أورد الأستاذ عباس علي السوسوة - أستاذ اللسانيات في جامعة تعز باليمن - نقداً لكتابي "معجم المؤلفين المعاصرين في آثارهم المخطوطة والمفقودة وما طبع منها أو حقق بعد وفاتهم" ونشر في إحدى عشرة صفحة بمجلة مكتبة الملك فهد الوطنية (مج 13 ع 1 –محرم- جمادى الآخرة 1428هـ، ص 374- 384).
ووددت لو مدَّ أنفاسه، وأطال لسان قلمه، ليحيط بأطراف الكتاب، ويزيد من تقليم ما ندَّ منه، وتشذيب ما شذَّ عنه، وتبسيط ما قلص، وينبه على ما غمض، لأزيد من الثناء على ما كتب، وأشكر له جهده فيما أسهم ونقد، بأسلوب علمي، دون جعجعة ولا محاككة.
وقد زدتُ في الكتاب كثيراً، من إضافة تراجم جديدة، وتعديل على ما سبق، وتصحيح واستدراك على معلومات كثيرة، حتى صار عندي ضعف ما سبق نشره، وستكون الطبعة القادمة إن شاء الله في أربعة مجلدات.
ولهذا وغيره كان النقد والاستدراك عليه وارداً، سواء من قبلي أو من قبل غيري من إخواني الباحثين، وما نُقدت به من قبل الأستاذ عباس أو غيره قليل بالنسبة لما ذكرت من الإضافات والتعديلات.
وهذا الذي أكتبه تعقيب على بعض ما كتبه الناقد الكريم، وقد حداني على ذلك ما وجدت في بعضه من معلومات هي الأخرى تحتاج إلى نقد ومراجعة، وحتى لا يسلِّم بها القارئ، ولا يصحِّح منها نسخته، ولئلا يظنَّ الكاتب أن ما كتبه هو الكلمة الأخيرة في الموضوع.
وإذا كان من نقد خاص أتقدَّم به إلى الأستاذ الكريم، هو أنه لم يطلق معي هيعة إلى المكتبات ومراكز المعلومات والمنظمات والجمعيات والدوائر الثقافية، الحكومية والخاصة، للاهتمام بالمخطوطات الحديثة ووضع خطة محكمة لجمعها والاحتفاظ بها، وقد تقدمت بجهد عملي في أمثلة صارخة من خلال ذكر المؤلفات المخطوطة للمؤلفين المعاصرين في هذا الكتاب لأجل ذلك كما ذكرت في المقدمة. ويفعل الله ما يشاء.
وأبدأ بما بدأ به:
أولاً: لكل مؤلف اسمه التأليفي المعروف عند القراء...
ثم طلب أن أذكرهم كذلك، يعني دون إضافة اسم الأب إذا لم يشتهر بذلك، وضرب أمثلة عدة على ذلك، كأن أقول "إبراهيم السامرائي" ولا أضيف اسم والده "أحمد"، وأقول "إبراهيم طوقان" وليس "إبراهيم عبدالفتاح طوقان. " وفلسفته في ذلك أن هذا هو اسمه "التأليفي" وأن القارئ يعرفه كذلك. لكنه وقع في خطأ عندما قال: "المهم أن المكتبيين يهمهم المنشور المعروف الذي يذيل به أو يقدم إنتاجه". وشبه عملي بـ "إعلام وراثة"!
وأقول: إن المكتبيين لا يفعلون ذلك، بل إنهم يقلبون الاسم، فيبدأون بشهره المؤلف، ثم يتبعونها باسمه ثم اسم أبيه، وربما اسم جده، ثم وسنة وفاته. وإذا كان المؤلف قديماً ذكر لقبه وكنيته، وليس هذا عند جميع المكتبيين. وهذه "مداخل المؤلفين والأعلام العرب "موجودة في المكتبات العامة والخاصة، التي يعتمد عليها المكتبيون لتوثيق أسمائهم في ذلك، وقد أصدرت مكتبة الملك فهد كتاباً يحمل هذا العنوان في أربعة مجلدات، كما أصدر شعبان خليفة ومحمد عوض العابدي كتاباً في مجلدين ضخمين (1609ص) بعنوان "مداخل الأسماء العربية القديمة: قائمة استناد للمكتبات ومراكز المعلومات".
فالأصل هو إيراد البيانات الكاملة للمؤلف حتى لا يختلط بأسماء آخرين يحملون الاسم نفسه، وليس كما قال المؤلف. ولو أنه أطلع على أعمال المكتبيين في ذلك لما قال ما قال.
