سرقة كتاب "الخضر بين الواقع والتهويل"

أبلغ باحث «الشرق الأوسط» أن صاحب دار للنشر في بيروت انتحل كتاباً عن الخضر عليه السلام صدر له منذ حوالي 18 عاماً، ونسبه إلى نفسه بعد أن غيَّر عنوان الكتاب، ونقل منه حوالي 90 في المائة، ولم يشر السارق إلى المصدر، بل إنه تجرأ ونقل حرفياً مقدمة الكتاب المسروق. وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بصاحب الدار المذكورة الذي نفى حصول فعل السرقة. وننشر هنا دعاوى الاثنين، تاركين الحكم للقارئ.

يقول الباحث محمد خير رمضان: «فوجئت بكتاب معنون باسم «كشف البيان عن حال الخضر أبي العباس عليه السلام»، جمعه واعتنى به الشيخ خضر العبيدي، وقّدم له الداعية المربي الشيخ محمد عبد الله عيتاني، وعند تصفحه وجد أن ما ورد في الكتاب قد نقل حرفياً من كتاب قد صدر لي عام 1984م. وإن بيانات الكتاب الأصل، الذي هو من تأليفي، طبع ثلاث طبعات وجلّ اعتماد الكاتب على الطبعة الأولى منه، وهي «الخضر بين الواقع والتهويل» تأليف محمد خير رمضان يوسف. الطبعة الأولى ـ دمشق: دار المصحف، 1404، 368 ص، 20سم ـ سلسلة أعلام قرآنية».

أما كتابي الذي صدر وعليه اسم آخر، فبياناته هي: كشف البيان عن حال الخضر أبي العباس عليه السلام، جمعه واعتنى به الشيخ خضر العبيدي، قدم له الداعية المربي الشيخ محمد عبد الله عيتاني، طبعة مزيدة ومنقحة ـ بيروت دار العبيدي للتراث: دار ابن حزم، 1422هـ. 111 ص 24 سم «سلسلة قطوف دانية ـ 15».

ولو قلبت الصفحات التي نقلها ـ أعني سرقها ـ ومواضعها من الكتاب الأصل، لطال الأمر ولكن أشير إلى مواضعه اجمالاً بالفصول، واحتفظ بالتفصيلات لأي طارئ.

المقدمة 9 ـ 13 نقلها برأسها من المقدمة التي كتبها لي الشيخ عدنان حقي الذي راجع لي الكتاب أكثر من مرة، وهي موجودة في ص 15 ـ 19 من الكتاب الأصل. وبضعة الأسطر التالية هي من كلامي في ص 35 ولم يضف إليها سوى «الحمدلة» في الأول، والدعاء في الآخر.

وفي الطبعة الثانية أو الثالثة في كتابي الذي أصدرته دار القلم بدمشق أوردت 16 كتاباً مما ألف في الخضر من الكتب القديمة. و 6 كتب حديثة، و3 دراسات، وذلك في ص 21 ـ 24 منه. وسرق هو منها 15 كتاباً من أصل 16 ثم 5 من أصل 6 والدراسات الثلاث، وذلك في ص 15 ـ 17 من كتابي الذي وضع عليه اسمه. والفصل الأول الذي رقمه من ص19ـ 41 نقله من كتابي الطبعة الأولى من 43 ـ 82 و169 ـ 182. وما بين ص 26 ـ 29 نقولات من كتابي وغيره، ذكرها هوامش مزيفة، لا تدل على حقيقة النص. فقد ذكر في الهوامش «وفيات الأعيان» و«شذرات الذهب» و«طبقات الشافعية» و«الديباج المذهب» و«تذكرة الحفاظ» و«هدية العارفين»، وكلها لا علاقة لها بالخضر عليه السلام، وانما فيها تراجم أعلام، أمثال ابن الصلاح وغيره ممن ذكروا اقوالاً في الخضر في مؤلفاتهم، وهذا تمويه للقارئ ليظن انه ينقل نصوصاً عن الخضر من مصادر أخرى، وهو كذب وافتراء. ففي ص 27 اورد قول الحسن البصري «وكل إلياس بالفيافي.. الخ». ذكر أربعة مراجع في الهامش، وعندما تفتح هذه المصادر تراها ترجمة للحسن البصري ولا علاقة لها بالقول المذكور، وفي الفقرة التي بعدها وضع رقماً على اسم «خالد بن معدان» ووضع له هامشاً فيه مصدران لترجمته، مع أن خالداً هذا نقل كلاماً عن كعب الأحبار، فلا علاقة للهامش بالموضوع من قريب أو بعيد.. وقس على ذلك، وفي ص 31 ـ 34 نقل عن الشيخ محمد عوامة في كتابه «أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين» ولا علاقة له بالخضر البتة، والعجيب من أمر هذا الكاتب أنه ينقل 4 صفحات فيذكر اسم الكاتب وكتابه، وينقل مني 100 صفحة ولا يذكر ذلك.

