عندما تقرأ كتابًا فقد تبتسمُ وتقهقه،
وقد تدمعُ عيناكَ وتكفكف،
أو تستغرقُ في تفكيرٍ طويلٍ وتتخيَّل...
إنه فيلمٌ وثائقيٌّ إنسانيٌّ من ورقٍ ومجموعةِ حروفٍ متتالية،
يرسمُ لكَ مشاهدَ ويضعُ لكَ حوارات،
ويذهبُ بكَ إلى آفاقٍ أو يضعُكَ في وديان،
ويعطيكَ فكرًا ومعرفة،
وعلمًا وزادًا..
........
لقد تعبَ هذا الكتابُ الذي حملَ أطنانًا من أفكارِ البشر،
فيها آلامهم وآمالهم،
وسلمُهم وحربهم،
وودُّهم وغدرهم،
وقصصهم وحكاياتهم،
ومعارفهم وعاداتهم،
وعقائدهم وفلسفاتهم،
وعلومهم ولغاتهم،
وآدابهم وأشعارهم،
وأمثالهم وحِكَمهم،
وتاريخهم وسيَرهم،
على مدى أحقابٍ من التاريخ،
وسلَّمَ هذا الكتابُ نفسَهُ إلى أشعَّةٍ وإلكترونات،
ليقبعَ خلفَ ملفّاتٍ ومجلَّداتٍ في زوايا لا تُلمَس،
ولا تُرَى إذا طُفئَ ضوؤها!
بعد أن كان جسمًا وجمالاً وهيبة،
لقد كان الكتابُ متواضعًا جدًّا عندما قبلَ أن يكونَ كذلك،
وادَّعَى الإنسانُ أنه فعلَ به ذلك لتقدُّمِ العلم،
ولمناسبةِ زمانِ الإلكترون!
وبقيتْ نُسخٌ على استحياءٍ تبحثُ عن قارئ قديمٍ ليلمسها بحنان،
ويتذكَّرَ جنسَ الكتابِ وتاريخَهُ القديم،
وزمانَهُ الأصيل،
وعطاءَهُ الجزيل،
والقارئُ ساكنٌ حزينٌ لا يتحرك،
قد احدودبَ ظهرهُ من الهمِّ والألم،
والكتابُ كأنه جدثٌ أمامه،
وقد انحنى وشكَّلَ قوسًا عليه،
وكأنه يقولُ له:
لقد هرمتُ مثلك،
وكلانا سواء!