كتبت ضمن مقال نشر منذ أكثر من عشرين عاماً، مصطلحاً اسمه "المرشد المكتبي"، وأشرت إلى مهمته، ورجوت المكتبات أن تهتدي به، ولم يكن في صدر المقال، فلعله لم يُقرأ، والمهم أنه لم يعمل به بالمفهوم الذي اقترحته.
ومهمة المرشد المكتبي _ الذي أقترحه - هي إرشاد الباحثين إلى مصادر ومراجع المعلومات التي يريدون الكتابة فيها، وأخصُّ هنا الموضوعات الإسلامية في علوم القرآن والحديث والعقيدة والفقه والسلوك والثقافة الإسلامية، ويكون هذا "المرشد" واسع الاطلاع، باحثاً، نافذ الذكاء، قويَّ الذاكرة، عارفاً بالمصادر، حافظاً لمعظم عناوين المراجع بأنواعها، بل ومطلعاً على فصولها وأبوابها، فإذا ذُكر له موضوع عرف مصادره مباشرة، وإذا كان في الفروع أدرك مظانه، وعلم أن مسائله تأتي تحت الأصل العام كذا، فيدلُّ الباحث عليها بفطنته وثقافته واطلاعه.
وكثير من الباحثين وطلاب الدراسات العليا لا يعرفون كيف يبحثون وأين، والمشرفون عليهم غير (متفرِّغين) لهم، فيستعينوون بآخرين، أو يذهبون إلى المكتبات فيطلبون الكتب، فيصيبون بعضها ويفوتهم منها الكثير.
والمرشد المكتبي هنا هو طِلبتهم، وينبغي أن يكون وجهتهم الأولى، مما يخفف عنهم الكثير من الأتعاب، ويوفر عليهم الأوقات، ويتعلمون منه دروساً عملية في البحث والمراجع، ويستفيدون منه أكثر من محاضرات نظرية طويلة من أساتذتهم في الجامعات.
والحقُّ أن المكتبات لا تخلو من المرشدين المكتبيين، ولكنهم لا يسمَّون بهذا الاسم، بل هم موظفون في إدارة تسمى (إدارة المجموعات العامة)، وهي إدارة تختصُّ باستقبال الكتب من قسم التصنيف والفهرسة بعد تكعيبها، فيوزعها موظفوها على موضوعاتها كما هي مرقمة، وتسمَّى عملية (الترفيف)، كما يستقبلون الطلبة والباحثين، فيذكرون لهم موضوعهم، فيبحثون لهم عن الكتب بمسمياتها، أو بموضوعاتها، في تقنين مخزن عندهم يسمَّى (رؤوس الموضوعات)، وينتخبون منها بضعة كتب من بين العشرات أو المئات، ويعطون مستخرجاً منها للباحث، ليذهب إلى موظف آخر، ويُحضر له الكتب المطلوبة.
وهناك بعض الاختلافات الشكلية في استقبال الباحثين، فقد تكون هناك إدارة أخرى متفرعة أو مكتب مستقل يبحث لهم... والمهمُّ هو من يسعفهم بالكتب والمراجع التي تخص بحوثهم، وأولئك موظفون عاديون جداً، ثقافتهم قليلة، قد لا تتجاوز العناوين وكمٍّ من رؤوس الموضوعات، ولا اطلاع لهم على البحث والتحقيق، والمراجع وتفعيلها.
والمرشد المكتبي الذي اقترحته يفيد المكتبة في هذا الفنّ وغيره، إنه يفيدها في قسم التزويد (تنمية المجموعات) أيضاً، وهي التي تشتري الكتب الجديدة، فيزود المكتبة بالعناوين المهمة منها؛ لثقافته واطلاعه، حيث يكون شأنه التجوال بين المكتبات، وحضور مجالس العلم والعلماء. فالمرشد هنا يكون عنصراً فاعلاً في هذا القسم، ويقترح على المكتبة المهم والجديد في عالم الكتاب، وأهم الموضوعات التي يبحث فيها الباحثون.. وهذا المثقف الواسع الاطلاع يكون مرجعًا لجميع الأقسام، وحتى لسعادة مدير المكتبة، وهو يصنَّف عادة في قائمة (عشّاق الكتب)، وهم موجودون في كل بلد، وكلهم أو معظمهم ليسوا أصحاب شهادات عليا، ولكنهم أكثر علمًا وفائدة منهم ...فهل من مجيب؟!