تعقيب وبيان حول
"كتب قيمة إسلامية بينة"
إلى الإخوة القائمين على موقع "الألوكة" حفظهم الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإني أشكر لكم موافقتكم على نشر "كتب قيمة إسلامية بينة" في الموقع، الذي أرجو الله أن ينفع به.
وعذراً إن تدخلت في شؤون التحكيم عندكم، وما أذكره هنا دفاع عما اخترته من عرض كتاب حذفتموه، وهو "كتب إسلامية غيرت الفكر الإنساني" لمؤلفه أحمد الشنواني.
- ليُعرف أولاً أن عرض الكتاب ليس تزكية له ولا دفاعاً عنه، وقد نبهت إلى ذلك في آخر مقدمة الكتاب بقولي: "على أن ذكرها هنا ليس تزكية لها جميعاً، وإنما هو تنبيه لموضوعاتها وما بحث فيها".
- الكتاب جديد في موضوعه لم يتطرق إليه من قبل، ولم يؤلف فيه أحد، على الرغم من مرور نحو ثلاثة عشر قرناً على تأليف الكتب في الإسلام. فما هي أكثر الكتب تأثيراً في ساحة الإسلام، أعني تأثيرها على المسلمين على مدى هذه القرون، بغضِّ النظر عن نوع المحتوى، وملاءمته لمذهب فقهي أو عقدي دون آخر؟
ولذلك يُكتب لمؤلف هذا الكتاب الريادةُ في خوض هذا الموضوع، بغضِّ النظر – أيضاً – عن نجاحه أو فشله فيه، بل توسع في موضوع الكتاب ليشمل "الفكر الإنساني" وليس الإسلاميَّ وحده، ولذلك أورد عناوين كتب فلسفية وأخلاقية أثرت في الفكر الغربي أيضاً.
- والهدف من عرضه ليس موافقته على كل ما يقول، ولا على ما يقوله بقية الكتَّاب فيما يأتي من عرض كتبهم، بل هو "للإشارة" إلى موضوع هذا الكتاب الخطير، فقط الإشارة، ليعلم القارئ أهمية موضوعه، وأنه بُحث، وليكون على علم به.
وقد أشرت إلى هذا النوع من العمل في مقدمتي أيضاً، فقلت "والهدف من هذا كله الإشارة إليه، وتنبيه القارئ إلى موضوعه وأنه بحث، ليقتنيه أو يقرأه من شاء".
فهل من حرج إذا عُرضَ رأي كاتب، في حيدة علمية، ليُطَّلعَ عليه؟
ألا توجد كتب كثيرة شرعية وغير شرعية في مكتباتنا الخاصة والعامة توجد فيها أخطاء وخلافيات ووجهات نظر واجتهادات لا توافق ما نرتئيه، منها ما هو غير محقق ولا تعقيب عليها، فلا نضيق بها، ولا يمكن الاستغناء عن بعضها أصلاً، لأنه لا مقصد لأهلها في مخالفة الإسلام، بل هو اجتهاد ورأي، ويقال في هذا الكتاب مثلما يقال في غيره.
- وإذا لم ينجح الباحث في مشروع له فلا يعني إهماله "كاملاً"، بل يستفاد منه ولو في شيء قليل، ويكفي أنه فتح المجال في هذا الموضوع، أو نبَّه إليه، أو فتح شهية النقاد ليكتبوا ويصححوا ويزيد ويعقِّبوا، فتزاد المناقشة العلمية النافعة في هذا الموضوع، فالفكر يقدح الفكر، والعلم يزيد بين اثنين كما يقال.
وعندما عرضت الكتاب أشرت إلى أن الكاتب لم يوفق في الوصول إلى ما كنت أؤمِّله، بل إنه تطرق إلى جزء مما هو مطلوب، وقلت فيه: "عندما وقع عيني على هذا الكتاب تأملت أن يكون قائماً بما جاش في قلبي وسيطر على فكري، لكنني رأيت أنه جزء من المشروع وليس كله، وقد يكون عليه نقد، والمهم هنا أن أذكر للقارئ مقتطفات من مقدمته منه".
- فما يقول إخواني في التحكيم: إبعادُ الكتاب أفضل، أم الإشارة إليه ليفتح مجالاً للنقاش المفيد، ويتحرك إلى الكتابة فيه من هو أكثر اطلاعاً، فيزيد الموضوع إيضاحاً، ويعطيه حقه، وخاصة أنه لم يكتب فيه حتى الآن كما قلت؟ وقد ذكرت في المقدمة إلى أن هناك موضوعات قُتلت بحثاً حتى مُلَّت ولم تعد تقرأ، وموضوعات لم تبحث، أو بحثت ولم تعط حقها... وقد يوافقني القارئ على أن هذا الكتاب ينطبق على ما كتبت بما هو مفهوم.
