ما هي أكثر الكتب التي أثَّرت في حياة المسلمين وفكرهم على مدى التاريخ؟
سؤال طرحته على نفسي كثيراً، وودت لو عرفت جوابه!
والذي أرَّقني أنني لم أجد من بحث فيه كاملاً، كما أنني لم أعرف الجواب من أطرافه.
وكنت أعجب كيف أنه لم يُبحث فيه حتى الآن، على الرغم من أهميته، ومرور ثلاثة عشر قرناً على بدء التأليف في الإسلام، دون تقويم شامل له، أو إشادة بروائعه وأكثره تأثيراً، في دراسة علمية متكاملة.
فإن معرفة جانب عظمة التأثير في الكتاب يعني أهمية مضمونه، وقوة ما طرح فيه، وسيطرته على فكر أعلام الأمة واتجاهاتهم العلمية على مدى قرون وقرون.
ويعني أيضاً أن مؤلفه أوتي عقلاً جبّاراً، وذكاءً كبيراً، وفكراً راجحاً، وقوة في الفهم والاستنباط، وقدرة على الاستنتاج، وبراعة في الأداء وإيراد الحجج.
وإذا أوتي مثلُ هذا الكتاب قبولاً عند الأمة وعلمائها فقد يعتبر مؤلفه من المجدِّدين، وهؤلاء لهم قيمة عظيمة عند المسلمين، حيث ورد الثناء عليهم في الحديث الصحيح، فهم يعتبرون بحق ورثة الأنبياء، ومجددي الدين، ومحركي العقول والقلوب، ومذكي روح النهضة والصحوة في النفوس والمجتمعات.
وإن إبراز هذه الكتب وأمثالها أمام القارئ المسلم، ودراسة ما فيها، والإشارة إلى جوانب العظمة فيها، وبيان دقة مؤلفيها، والنتائج التي توصلوا إليها، يوقظ في نفسه همةً عالية في طلب العلم، والبحث في مسائله، وتقديم المفيد منه، والإقبال على القيِّم النافع منه، فالفكر يقدح الفكر، والعلم يزيد بين اثنين، ومدارسته بين الأستاذ والتلميذ يزيد من الاستنتاج والفهم.
ومثل هذا يشجع العلماء والمفكرين المسلمين ليحذوا حذوهم في اختيار الفِكَر، وطُرق البحث، وجوانب التأثير، ومناسبة العرض، كلٌّ فيما يناسب عصره، وما يوافق علمه وتخصصه.
قلت هذا تذكيراً للقارئ الكريم بهذا الموضوع الذي لم يبحث بعد، وتشويقاً له حتى يتفاعل معه ويبحث فيه، أو يشارك في البحث فيه، أو يتذكر ما يشاء منه ويدونه عنده.
ومع جلالة البحث في هذا الموضوع ورغبتي في خوض مباحثه، فقد عرتني هيبةٌ من الخوض فيه.
فالموضوع يحتاج إلى عقل "كبير"، ومعرفة ودراية بالثقافة الإسلامية على مدى العصور، والحضارة الإسلامية الكبيرة، وإحاطة بجوانب التأثير الحقيقية، من خلال إيراد الأدلة والأمثلة، وهذا كله يحتاج إلى شمولية في معرفة العلوم والآداب والمقارنة بينها وربطها بمصدر التأثير المبحوث فيه.
وكنت أقول إن الذي يريد أن يكتب فيه ينبغي ألا يكون "مذهبياً"، حتى لا يدرج شيئاً مما تعلق به ضمن أشياء أخر هي أقوى وأجلّ مما يبحث فيه ويريد له بحثاً علمياً خالصاً.. وكانت الفكرة تبرق في ذهني مرة بعد أخرى، فأطفئها أو "أختبئ" منها بحجة أنها كبيرة على أمثالي من طلبة العلم، وأنني قد أبحث فيها إذا ازددت علماً وخبرة إن شاء الله. وكان العنوان الذي اخترته هو: "أكثر الكتب تأثيراً في الفكر الإسلامي" أو "في الحياة الإسلامية".