وأزيده بياناً بأن مكتبة الملك فهد استعملت الاسم الثلاثي للمؤلفين السعوديين المعاصرين فرأت تكراراً في هذا، فاعتمدت الاسم الرباعي ولو كان مشهوراً باسمه الثنائي! وكل هذا يسمى توثيقاً واستناداً، فإذا لم يميز بذلك دخلت كتب المؤلفين المتشابهة الأسماء تحت بعضها البعض! وقد وقعت في مثل هذا الخطأ دون أن أشعر في "تتمة الأعلام"، فخلطت بين ترجمة أحمد الشرباصي المهندس وسميِّه وزير الأوقاف، وبين ترجمة اثنين باسم سعيد الجزائري في دمشق وهم ثلاثة بالاسم نفسه! ومنذ شهور قليلة نعت الأوساط السنية في العراق وفاة "عبدالوهاب السامرائي"، وعندما أردت توثيق اسمه ومعرفة مؤلفاته وقفت على عدة أسماء تحمل هذا الاسم مع أسماء آباء مختلفين، وكان هو "رئيس جمعية التربية الإسلامية" وليس بين تلك المؤلفات كتب في هذا التخصص. أليس لو ذكر باسمه الكامل لكان أفضل حتى لا تستبعد ترجمته خشية الالتباس بغيرها، أو تدوَّن وتختلط بغيرها، أو تذكر هكذا ولا تبيَّن للقارئ؟. وهل يظن أن "إبراهيم السامرائي" هو وحده الذي يحمل هذه الشهرة حتى يكتب اسمه ثنائيا؟ وإذا كان اسم الكاتب التأليفي –مثلاً- ثنائياً (عباس السوسوة) فهل هو وحده في العائلة حتى أكتبه به؟ بل أكتبه ثلاثيًّا.
ولو لاحظ الكاتب القدير كتب التراجم القديمة والحديثة لوجد ما اعتمدته أنا لا هو، وهذا "الضوء اللامع "للسخاوي" مثلاً فلينظر فيه، وهذا أشهر الكتب المعاصرة في ذلك "الأعلام" للزركلي، الذي سيجد كله مرتباً على الاسم الثلاثي، وهو لا يعتمد الرابع في الترتيب ولو أثبته، بل إذا تشابه مؤلف أو علم مع آخر في اسمه الأول والثاني رتبه حسب سنوات الوفاة، فذكر المتوفى قبل، وأنا اعتمدت الثلاثي كذلك فإذا تشابهوا بالأسماء الثلاثية، وهو نادر جداً، قدمت الأقدم وفاة.
فإذا ورد إشكال عند الناقد أو القارئ المتابع، من أنه قد لا يعرف اسم والد المؤلف حتى يبحث في الحرف التالي لاسم المؤلف في الكتاب، فالجواب أنه وضعت "إحالات الأنساب "التي في آخر الكتاب لأجل ذلك، فإنك إذا وقفت على النسبة "السامرائي" هناك، ستجده يحيلك إلى اسمه واسم أبيه، هكذا: (السامرائي = إبراهيم أحمد)، على الرغم من أني قمت بعمل إحالات مفيدة داخل الكتاب نفسه، مثل إحالات الأسماء التكريمية والمركبة، ففي ص 64 مثلاً: (أحمد سامي السراج= سامي بن محمود السراج)، و في ص 159 (حافظ إبراهيم= محمد حافظ...) وفي ص 224 (رزق الله شيخو= لويس شيخو)... الخ.
أما قوله بأني لم ألتزم بما اعتمدته من الاسم الثلاثي، فأحياناً أورده ثنائياً، - وهو قليل جدا – فإنني لم أجد غير هذا. وقد أورد أمثلة على ذلك، أولها "أمين الخولي"، فلم أجده سوى به في "الأعلام" للزركلي. وقد رجعت إلى مصدر أوسع منه في الترجمة "المجمعيون في خمسين عاماً" ص 79 فكان مثله بالاسم الثنائي. لكني وقفت على أسماء وافية لبعضهم ستدرج في الطبعة الثانية من الكتاب إن شاء الله. واستندت من أسماء ثلاثة أورد المؤلف أسماء آبائهم في ذلك.
ثانياً: أغلب الأعلام في أسمائهم الأولى أو في ألقابهم غير مضبوطة بالشكل الذي يزيل اللبس...