وفي جميع الأحوال لا خسارة من عرضه ألبتة، بل الفائدة –عندي- واضحة تماماً.. والله أعلم..
- والوضوح في الفائدة يكمن في أن معرفة الكتب ذات التأثير على المجتمعات والطبقات العلمية منها خاصة يفيد الباحثين في معرفة نقاط التأثير وأسلوب الكتابة ومجالها وكيفية اختيار الموضوع، ليكون ذلك قائداً إلى الكتابة وطريقة التأثير، ومن ثم الاستفادة منها للكتابة فيها حالياً بما يفيد المسلمين ويجمع كلمتهم ويثير فيهم كوامن الخير والقوة.
والذي يفتح مثل هذا المجال هو الإشارة إلى مثل هذه الكتب وعرضها.
- ومن الأمور التي قد تبرز في النقاش هنا هو اختيار عشرة كتب معروفة من كل فن من فنون العلوم الإسلامية، الشرعية منها وغير الشرعية في ساحة الإسلام، ثم اختيار خمسة من هذه العشرة، ثم واحد من الخمسة، لتبرز أهم الكتب تأثيراً. ويبدو واضحاً أن الاختلاف في وجهات النظر ستكون واردة، لكن المهم هو تحريك الفكر، والإشارة إلى ما هو "مؤثر" و"فعال" و"مفيد"، وهو المطلوب.
وستمتد المناقشة إلى الكتب الأكثر تأثيراً في عصرنا هذا، ولتكن عشرين مثلاً، في فنون مختلفة، كالتفسير، والعقيدة، والدعوة، والتراجم، والحديث، واللغة العربية...
وقد كتبت شروطاً لمن أراد أن يبحث في هذا الموضوع، عندما عرضت الكتاب المذكور.
وإن كل هذا يقود إلى آفاق أوسع في الفكر والثقافة، وعدم التضييق على ذلك هو ما كنت أرجوه من إخواني في "الألوكة".
- هذا مع الإشارة إلى ما هو معروف عند الباحثين، من أن الموضوعات التي يتطرق إليها أول مرة تتأرجح بين القوة والضعف، حتى يأتي من يكمل مواضع النقص فيها، ويأتي آخرون فيزيدونها إيضاحاً وأمثلة، فتكتمل جوانب الموضوع، ولعل هذا ما حدث لمؤلف الكتاب الكريم، وهو ما يؤمل من عرضه.
- يبقى القول في تسمية الكتاب "كتب قيمة إسلامية بينة" وأن الكتاب المذكور لا يندرج تحت هذا التعبير، من وجهة نظر إخواني في "الألوكة".
أقول: فيه جانب من ذلك لا شك، دون تحديد نسبته، ويكفي المؤلف أنه تطرَّق إلى موضوع لم يتطرق إليه من قبل، ولو أنه لم يحقق الهدف منه كاملاً.
ثم إنه لا يشترط أن يشمل المصطلح جميع جزئيات الموضوع الذي يتناوله، بل يكفي أن يكون معظمه كذلك، وهو أمر معروف عند الأصوليين، فلا يشترط أن يكون جميع فصول وبحوث ومطالب الكتاب مندرجة تحت عنوان الكتاب بكل دقة، بل هو عنوان عام لأبوابه وفصوله.
وهناك من يختار عنوان قصة من مجموعة قصصه يعنون بها كتابه!
وأمثلة هذا كثيرة.
فإذا قلت في العنوان "كتب قيمة" فلا أعني كل المؤلفات المعروضة فيه، فقد تكون عشرة منها من بين مائة ليست كذلك، وإنما الهدف من عرضها هو التنبيه إلى أهمية موضوعها. ثم إن ذلك يختلف من وجهة نظر مؤلف إلى آخر.
- فرجائي من إخواني في التحكيم أن يأخذوا جميع ما ذكرت في الاعتبار إذا أرادوا حذف عرض كتاب ما.
وإذا لم يبدُ لهم وجه الفائدة فيه فليقدِّروا اختيار المؤلف، فهو المسؤول أمام القراء عن عمله.