ثم تفاجأت بصدور كتاب في هذا الموضوع، أو قريب منه، فأطفأ في نفسي "التفاعل" الذي كنت أجده للبحث فيه. حيث لا أجد الرغبة في الكتابة فيما كُتب فيه عادة، إلا إذا قورن بها سبب آخر، وكنت متفائلاً أن يتولَّد من هذا التفاعل النفسي والفكري مع الموضوعِ الخوض فيه بشكل أو بآخر، في وقت ما، إذا قدَّر الله.
وعندما وقع عيني على هذا الكتاب، تأملت أن يكون قائماً بما جاش في قلبي وسيطر على فكري، لكنني رأيت أنه جزء من المشروع وليس كله، وعليه ملاحظات، وقد ينال منه النقد ما ينال.. وأودُّ هنا أن أذكر للقارئ مقتطفات من مقدمته، ثم قائمة بالكتب التي عرضها، وهي عشرة.
والكتاب هو: "كتب إسلامية غيَّرت الفكر الإنساني" تأليف أحمد الشنواني، صدر في دمشق والقاهرة عن دار الكتاب العربي سنة 1425هـ، ويقع في 256ص.
ذكر المؤلف أننا نجد في تاريخ الإسلام عدداً من الكتب العظيمة التي كان لها أعظم الأثر على مسيرة الحياة والإنسان والتاريخ والثقافة والفكر والعلم والمدنية، وأنه جمع في كتابه هذا عشرة كتب من الكتب الإسلامية الرائدة والخالدة التي أثرت تأثيراً عظيماً على الفكر الإنساني على مرِّ التاريخ، وأنها خلاصة قراءات للكتب لفتت نظره إلى ما فيها من فكر وتجربة وخبرة، وهي:
- الموطأ لمالك بن أنس (الكتاب الذي صار الأساس لبناء المدرسة الفقهية للعالم الإسلامي بأسره)
- الرسالة للإمام الشافعي (أول كتاب منظم قدم للإنسانية الفكر القانوني والتشريعي للإسلام).
- المسند للإمام أحمد بن حنبل (أكبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفتاوى الصحابة وأقضيتهم)
- الجامع الصحيح للإمام البخاري (أعظم عمل علمي يجلُّه المسلمون).
- الرسائل الفلسفية للكندي (الرسائل التي ثبتت دعائم الفلسفة الإسلامية).
- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه (الكتاب الذي أرسى تقويم الأخلاق والسلوك على أساس دراسة علمية سليمة).
- إحياء علوم الدين للغزالي (مرجع الباحثين على الإيمان الصحيح الذي سيظل مصدر إلهام ونور في العالم الإسلامي)
- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد (الكتاب الذي ترك أعظم الأثر في أوروبا وأخرجها من ظلمات التقليد إلى نور العقل والفكر).
- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (الذي لقب بمرجع العلماء وحجة الفقهاء ولسان الحكماء).
- رسالة الخلود لمحمد إقبال (الرسالة التي فسرت حقيقة الخلود وناقشت قضايا الإنسانية بطريقة فنية رائعة).
ويلاحظ القارئ أن المؤلف توسَّع في أبعاد الموضوع الذي نريد البحث فيه، فشمل عنده: "الفكر الإنساني" وليس "الإسلاميَّ" وحده، ولهذا أورد كتباً في الفلسفة والأخلاق، التي أثرت في الفكر الغربي وآراء فلاسفته ومنظِّريه.
والموضوع مازال بحاجة إلى بحث ومناقشة وتعقيب، وربما كتابة جديدة فيه، فإن هناك علماء وأعلاماً بإمكانهم استنتاج المزيد من نقاط القوة والتأثير في تلك الكتب العظيمة وجوانبها العلمية الفذَّة.
وحتى لا نغمط الكاتب حقه، نذكر أن فضل الريادة في الكتابة في هذا الموضوع تبقى له، مع الدعاء له بالتوفيق والسداد.
وإن هناك موضوعات قُتلت بحثاً حتى مُلَّت ولم تعد تقرأ، وموضوعات لم تبحث، أو بحثت ولم تعط حقها... وقد يوافقني القارئ على أن هذا الكتاب ينطبق عليه ما ذكرنا.