قال في بدايته: والمؤلف حسن الظن بالقارئ في حين أن المرجو سوء الظن.
وأنا أقول للأستاذ الكريم: إذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا يضبط كلٌّ نسبته على كتابه إذا لزم الأمر؟ والمؤلف نفسه مثلاً لم يضبط شهرته أولم أرها كذلك في مقاله الذي كتبه، وإن تبادر إلى ذهني أنه قد يكون على الضبط الآتي، ولكن لا بد من مصدر، ولا بد من علم، وليس على هوى ومزاج. فكان أن رجعت إلى "معجم البلدان والقبائل اليمنية" الذي أفاد أنه "بضم السين الأولى والثانية".
أما قوله "إن الأسماء الأولى لم تضبط"، فلا أظنه قصد ما يقول! فإن جلَّ الأسماء الحديثة إن لم كلها لا تحتاج إلى ضبط، فهي بين أحمد ومحمد وعلي وهاشم ومنصور.
ثم أورد أنساباً وضبطها ولم يكثر، استفدت منها، لكني لم أتابعه على كل ما قال، فهو يعتمد اللفظ الشعبي والعامي للأسماء، فهو يكسر السينين في "سميسم"، قال: "حسب النطق العرافي"، ويكسر الهاء في "الهضيبي" بحسب "النطق المصري"، وكسرَ النون وشدَّد الباء في "مالك بن نبي" بحسب "النطق الجزائري"!
فإن الضبط يعود إلى الأصل الفصيح لا الشائع الخطأ، فمثلاً هناك كثيرون ر يحملون نسبة "الحِمَيِّد" بكسر الحاء وفتح الميم وتشديد الياء المكسورة، فهل يكتب الاسم كذلك؟ لا أرى ذلك ولا أكتبه ولو كان الكاتب الكريم أستاذاً في اللسانيات، فأخشى أن يطلب مرة ما ورد في لهجة ذمار أيضا،ً على ما توسَّع فيها وأخذ بها شهادة، وهو اجتهاد فردي لا يوافقه المشتغلون بالتراجم. لكن أستدرك على قلت: ليس الكلام على إطلاقه، فالأسماء كالبحار، تجد فيها ما تجد.
ثم أورد الناقد أنساباً عدة، ذكر أنه لم يتيسر له معرفة نطقها.
وأقول: لا شك أنه من المفيد ضبطها، للإفادة فقط لا لارتباطه بمضمون العمل الذي وضع لأجله الكتاب، فالهدف منه كما يعرفه الناقد والقارئ، هو بيان الكتب المخطوطة الحديثة، أما ما عدا ذلك فمتفرع عنه.
يعني أن الباحث يصل إلى طلبته بمعرفة ما للمؤلف من مخطوطات، أما ما عدا ذلك من ضبط اسمه والتوسع في ترجمته ففي مصادر أخرى.
والمؤلف يذكر هذا لتخصصه في اللغة، فكلٌّ يهتم بما هو مندوب له في هوايته أو عمله.
وفي آخر هذا الفقرة ذكر ثلاثة أسماء وأني أخطأت في ضبطها، وهي:
إبراهيم أطَّفيش، قال: وأظنه اطفَيِّش "بضم الهمزة وسكون الطاء وفتح الفاء ثم ياء مشددة مكسورة".
وأحسن عندما قال: "أظن"، فقد قاس على ما لا عهد له به في ذلك: رحيِّم، وضعيِّر، وهليِّل، وهي لهجة في التصغير. وما أثبتُّه هو الصحيح، فهو "أطَّفَيِّش، فاللفظ بربري مركب تركيباً مزجياً من ثلاث كلمات: الأولى "أَطَّفْ" بفتح الهمز وتشديد الطاء المفتوحة وسكون الفاء، ومعناها "أمسك". والثانية: "أيّا" بفتح الهمزة وتشديد الياء، ومعناها "أقبل" أو "تعال". والثالثة: "أش" ومعناها" "كل". فمجموع الجملة: "أطف أيا أش" ومعناها: "أمسك، تعال، كل". أفاده الزركلي في هامش ترجمة محمد بن يوسف أطفيش من مصدر. ينظر الأعلام 7/ 156. مع ذكر سبب هذه الشهرة.
والثاني الجنداري، وضعته بفتح الجيم وصوَّ به بكسرها. وقد اعتمدت فيه على الأعلام للزركلي أيضاً 1/ 163، والصواب ما قاله المؤلف، وكذا رأيته بالكسر في معجم القبائل والبلدان اليمنية 1/ 360.