- ومن خلال هذا التعقيب أقترح على موقع "الألوكة" أن يقوم القائمون عليه بعمل دراسة محكمة وتصميم استمارة موجزة وطرحها لمساءلة المرتادين إليه عن أهم الكتب أو أكثرها تأثيراً في الإسلام، مع بيان السبب والمقارنة، حسب المقدرة. فقد يتلقون مشاركات قيمة قد لا تخطر على ذهن باحث واحد لو تصدى للكتابة في هذا الموضوع، ويمكن جمع هذه الإجابات ثم اختيار الملائم منها ونشرها في الموقع أو في كتاب. لكن الذي أرجوه هنا أن يكون الأمر شاملاً لا مذهبياً، ليشمل طبقات المجتمع المسلم الفكرية المتعددة، مثل علم الكلام، والأدب الإسلامي، والإعلام الإسلامي، والتصوف، والبلاغة، والفلسفة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، عدا ما هو معروف من العلوم الشرعية الجليلة.. ويفعل الله ما يشاء.
- بعد هذا، أرجوا ألا يكون هناك بأس من عرض هذا الكتاب، كوني قارئاً في الموقع، لا معداً أو مؤلفاً.
فالكتاب هو "كتب إسلامية غيَّرت الفكر الإنساني" الذي ألفه أحمد الشنواني، وصدر في دمشق والقاهرة عن دار الكتاب العربي سنة 1425هـ، ويقع في 256ص.
قلت في أوله: "كان موضوع هذا الكتاب قد شغلني سنوات، وحُبِّب إليَّ بحثه وعرضه، لكنني كنت أهاب الخوض فيه، فهو يحتاج إلى عقل "جبّار" ومعرفة ودراية بالثقافة الإسلامية على مدى العصور، والحضارة الإسلامية الكبيرة، وكنت أقول إن الذي يريد أن يكتب فيه ينبغي ألا يكون مذهبياً، حتى لا يدرج شيئاً مما تعلق به ضمن أشياء أخر هي أقوى وأجلّ.. وكانت الفكرة تبرق في ذهني مرة بعد أخرى، فأطفئها أو "أختبئ" منها بحجة أنها كبيرة على أمثالي من طلبة العلم، وأنني قد أبحث فيها إذا ازددت علماً وخبرة إن شاء الله. وكان العنوان الذي اخترته تقريباً هو "أكثر الكتب تأثيراً في الفكر الإسلامي" أو"في الحياة الإسلامية".
وعندما وقع عيني على هذا الكتاب، تأملت أن يكون قائماً بما جاش في قلبي وسيطر على فكري، لكنني رأيت أنه جزء من المشروع وليس كله، وقد يكون عليه نقد.. والمهم هنا أن أذكر للقارئ مقتطفات من مقدمته، ثم قائمة بالكتب التي عرضها، وهي عشرة.
ذكر المؤلف أننا نجد في تاريخ الإسلام عدداً من الكتب العظيمة التي كان لها أعظم الأثر على مسيرة الحياة والإنسان والتاريخ والثقافة والفكر والعلم والمدنية، وأنه جمع في كتابه هذا عشرة كتب من الكتب الإسلامية الرائدة والخالدة التي أثرت تأثيراً عظيماً على الفكر الإنساني على مرِّ التاريخ، وأنها خلاصة قراءات للكتب لفتت نظره إلى ما فيها من فكر وتجربة وخبرة، وهي:
- الموطأ لمالك بن أنس (الكتاب الذي صار الأساس لبناء المدرسة الفقهية للعالم الإسلامي بأسره)
- الرسالة للإمام الشافعي (أول كتاب منظم قدم للإنسانية الفكر القانوني والتشريعي للإسلام).
- المسند للإمام أحمد بن حنبل (أكبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفتاوى الصحابة وأقضيتهم)
- الجامع الصحيح للإمام البخاري (أعظم عمل علمي يجلُّه المسلمون).
- الرسائل الفلسفية للكندي (الرسائل التي ثبتت دعائم الفلسفة الإسلامية).
- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه (الكتاب الذي أرسى تقويم الأخلاق والسلوك على أساس دراسة علمية سليمة).
- إحياء علوم الدين للغزالي (مرجع الباحثين على الإيمان الصحيح الذي سيظل مصدر إلهام ونور في العالم الإسلامي)
- الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد (الكتاب الذي ترك أعظم الأثر في أوروبا وأخرجها من ظلمات التقليد إلى نور العقل والفكر).
- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (الذي لقب بمرجع العلماء وحجة الفقهاء ولسان الحكماء).
- رسالة الخلود لمحمد إقبال (الرسالة التي فسرت حقيقة الخلود وناقشت قضايا الإنسانية بطريقة فنية رائعة).
محمد خير رمضان يوسف
30 ربيع الآخر 1425 هـ