامي، وعدمُ تسييره من قبل حكّام يهمهم نشر الإسلام، ولتشتت جهود علمائه ومفكريه، فليس هناك ما يجمعهم على خطة واحدة للنشر، وليس هناك ما يوجههم عالمياً إلى ما يحتاجه الناس وتحتاج إليه ساحة الدعوة، وليس هناك من يجمع لهم أحوال الدنيا وتطوراتها السريعة ونوازلها في كلِّ بلد، لتعالجَ الأمور في وقتها، وتوجَّه إسلامياً، وتُنشرَ في وسائل الاتصال الإعلامية والدعائية في حينها.
لقد كتبتُ منذ سنوات مقترحًا مشروع "الجمعية العالمية للكتاب الإسلامي" التي تستطيع أن تقوم بهذا العمل بكفاءة إذا كُتب لها النجاح، وتشكَّلُ من دعاة ومفكرين وخبراء في الكتاب من معظم الدول الإسلامية، وكلُّ لجنة في كلِّ بلد تقدم تصورها في هذا الشأن، وتقوم بجمعها ودراستها وتقويمها الهيئة العليا للجمعية، وتتبنى تنفيذها في خطوات متطورة وملموسة اللجنة التنفيذية بها، مثل ترجمة الأعمال المقبولة والمهمة لنشرها عالمياً، ليستفيد منها المسلمون وغيرهم، خدمة لدين الله القويم، ودفعة قوية للدعوة، ولكسب إخوة جدد في الدين.
وقد تأخرنا كثيراً في تنفيذ هذا الأمر.
وما زال الأمر متاحاً.
والله الهادي.