ومن الأمور التي يمكن التدرُّج فيها للبحث عنها هنا، هو اختيار عشرة كتب معروفة من كل فن من فنون العلوم الإسلامية، الشرعية منها وغير الشرعية في ساحة الإسلام، ثم اختيار خمسة من هذه العشرة، ثم واحد من الخمسة، لتبرز أهم الكتب تأثيراً. ويبدو واضحاً أن الاختلاف في وجهات النظر ستكون واردة، لكن المهم هو تحريك الفكر، والإشارة إلى ما هو "مؤثر" و"فعال" و"مفيد"، وهو المطلوب. فقد أذكر من الكتب الشرعية أن كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي يعتبر في قائمة الكتب الأولية المؤثرة في حياة المسلمين، فهو أكثر الكتب انتشارًا وتوزيعاً بعد القرآن الكريم، ويقتنى أكثر من الصحيحين على الرغم من كونه قبساً منهما ومن غيرهما، ولا يكاد يخلو منه مسجد أو جامع، بل يكاد أن يكون في بيوت معظم المسلمين.
وستمتد المناقشة إلى الكتب الأكثر تأثيراً في عصرنا هذا، ولتكن عشرين أو أربعين أو أكثر...
مع الإشارة والتركيز على حرية البحث والتجرد فيه، وعدم التضييق على الفكر، وألا يكون مذهبياً أو وطنياً محدوداً له تأثير في بقعة معينة من ديار المسلمين أو جماعة وطائفة منهم دون غيرهم، بل يكون شاملاً لهذا وذاك، وليكون البحث قائداً إلى آفاق أوسع في الفكر والثقافة بما يناسب الموضوع المبحوث فيه.
هذا مع الإشارة إلى ما هو معروف عند الباحثين، من أن الموضوعات التي يتطرق إليها أول مرة تتأرجح بين القوة والضعف، حتى يأتي من يكمل مواضع النقص فيها، ويأتي آخرون فيزيدونها إيضاحاً وأمثلة، فتكتمل جوانب الموضوع، ولعل هذا ما حدث لمؤلف الكتاب السابق، وهو ما يؤمل من الاهتمام به وبما عرضه واستنتجه.
ويكفي المؤلف الكريم أنه تطرَّق إلى موضوع لم يبحث فيه من قبل، ولو أنه لم يحقق الهدف منه كاملاً.
وقد يقوم القائمون على موقع أو مؤسسة علمية أو مركز ثقافي أو صحيفة إسلامية بعمل دراسة محكمة وتصميم استمارة موجزة وطرحها لمساءلة القراء عن أهم الكتب أو أكثرها تأثيراً في الإسلام، فقد يتلقون مشاركات قيمة قد لا تخطر على ذهن باحث واحد لو تصدى للكتابة في هذا الموضوع، ويمكن جمع هذه الإجابات ثم اختيار الملائم منها ونشرها في موقع أو كتاب.
والمخطط لهذا أن يعمَّ طبقات المجتمع المسلم الفكرية المتعددة، والعلوم المتنوعة، مثل علم الكلام، والأدب الإسلامي، والإعلام الإسلامي، والتصوف، والبلاغة، والفلسفة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، والحضارة الإسلامية، عدا ما هو معروف من العلوم الشرعية الجليلة..
كما أن الفكرة مطروحة لتكون رسالة جامعية عالية، بل رسائل، حيث تعلق الأمر بأكثر من جانب علمي متخصص...
وأخيراً أشير إلى أن هناك من سبقنا إلى البحث في هذا الموضوع من الغربيين، ولا عذر لنا في التخلف عنهم فيه، فالمجال مفتوح لمن شاء للخوض فيه...
ومما وقفت عليه من ذلك:
كتب غيَّرت وجه التاريخ / تأليف روبرت داونز؛ ترجمه أمين سلامة، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
كتب غيَّرت التاريخ / تأليف أشرف عبدالغفور قدح (لم أره).
تراث الإنسانية: السلسلة التي تناولت بالتعريف والبحث والتحليل "روائع الكتب التي أثرت في الحضارة الإنسانية" وأصدرتها الهيئة السابقة...
ويفعل الله ما يشاء.