والثالث أحمد عرابي، أوردته بكسر العين، وصوَّبه بضمها. وقد نقلت ضبطه من الأعلام كذلك 1/ 168، ولا يستهان بجهود الزركلي في ذلك، فقد عاشر أعلاماً في مصر وبقي فيها مدة، وأخشى أن يكون الضم من اللهجة المصرية كما يقولون: " هو عُبارة عن كذا" فليحقق.
والرابع-الأخير "كاظم بن حسين الدجيلي"، الذي ورد بالباء بدل الياء المثناة، فهو خطأ مطبعي، ولو عاد الناقد الكريم إلى إحالات الأنساب لوجده بالياء. وبعد أن صوبه المؤلف بالياء ذكر أنه "بنطق العامة" يأتي بكسر الدال...
قلت: المؤلف من "دُجَيْل" بالعراق، بضم الدال وفتح الجيم وسكون الياء، ونسبته كذلك إليها، وكانت تسمى سابقاً "سُمَيكة". كما أفاده كوركيس عواد في معجم المؤلفين العراقيين 3/31.
ولعله يعني النسبة إلى نهر "دِجْلة"، فهي بكسر الدال.
ثالثاً: الأخطاء الطباعية:
أورد المؤلف وجوهاً في كتابة بعض الأسماء الأعجمية لا فائدة من التعليق عليها. وشكراً لبقية تصحيحاته، وما غاب عنه أكثر. والله المستعان.
وعندما صحح الكاتب: جياوك" إلى "جياووك" (شهرة مصطفى عبد اللطيف) ذكر أنه كان ينبغي أن يكون من بين المترجم لهم في هذا الكتاب.
قلت: لم يذكر سبب ذلك، فما هي المخطوطات التي تركها، أو ما الذي صدر له بعد وفاته؟
وقد راجعت "معجم المؤلفين والكتاب العراقيين" لمرزوك، الصادر سنة 2002م فلم أجد له فيه وفاة، وقد قدمت كتابي "معجم المؤلفين المعاصرين" للطبع في السنة التالية منها، فهل راعى المؤلف الأمور السابقة حتى يذكر أنه فاتتني ترجمته؟ ومادام أنه كتب ما كتب فلماذا لم يفد القارئ بما ذكرت؟
ثم صحح "السؤل" إلى "السول" ليوافق كلمة "الأصول" في العنوان، وهو كذلك، ولإفادة القارئ، فإن الكلمتين مستعملتان، وهما بمعنى.
ثم صحح عنوان كتاب في ترجمة محمد بن علوي المالكي وأضاف إليه "لمس" في "إظهار الحق المبين في الرد على من أجاز لمس المصحف بدون طهارة" والصحيح أنه "مسّ". وللفائدة أقول: إن الكتاب صدر محققاً بعد طبع كتابي، وتغيرت كلمات أخرى فيه، فصار " إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مسِّ وحمل القرآن لغير المتطهرين"
و"صحح" كلمة أخرى في عنوان آخر له، وصحيح العنوان: "الجمع الواضح المنهاج في حكم ما في العلب من لحم الدجاج" وكانت كلمة "حكم" في الأصل "كلم" وصححها هو إلى "أكل". وهذا يعني أنه قال هذا وما سبق ظناً، لا توثيقاً واعتمادًا على مرجع، وهو ضرب غير مقبول في النقد.
وفي مؤلفات هذا العالم معلومات أخرى بين مخطوط ومطبوع، ستظهر في الطبعة الثانية من الكتاب إن شاء الله.
وأفيد الناقد الكريم أنني سبق أن صححت بعض المعلومات التي ذكرها...
وما أورده من مصطلح "النهر" الأول، والثاني، يقال له مكتبياً "العمود" الأول، والثاني، وأظنه المستعمل المتداول، ولعل ما استخدمه مصطلح قديم، أو أنه تصرف خاص من عنده.
رابعًا: التعريف بالأعلام.
ذكر أن التعريف بهم موجز، لكنه في بعض الأحيان غير واضح، وقد يكون فيه خطأ.
وكنت أرجو من الناقد أن يرجع إلى المصادر بدل أن يقول من ذاكرته ما يشاء، ولا إنكار على ثقافته في ذلك إن شاء الله، لكن شأن التراجم وبيانات الكتب وما إلى ذلك يحتاج إلى تأكد وتوثيق، وسيتبين له سبب هذا القول فيما يأتي، وسبق شيء من ذلك.