أما الفصل الثاني ص43 ـ 48 فقد سرقه من كتابي ص105 ـ 112. والفصل الثالث ص49 ـ 90 استولى عليه نصاً وهامشاً وعلامات ترقيم من كتابي ص115 ـ 167، وفقرة «سبب لقاء موسى بالخضر» ص90 ـ 91 أخذه من ص95 ـ 97 من كتابي. وفقرة «التقاؤه بإلياس» ص91 ـ 93 سرقه من كتابي ص247 ـ 251. ولقاؤه بموسى عليه السلام ص 93 ـ 96 هو من كتابي ص257 ـ 263 وص 356. و«شروط الاجتماع بالخضر» ص 96 ـ 97 أخذه من ص 344 ـ 345 من الكتاب الأصل. واجتماعه بالعلماء والأولياء ص97 ـ 101 سرقه من كتابي ص 312 ـ 332 وفي آخره زيادة 7 سطور: حمد الله أن انتهى إلى هذه الغاية «يحمد الله على السرقة». واستغفر وتاب إليه من كل خطأ وزلل «وهل أخطأ أو وقع في زلة»، ثم صلى على نبيه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وسأل الله علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً قائلاً: واختم كتابي بدعاء. ويتساءل المؤلف المسروق منه ما إذا كان في عمله هذا علم نافع وهل ما جناه من وراء نشر هذا الكتاب بالنصب والاحتيال رزق طيب؟ وهل هذا من علامات العمل «المقبول»؟ فأنى يستجاب له؟

ويضيف المؤلف المسروق منه: لقد ذكرت 75 كتاباً في المراجع، ذكرها برمتها ما عدا مرجعين حذفهما، أحدهما تفسير القرآن الكريم لابن كثير، الذي هو ثالث أكبر مرجع اعتمدت عليه بعد روح المعاني وتفسير الفخر الرازي، كما انه لم يذكر كتابي من بين المراجع، ولم يشر إليه من قريب أو من بعيد، سوى هامش في ص 70 ذكر فيه اسمي ولم يشر إلى المصدر، حتى لا يلفت نظر القارئ إلى الكتاب الذي سرقه، ولو لفتة خاطفة، وانما ذكر عنوان كتابي هذا بين «الكتب التي أُلفت في الخضر عليه السلام»، وهي كما كتبتها أنا.

وبخصوص صفحة الغلاف التي كتبت عليها انه «جمعه واعتنى به» قال المؤلف المسروق منه: لعله كتب هذا ليكون بمنحى من النقد إذا افتضح، ولكن كما رأيت فإنه من أوله إلى آخره ما عدا بضع صفحات سرقه من كتابي، فالصحيح أن يقول سرقه ولفقه، بدل: جمعه واعتنى به، كما ذكر في الخاتمة أن هذا «كتابه».

ولفت إلى أن السارق ذكر في آخر الكتاب قائمة بـ«مؤلفاته» بلغت 17 كتاباً، وذكر أنها «ستصدر تباعاً بعون الله تعالى»، وفي آخرها رسالة في الماجستير بعنوان: «التربية الإسلامية في سورة الحجرات» وأنا أعرف انه سبقه في كتابة هذا الموضوع غيره. وهذا يعني أنه لا يؤتمن جانبه، فقد يكون سطا في رسالته وفي كتبه الأخرى التي «عدَّدها» على كتّاب آخرين، وأنا أؤمن دائماً بمقولة «ما حدث مرة يمكن أن يحدث مرات ومرات»، والذي ألف كتاباً سرق فيه 100 صفحة من أصل 109 صفحات، لا يؤتمن أن يفعل ذلك مع كتب آخرين بأسلوب أو بآخر.

ثم إنه ذكر أن هذا طبعة ثانية للكتاب، ولا أعرف خبر الطبعة الأولى. فإذا كان صادقاً أنه طبعة ثانية، فإنه يكون تجرأ على إعادة طبعة عندما رأى سكوتاً وعدم التفات إلى سرقته.

