أعني السرقة من المكتبات العامة المهيَّأة للباحثين، أما المكتبات التي تخص الأفراد، وعدم ردّ الكتب المستعارة منها لأصحابها قصداً، فهو بحث آخر.
ومن المؤسف جداً أن تبقى السرقة من المكتبات مستمرة حتى يومنا هذا، بأفانين وألاعيب لا تخطر إلا على بال المجرمين واللصوص المتمرسين، وهو ما تبيَّن بعد التحقيق معهم إثر اكتشافهم، كما تبيَّن أن كثيراً منهم هم من موظفيها (والمؤتمنين) على كتبها!
ولا يظن القارئ أنني أتحدث عن المخطوطات والنوادر التي تشتهر بها بعض المكتبات في عالمنا الإسلامي، مثل مكتبة الظاهرية بدمشق التي اختفت منها كميات من المخطوطات النادرة على ثلاث مراحل –كما سمعت- ومثل بعض المكتبات في مصر، وفي العراق.. ولكن أتحدث عن الكتب العادية، والدوريات التي مضى عليها بعض الزمن... ومازال الألم يعتصر القلب، ويحزُّ في النفس، كلما تذكرت هذا الشخص وكتابه، حيث مضى إلى بلد، وولج في مكتباته، فكان يبحث عن صور في دوريات معينة، فإذا رأى فيها طلبته أخذها إلى الحمّامات ونزع منها ما أراد بوحشية، وأعادها جريحة ممزقة مهيضة الجناح. وعاد إلى بلده ليجمعها ويصدرها في كتاب لصالح جهة حكومية، وقد أخذ عليها مبلغاً كبيراً!
وعلى هامش ذكر الدوريات فقد قرأت أن في البحرين سُرقت صحيفتا (الميزان) و(الخميلة) من مركز عيسى الثقافي، وقد صدرتا في حوالي عام 1370هـ.
إن المؤمن يقشعرُّ بدنه لمثل هذا الأفعال الدنيئة، فهي سرقة بكل معنى الكلمة، وقد وضع الله عقوبة قاسية لهؤلاء وأمثالهم حتى يرتدعوا ولا يفكروا بها أصلاً، لأنهم يأخذون جهداً لغيرهم غصباً وبدون أي رحمة، وقد يَقتلون إذا اكتُشفوا أو مُنعوا.
والسرقة من المكتبات جريمة معنوية أكثر مما هي مادية، لأنها تحرم جمعاً من الاستفادة من العلوم، فإذا كانت سرقةَ كتبٍ وحيدةٍ ونادرة، أو فصولٍ من كتاب مهم، فكأن هذا اللص حرم الناس منه، وإذا كان كتابَ هداية، فكأنه أطفأ شمعة منوَّرة، وأخمد ضوء كوكب دري، ويستحق أن يوصف بأنه لص مزدوج، وأنه يستحق عقوبتين.
وقد استدرك المكتبيون ما يلحق المكتبات من ضرر بعد جردها، وعلموا أن هناك سرقات لا يعرفون كيفيتها، فوضعوا آلات تصوير للمراقبة في أنحاء المكتبة وزواياها، ووضعوا موظفين مختصين يتابعونها، إضافة إلى إجراءات أخرى، مثل تأمين الكتاب بعلامات أو مواد مخفية، بحيث تصوِّت آلة إذا جاوزتها... وليست كل المكتبات كذلك.
والتربية الدينية حلٌّ كبير لهذه المفسدة، ثم التربية المدرسية..