والأمر الآخر هو العودة إلى التذكير بأن هذا الكتاب وضع لبيان ما تركه المؤلفون المعاصرون من كتب مخطوطة. وليس في سيرهم وأحوالهم، فالمهم هو "العلم" يعني ما تركه من أثر قد يفيد الناس إخراجه بعد معاناة في التأليف قد تبلغ السنوات الطوال، مع تخصص ومعلومات قد لا توجد في غيرها. فإذا عرف الباحث الكتاب واقتناه ورغب في إخراجه، فإنه بالتأكيد لا يقتصر على معلومات قليلة عن المؤلف كما أوردته في هذا الكتاب، بل سيكتب صفحات عنه، وربما استدل على كتب مخطوطة أخرى له لم أوردها، أو صحح أشياء أخطأت فيها، ففرق بين من يتفرَّع لبحث موضوع شهوراً وسنوات، وبين هذا الكتاب الذي يورد معلومات قليلة يعتمد فيها على مصادر كتابية معظمها مختصرة.
ثم إنني بينت منهجي في المقدمة حول ذلك وأسبابه...
وبدأ الناقد بالإشارة على ما أوردته في ترجمة " أحمد عبد المجيد هريدي" المتوفى سنة 1408هـ من أنه مفت، قال: "لم أعرف من المفتين في مصر رجلاً بهذا الاسم منذ السبعينات حتى الآن"!
ثم قال: "وهذا أمر هين، لكن ليس لغوياً قط" وأنه اختلط باسم أستاذ جامعي بالاسم الثلاثي نفسه، لساني، مازال حياً".
أقول: الخطأ الذي وقعت فيه حقاً هو: إضافة اسم الأب "عبد المجيد" وسائر المعلومات عنه صحيحة، فهو مفت، ولغوي!
ولو راجع مصادر في ترجمته لعرف ذلك، ولكن قال ذلك من ذاكرته وثقافته، التي لا تسعف المرء في كل مرة، بل لا بد من التثبت والتوثيق، وهذا هو فائدة الاستشهاد من المراجع والمصادر، التي لا ينكرها الكاتب أيضاً.
فقد كان مفتياً لمصر بين (1380-1390هـ) الموافق (1960-1970م) واختير عضواً في مجمع اللغة العربية سنة 1399هـ (1979م) لتمكنه من اللغة، وخاصة ما يتعلق بألفاظ القرآن الكريم، فكان مشاركاً في لجنة المعجم الكبير ولجنة معجم ألفاظ القرآن الكريم... وترجمة مسهبة في كتابه "المجمعيون في خمسين عاماً " ص 69.
وأقول لأخي الأستاذ عباس: إن عدم معرفتك بالشيء لا يعني عدمه، وإن المرء إذا كان متهماً لثقافته أفضل من أن يكون معجباً بها ومتكلاً عليها، فالأول يخشى الوقوع في الخطأ فيحتاط ويبحث، والآخر ليس كذلك.
ولعله يقتنع الآن بمدى أهمية ذكر الاسم الثلاثي أو الرباعي للمؤلف، حتى لا يختلط بأسماء آخرين من الأسماء الثنائية وما إليها.
والخطأ الذي وقع فيه الأستاذ مهدي علام (معد المرجع المذكور) أنه اكتفى بإيراد اسمه الثنائي، فلما كان لغوياً ووقفت على مؤلفات لغوية تحمل اسم "أحمد عبدالحميد هريدي" ظننت أنه هو، ولو أنه أورد اسمه الثلاثي لما حدث هذا الإشكال والخلط.
وليس بدعاً أن يكون فقيه أو مفت صاحب كتب وتحقيقات لغوية، وفي التاريخ ما هو شاهد على ذلك، وفي العصر الحديث كثير منه أيضاً، فهذا شيخ الفقه المالكي وشيخ جامع الزيتونة بتونس محمد الطاهر بن عاشور حقق ديوان بشار بن برد في أربعة مجلدات، وهو نفسه صاحب أروع تفسير في العصر الحديث وأكثرها فائدة، أو هو من بينها، لعله بعد تفسير "الظلال". وتفسيره يسمى "التحرير والتنوير " في (30) مجلداً! ولو عُملت دراسة حول اهتمامات علماء الإسلام بالعلوم الأدبية والعلمية وما إليها، لكان ذلك مفيداً ومتميزاً.