وقد يكون اعتماده على الطبعة الأولى لأنها نفدت من الأسواق، وقد يكون له هدف مادي من خلال هذا العمل؟ فهو صاحب دار نشر باسم شهرته، وعلى هذا الكتاب اسم ناشر آخر محترم شاركه في نشر كتابه وتوزيعه، وهو دار ابن حزم، ولا أشك أنه لو علم بأنه مسروق ومزيف لاستنكف عن المشاركة في نشره أو توزيعه.

وحول اسم من قدّم الكتاب وهو محمد عبد الله عيتاني الذي وصفه بأنه الداعية المربي الشيخ، يقول محمد خير رمضان يوسف: لا أعرف هذا الآخر، ولعله مثل صاحبه في المستوى العلمي، فقد أثنى على كتابه خيراً، أعني كتابي الذي نسبه الكاتب والناشر إلى نفسه، فقال مثنياً عليه ـ أي عليّ: «أن فضيلة الشيخ الصالح (؟)خضر العبيدي أتحفنا من قبل بكتب مفيدة كثيرة من سلسلة قطوف دانية ـ لكن كتابه «كشف البيان عن حال الخضر أبي العباس عليه السلام» بلغ الدرجة العليا.

لكنه لم يصدق عندما قال مثنياً - عليَّ أو عليه -: «ومما يفحم العقل وينقش القلب حتى يصل إلى حبيبنا المعظم وقائدنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم»؟ والذي يقدم كتاباً ينبغي أن يكون مطلعاً، عارفاً بالموضوع الذي يقدم له، لكن تبين أنه لم يعرف أن هذا الكتاب مسروق من أوله إلى آخره، بمعنى أنه لم يطلع على ما كتب فيه سابقاً، وكتابي في الخضر - بفضل الله وتوفيقه - هو أوسع ما كتب عنه، وقد طبع ثلاث طبعات.

ويعتبر رمضان انه تعب مع كتابه هذا أكثر من جميع الكتب الأخرى، فهو أول كتاب ألفه، والأول حبيب عزيز، لقد كتبته 7 أو 8 مرات، قبل ربع قرن، وراجعه لي علماء متمكنون، وكتبوا له مقدمات وتقاريظ. والحقيقة أنه ليس لي فيه سوى استخراج كوامنه من بطون الكتب، جمعاً وترتيباً، وذكر مصادرها بأمانة، والصبر على ذلك سنوات، وتدخلي فيها تحليلاً ونقداً قليل، وقد جاء هذا الكاتب فأخذ ما أخذ مع هوامشه بكل سهولة.

وحول إمكانية أن يدافع الكاتب السارق عن نفسه ويدعي بأنه عمل مثلما عملت، ونقل مثلما نقلت يقول رمضان: هذا أبعد ما يقدر عليه، فإن كل شيء بالعيان، والعلماء والنقاد موجودون، والكتابان موجودان، لقد عدلت كتابي تعديلاً جذرياً في طبعته الثانية، وقد اعتمد الكاتب على الطبعة الأولى وفيها أخطاء كثيرة، في جمل وكلمات، وحتى أرقام أجزاء وصفحات بعض المصادر، حيث كنت بعيداً عن الكتاب عند طبعه، ولم أصححه، وقد نقل الكاتب هذه الأخطاء كما هي في هذه الطبعة، وليست هي كذلك في مصادرها الأصلية، فماذا يقول حينئذ؟ وماذا يقول عن سرقته مقدمة الشيخ عدنان كاملة ووضع اسمه تحتها؟ وماذا يقول عن «العظات والأحكام» التي ذكرت مصادرها في الأخير ففعل ما فعلت، وقلت في أول الهامش «انظر هذه الاستنتاجات موزعة في المصادر التالية»، فقال هو كذلك في الهامش؟

وماذا يقول عن المصادر التي كتبتها فكتبها مثلما كتبت؟

وقد تبين لي أنه لم يكتب الموضوع أصلاً، بل حذف فقرات من الكتاب الأصل وانتقى، وأبقى الهوامش بعباراتي، ثم رماه إلى الطبع، فلن يضيع شيء، وأحتفظ بتفاصيل الرد، وكما يقول علماء الجنايات: لا بد أن يُبقي المجرم من آثار تدل عليه، وقد أبقى هذا الكاتب آثار جريمته كلها في مسرح الجريمة.

(جريدة الشرق الاوسط ع 8505 (28/12/1422 هـ)