كلمات مضيئة من "جامع العلوم والحكم"

"جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكَلِم" كتاب رأى النور منذ سبعة قرون، لما عزم مؤلفه "ابن رجب" المحدِّث والعالم الفذُّ، وشمَّر عن ساعد الجد، ليَقوم بتأليفه، تحت إلحاح جَماعة من طلاب العلم؛ كما ورَد في مقدمة الكتاب.

وهو شرح لاثنين وأربعين حديثًا من جوامع كَلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي جمَعها الإمام النووي، وزاد عليها ابن رجب ثمانية أحاديث أخرى، فانتظمَت خمسين حديثًا نبويًّا شريفًا.

وقد بهرني أُسلوب المؤلف في شرح هذه الأحاديث، وأُعجبتُ بعِلمه وتضلُّعه في الحديث وعلومه، وقدرتِه العجيبة على شرحِه بإيجاز دون إخلال بالمعنى، وإيرادِه لآراء العلماء وأئمَّة الحديث، وبيانِ رأيه مع الأدلة والحُجَج.

وقد وجدت الكتاب - بحقٍّ - جامعَ العلوم والحكم.

ولم أشأ أن أكون "سلبيًّا" بعد أن قرأت الكتاب كله، وعلمتُ قيمته، ويَعلمها غيري، فأحببتُ أن أنبِّه إليها ليَقتنيَه مَن أراد أن يُتحِف مكتبته بأروع كتب تراثنا الإسلامي، فكتبت عن الكتاب دراسة طويلة، بيَّنت فيها منهج المؤلف، وقيمة الكتاب العلمية.

وكنت قد أشرت أثناء مُطالعتي لهذا الكتاب إلى جُمل وكلمات مضيئة أثَّرت في نفسي، وخشع لها قلبي، فجمعتُها، وأحببت أن يطَّلع عليها غيري، فربَّ كلمة هدت قارئها، وسار عليها مدى حياته، والله أسأل أن ينفع بها.

وأذكُر هذه الحِكم بدون ترتيب، لئلا تملَّها النفس، وأُشير إلى الصفحة من الكتاب، طبعة دار المعرفة ببيروت، ومما يؤسَف له أن الكتاب لم يُحقَّق حتى الآن، وفيه أخطاء كثيرة!

قال بعض السلف: "مَن عرَّض نفسه للتُّهم فلا يلومنَّ مَن أساء الظن به" (ص: 68).

وقال بعضهم: "كفى بخشية الله عِلمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلاً" (ص: 89).

قال عمر بن عبدالعزيز: "ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء ما افترض الله، وترك ما حرَّم الله، فإن كان مع ذلك عمل فهو خير إلى خير" أو كما قال (ص: 91).

"يوجد كثيرًا من يجتهد في فعل الطاعات ولا يقوى على ترك المحرَّمات" (ص: 91).

"إذا فاق المرءَ أحدٌ في فضيلة دينية، اجتهد على لحاقِه، وحَزِن على تقصير نفسِه وتخلُّفه عن لِحاق السابقين؛ لا حسدًا لهم على ما أتاهم الله، بل منافسةً لهم وغبطة، وحزنًا على النفس بتقصيرها وتخلُّفها عن درجات السابقين" (ص: 114).

قيل لابن المبارك: اجمَع لنا حسْنَ الخلُق في كلمة، قال: "ترْك الغضب" (ص: 135).

سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يُدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله وحسن الخلُق"؛ أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وصحَّحه ابن حبان (ص: 148).

* قال الحسن البصري: "ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مَخافة الحرام"، وقال الثوري: "إنما سمُّوا متَّقين لأنهم اتَّقوا ما لا يُتَّقى".

* كتب عمر بن عبدالعزيز إلى رجل:

"أوصيك بتقوى الله - عز وجل - التي لا يقبَل غيرها، ولا يَرحم إلا أهلَها، ولا يُثيب إلا عليها؛ فإن الواعِظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعَلنا الله وإياك مِن المتَّقين" (ص: 151).

* كتب ابن السماك الواعِظ إلى أخ له:

أما بعد؛ أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيُّك في سريرتك، ورقيبُك في علانيتك، فاجعل الله مِن بالك على كل حال في ليلك ونهارك، وخَفِ الله بقدْرِ قُربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تَخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا مِن مُلكِه إلى ملك غيره، فليَعظم منه حذرُك، وليَكثر منه وجلك والسلام" (ص: 152).

"اتَّفقت الأمة على أن التوبة فرض" (ص: 159).

* قال وهب بن مُنبِّه لرجل كان يأتي الملوك:

ويحك! تأتي مَن يُغلِق عنكَ بابه، ويُظهر لك فقرَه، ويُواري عنك غناه، وتدع مَن يفتَح لك بابَه نِصفَ الليل ونصف النهار، ويُظهِر لك غناه، ويقول: ادعُني أستجِبْ لك؟ (ص: 182).

* يُروى من حديث أبي أمامة مرفوعًا:

"ما تحت ظلِّ السماء إله يُعبَد أعظم عند الله مِن هوًى متَّبع" (ص: 199).