وقال معلقاً على ما قلته في ترجمة "جمال حمدان" إنه "انعزالي"، قال: "صفة غير لائقة فيمن اتهم الموساد باغتياله في افتعال حريق ":
أقول: وأين غير اللائق هنا؟ وما العيب في أن يكون المفكر منعزلاً وهو في الوقت نفسه عبقري يفيد مجتمعه عن طريق وسائل إعلامية أخرى غير الكلام؟ أليس المهم هو الإنتاج والعمل ومدى فائدته؟
ثم إنه صحيح أنه كان انعزالياً، فما كان يستقبل أحداً في منزله إلا لماماً غير شقيقته التي كانت تزوره اسبوعياً، وانعزل أكثر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفد، فكان الذي يؤمِّن حاجاته اليومية عامل بمرآب السيارات، وكان التخاطب يتم بينهما بأسلوب اتفقا عليه، سواء بالطرق على الباب أو التصفيق باليد، ولم يتغير هذا الأسلوب طوال 25 عاماً...
وأخبار أخرى كثيرة عنه أوردتها في كتابي "تتمة الأعلام" 1/ 111 بالاعتماد على عدة مصادر مصرية...
أما ما ذكرتُ من أن "حسن قرون" كاتب كبير وناقد بليغ"، فعلق بقوله "أما هذا الذي لم نقرأ له شيئاً ولم نسمع به، فلا يصح أن يوصف هكذا".
أقول: إن الجدير بالاهتمام هو التنبيه إلى مغمور ومطمور ليكتشف، فلعل فيه خيراً وفائدة ما كان معروفاً عند الناس.
وقد ظهرت أعمال كثيرة في ذلك تدل على فضل أصحابها، وإنما ألفت كتابي هذا لأجل ذلك، فكيف ينكر الناقد الكريم شيئاً لم يسمع به ولم يقرأه، وكيف يحكم عليه وهو لم يره؟ لقد كتب "حسن قرون" كمّاً من البحوث والدراسات في الأدب والنقد لم يجمع، ما زال في بطون المجلات القديمة... وقد أشرت إلى ذلك هنا لينتدب إليها الأدباء والنقاد فيبحثوا ويدرسوا ويظهروا المكنون... فإذا ظهرت أعماله وقرأها الناقد الكريم ولم يعجبه، فإن بإمكانه أن يبدي رأيه، وسيكون ذلك – أيضاً – رأيه وحده. أما ما قلته فيه أنا، فالنسبة إلى ما قرأته عنه في دراسات مطولة ذكرت مصادرها في "تتمة الأعلام" القسم المخطوط. ويذكر القارئ والناقد أنني أشرت في المقدمة إلى أن هناك أدباء وعلماء لم يظهر لهم كتاب واحد على الرغم من آثارهم الكثيرة، وقلت عن أحدهم إنه لو صدر كتابه فلربما ضاهى عمل بروكلمان وسيزكين، فهلا قال الناقد إنه لم يسمع بهذا المؤلف ولم يقرأ له فليس هو كذلك؟
وأرجو أن يكون كتابي هذا فاتحة للاهتمام بالأعمال المنسية ذات القيمة، وأعرف أنه استفاد منه البعض.. وكنت واحداً منهم، فحققت مجموعة كتب ظهر بعضها والباقي في الطريق إن شاء الله، منها تذكرة "طاهر الجزائري" الذي قد يكون غائباً عن ذاكرة الناقد الكريم، فهو أول مدير لدار الكتب الظاهرية بدمشق، وذكر أنه كان بمنزلة محمد عبده في سورية منه في مصر. وقد حققت (25) جزءاً من تذكرته من أصل (100) جزء أ ما زال مرمياً في الظاهرية، وليست بأجزاء كبيرة.
ولربط ما قلت هنا بما نقد به الأستاذ عباس أقول: إن جلَّ ما طبع لطاهر الجزائري رسائل صغيرة، فلا يحكم عليه وعلى علمه بهذا الذي ظهر له فقط، بل يحكم عليه من خلال نتاجه الشامل..
وعندما قلت في التعريف بالخميني "زعيم الشيعة في إيران" قال: الأصوب أن يقال قائد الثورة الإسلامية في إيران وأول مرشد لها مدة عشر سنوات.