* الصبر المحمود أنواع:

"منه صبر على طاعة الله - عز وجل - ومنه صبر عن معاصي الله - عز وجل - ومنه صبر على أقدار الله - عز وجل - والصبر على الطاعات وعن المحرَّمات أفضل مِن الصبر على الأقدار المؤلمة"؛ صرَّح بذلك السلف؛ منهم: سعيد بن جبَير، وميمون بن مهْران وغيرهما (ص: 207).

"الطاعة تُزكِّي النفس وتطهِّرها فتَرتفِع بها، والمعاصي تدسِّي النفس وتقمَعُها فتَنخفِض وتصير كالذي يُدَسُّ في التراب" (ص: 208).

العبد إذا خاف مِن مخلوق هرب منه وفرَّ إلى غيره، وأما مَن خاف من الله فما له من ملجأ يَلجأ إليه، ولا مهرَب يَهرب إليه إلا هو، فيَهرب منه إليه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك"، وكان يقول: "أعوذ برضاك من سخطِك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك" (ص: 215).

* قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [سورة القيامة: 2]:

إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنَّم فاعتنقتْهم الزبانية، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وانقطَعت عنهم الأماني، ورُفعت عنهم الرحمة، وأقبل كلُّ امرِئ منهم يلوم نفسه (ص: 220).

* عن أبي بكرٍ المزني قال:

"يا ابن آدم، إن أردتَ أن تعلم قدْر ما أنعم الله عليك فغمِّض عينيك" (ص: 229).

كان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو: "اللهم يسِّرْني لليُسرى، وجنِّبني العسرى" (ص: 256).

* ويقول أبو حازم الزاهِد:

"لي مالان لا أخْشى معهما الفقر: الثِّقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس" (ص: 274).

* أخرج الترمذيُّ عن قتادة بن النُّعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحبَّ عبدًا حماه عن الدنيا كما يظلُّ أحدكم يَحمي سقيمَه الماءَ)) (ص: 279).

* ويقول عليه الصلاة والسلام:

"نعمتَ الدار الدنيا لمن تزوَّد منها لآخرته حتى يُرضي ربه، وبئست الدار لمن صدَّته عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه، وإذا قال العبد: قبَّح الله الدنيا، قالت الدنيا: قبَّح الله أعصانا لربه"؛ أخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه العقيلي (ص: 280).

* من كلام يحيى بن معاذ الرازي:

"ليكنْ حظُّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعْهُ فلا تضره، وإن لم تُفرِحه فلا تَغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه" (ص: 217).

* "مَن أعرض عن الله فما له عن الله بدَل، ولله منه أبدال" (ص: 341).

* قال ابن مسعود: "من أحبَّ القرآن أحبَّ الله ورسوله" (ص: 343).

* أوصَت امرأة من السلف أولادها فقالت لهم:

"تعوَّدوا حُبَّ الله وطاعته؛ فإن المتقين أَلِفوا الطاعة فاستوحشَت جوارحُهم مِن غيرها، فإن عرض لهم المَلعون بمعصية مرَّت المعصية بهم مُحتشِمة فهم لها مُنكرون" (ص: 345).

* يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

"إن الدنيا قد ارتحلَت مُدبِرةً، وإن الآخرة قد ارتحلَت مُقبِلة، ولكلٍّ منها بَنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حِساب ولا عمل" (ص: 357).

* قال الحسن:

"إنما أنت أيام مَجموعة، كلما مضى يومٌ مضى بعضُك"، وقال: "ابن آدم، إنما أنت بين راحلتين مطيتين يوضِعانك، يوضعك الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل حتى يُسلِّمانك إلى الآخرة، فمَن أعظم منك يا ابن آدم خطرًا؟ (ص: 359).

* "ما جاور عبدٌ في قبره مِن جارٍ أحبَّ إليه مِن استِغفار كثير" (ص: 373).

* "دوء الذنوب الاستِغفار" (ص: 373).

* "مَن تحقَّق بكلمة التوحيد قلبُه، أخرجَتْ منه كل ما سوى الله محبَّةً وتعظيمًا وإجلالاً، ومَهابةً، وخشيةً، ورجاءً، وتوكُّلاً" (ص: 374).

"كل ما أدَّى إلى إيقاع العَداوة والبغضاء كان حرامًا" (ص: 394).

قال رجل لابن عمر: "ألا أجيئك بجوارش؟ وأيُّ شيء هو؟ قال: شيء يَهضِم الطعام إذا أكلته"، قال: "ما شبعتُ منذ أربعة أشهر، وليس ذاك أني لا أقدِر عليه، ولكن أدركتُ أقوامًا يَجوعون أكثر مما يَشبعون" (ص: 399).

* "كان شباب يتعبَّدون في بني إسرائيل، فإذا كان فِطرُهم قام عليهم قائم فقال: لا تأكُلوا كثيرًا، فتشرَبوا كثيرًا، فتناموا كثيرًا، فتخسَروا كثيرًا" (ص: 402).

* قال سهل التستري: "مَن طعن في الحركة - يَعني في السعي والكسْب - فقد طعن في السنَّة، ومَن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان" (ص: 409).

(نشر في ثلاث حلقات بجريدة المدينة ع 7439 (7/1/1408هـ)، و ع 7441 (19/1/1408هـ)، وع 7443 (21/1/1408هـ) ).