وأقول: إني لست ملزماً بالمصطلحات والرسميات التي تقولها كل دولة في زعيمها، ولو كان الأمر كذلك لامتلأت الكتب العلمية الرصينة بما نراه في الصحف من غثاء كثير لا حقيقة له في الواقع. وبالنسبة للخميني فإنه قاد ثورة شيعية كما يعرف الجميع، لأن الذين قاموا معه معظمهم شيعة، استندت إلى مذهب واحد فقط، هو مذهب الشيعة الاثني عشرية، ولم يعتبروا في ذلك أي مذهب آخر لأهل السنة ولو أنهم عامَّة من في الأرض من المسلمين، بل لم يعترفوا بأهل السنة في إيران وهم ثلث الشعب كما يقول أهل السنة، فلم يتخذوا منه رجلاً واحداً ليكون في برلمانهم، فالدولة مذهبية تماماً لا إسلامية عامة، فيكون مرشدها قائداً للمذهب المتشيع لا للإسلام في عمومه.فلماذا أقول ما يقولون هم، وهل يقبل الكاتب أن يكون المرء كالببغاء يردد ما يردده الناس؟
ثم اعترض علي عندما قلت في "عبدالرحمن بدوي" إنه فيلسوف وجودي، فقال: "الأصوب: دارس فلسفة ومترجم".
أقول" إذا لم يكن عبدالرحمن بدوي فيلسوفاً فإنه لا يوجد بين العرب في العصر الحديث فيلسوف! وقد شهد له بهذا طه حسين عندما ناقش رسالته في الدكتوراه وأنه أول فيلسوف في مصر.. ولا أطيل فالرجل معروف، وصدرت فيه كتب ودراسات..
ثم اعترض على قولي في "عبدالله بن محسن العزب": "مؤرخ، ثائر، من صنعاء" وقال: "ما موقع هذه الكلمة من العلم؟ يعني "ثائر" التي وضع تحتها خطاً.
أقول: لقد ذكر في ترجمته أنه أسهم بنصيب كبير في حركة "التنوير" ومناهضة الحكم الإمامي، وأنه أحد رواد الحركة "الإصلاحية"، ومناضل، من الطلائع الوطنية، ومن أنشط الأحرار وأجرأهم على قول الحق... فإذا كان هذا الطلعة مع آخرين من أمثاله، كالوريث، والمطاع، والموشكي، والعنسي، والبرّاق، إذ لم يكن هؤلاء ثوريين فمن هم؟ ولا أعني الثناء على هذه الكلمة ألبته ولا المتصفين بها، ففي القلب عنهم الشيئ الكثير، بل هو وصف موجز لحالهم سواء كانوا أخياراً أو أشراراً.
ولا أطيل في التعليق على مثل ما ذكره المؤلف في هذا، وهو بالإمكان وزيادة، كاعتراضه على محمد علي غلاب بأنه "فيلسوف أزهري" وأن الصحيح هو "عالم أزهري". وله عشرات الكتب في الفلسفة والرد على أصحابها، مطبوعاً ومخطوطاً.
ثم: تعليقات على المطبوع والمحقق:
أشكر الناقد الكريم على بعض التصحيحات، وهي قليلة بالنسبة لما يلزم، وقد عدلت وأضفت الكثير مما سيراه القارئ في الطبعة الثانية من الكتاب إن شاء الله. على أن ما ذكره المؤلف فيه ما ليس بنقد، بل هو زيادة ثقافة وما إليها، وبعضها لا لزوم له إلا من باب الهواية والاهتمام الشخصي.
كقوله في مذكرات حسين فخري الخالدي التي جاءت في (15) مجلداً: من الذي يتحمل أن يقرأ مجلداً واحداً لسياسي عربي؟"
وقلتُ في ترجمة رشيد الكيلاني: إنه ضاع أكثر شعره فجمع أولاده ما تبقى منه، فكان مما علقه الناقد: "غنت" المطربة سميرة توفيق بعض أشعاره"!
وما علاقتنا وعلاقة الموضوع بالمطربات يا أستاذ عباس؟ نحن نذكر ما ترك المؤلفون من مخطوطات فقط وأنت تقول غنت له فلانة وعلانة!!
وإذا أحسنتُ الظن وقلت إن الكاتب قصد أحد أوعية المعلومات غيرَ الكتاب، فلا أظن أن مثل هذ غاب عن الورثة الذين جمعوا ما تبقى من شعره، وإن الجهود العربية في نظم الأغاني وتلحينها وتسجيلها ونشرها على نطاق واسع ومن ثم أرشفتها وحفظها وإعادة بثها حتى الملل، لا تضاهيها جهود عالمية كثيرة، أما حفظ جهود العلماء المخلصين من خلال مآثرهم وآثارهم، والبحث عن مخطوطات المؤلفين والمفكرين وصانعي الحضارة والمدنية من العباقرة والموهوبين المتخصصين في شتى المجالات العلمية، فقد يكون هناك توافق أنه لا يبلغ واحداً من مائة فيما يبذل من جهود تجاه الفن الرخيص، الذي يضرُّ أغلبه ولا ينفع.
وعندما أوردتُ لإبراهيم السامرائي مما نشر له بعد وفاته: (أشتات مؤتلفات.- لندن: دار الحكمة، 1422هـ، 227ص) فاعترض بقوله: "هذا الكتاب منشور في الدار نفسها بصنعاء لا بلندن، عام 1990م".
أقول: البيانات التي ذكرتها كلها صحيحة، وفيها أيضاً أنه الطبعة الأولى للكتاب، وهو أمامي وأنا أكتب هذا التعقيب. وقد يكون بذلك إعادة طبع فلا يكون من شرط الكتاب.
ثم إنني شككت فيما يؤكد عليه الكاتب من بعد، فلم أصحح كل ما قال، وخاصة فيما أوردته من بيانات نشر كاملة للكتب، فتركت منها ما تركت؛ احتياطاً.
وإذا كان من تعليق عارض موجز على بعض ما ذكره أيضاً أقول: في ترجمة أحمد راتب النفاخ، قال ناقداً: "ذكر له من الكتب المحققة التي لم تطبع ستة، وهي جميعها موجودة في السوق بتحقيق آخرين إلا واحداً " أقول: المعلومة التي ذكرتها فيه من " إتمام الأعلام" وصححه أستاذ كريم يعرفه وقال: إنه لم يحقق أياً من هذه الكتب، فالمعلومات خطأ من أساسها.
وما ذكره من أن مذكرات عباس حلمي نشرتها مجلة روز اليوسف القاهرية، أقول: لقد نشرت في كتاب مستقل بعنوان" عهدي" ترجمها جلال يحيى وأصدرتها دار الشروق سنة 1413هـ.
وعندما علق على ما أوردته من مؤلفات علي محمد البجاوي (لم يبيَّنْ وضعُها) وأن من بينها ما هو مخطوط، علق بقوله: إن أربعة منها مطبوع، ولم يذكر ما هي، ولو ذكرها لحذفتها من الكتاب، ولم أعرفها بجهدي الشخصي.
وعندما ذكرت أن لميشال عاصي ثلاثة كتب" تحت الطبع" ولم أقل أنَّها لم تطبع، كما أورده المؤلف، فما ذكر أنه تحت الطبع يعني أن طبعه وارد وإن لم أورد بياناته التي لم أقف عليها.
قال: بل طبعت جميعها! أقول: ما فائدة هذا الكلام دون توثيق ودون تفصيل؟ فهل سبق طبعها، يعني أنها طبعت أثناء حياته لأحذفها من الكتاب، أو أنها طبعت بعد وفاته؟ وأين، ومتى؟ إنه لا بد من التبيين والتوثيق. وقد أبقيت المعلومات كما هي حتى يتبين لي الأمر.
أما استغرابه من عدم إيراد ترجمة رمضان عبد التواب (ت 1422هـ) وأنه مما ذكر له من المخطوط سنة 1400هـ كتابان هما: مشكلات العربية وتحديات العصر، والتطور اللغوي في عربية القرون الأولى.
أقول: إنه لا يتأتى للمرء أن يعرف آثار المؤلف الكاملة المخطوطة منها والمطبوعة بعد وفاته مباشرة، بل ينتظر حتى تصدر فيه دراسات من قبل أقربائه أو تلامذته. وما ذكره له الكاتب من مخطوط قبل وفاته باثنتين وعشرين سنة، أليس من المحتمل أن يكونا قد طبعا في هذه المدة؟ بل لعل الثاني طبع، حيث وقفت له على كتاب بعنوان" التطور اللغوي: مظاهرة وعلله وقوانينه" صدر عام 1404هـ في الرياض. ولعل الأول قد طبع أيضاً مع تغيير شيء في عنوانه... ولا أقول إنني لم أورد مثل هذا في الكتاب، لكنه قليل وفي حدود ضيقة، وبعد البحث.
وأخيراً، فإن ما ذكره المؤلف من تكرار ترجمة حسن حسني عبد الوهاب هو كما قال، وقد دلني عليه باحث بُعيد صدور الكتاب، فلكليهما الشكر.
(سبق نشره في مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية)