رثاء محمد قطب

ماتَ أحدُ أعلامِ الدنيا!

ماتَ القطبُ الذي كانت تدورُ عليه رحَى العلمِ والفكرِ في يومٍ من الأيام،

ماتَ الذي يُبكى عليه بالدمِ بدلَ الدمع،

ماتَ الأستاذ محمد قطب،

الذي ملأ سماءَ العلم،

هو وأخوهُ سيِّد،

بثقافةٍ إسلاميةٍ جادَّة،

وإبداعٍ فكري إسلامي نابعٍ من كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم،

يعالجانِ واقعَ المسلمينَ في دعوةٍ رصينةٍ وفكرٍ قويمٍ وأدلةٍ محكمة،

فكانا أبرزَ مفكرَين إسلاميينِ في عصرَيهما،

لم يُسبقا في إبداعهما الفكري الإسلامي،

وتربَّى على كتبهما ومقالاتِهما جيلٌ إسلامي كاملٌ في المعمورةِ كلِّها،

والكتبُ تعجُّ بالنقلِ منهما،

وحتى الأستاذ سيِّد كان ينقلُ منه،

وخاصةً من كتابيهِ الرائعين "الإنسان بين المادية والإسلام"، و "جاهلية القرن العشرين"،

وعندما قرأتهما أحسستُ من جديدٍ بأنني مسلمٌ ذو شخصية عميقة، مستقلة، متميزة،

لها جذورها الضاربةُ في أرضٍ مباركة،

لا أحتاجُ بعدها إلى ثقافاتٍ أخرى شرقيةٍ ملغومة، أو غربيةٍ موبوءة،

وربما لم أتمنَّ لقاءَ أحدٍ مثلما أحببتُ لقاءَ هذا العلَمَ الكبير،

الذي أكبرتُ فيه ثقافتهُ الإسلاميةَ والعالمية،

وخاصةً الجوانبَ النفسيةَ منها والاجتماعيةَ والفنية،

ثم فخرَهُ وتمسكهُ واعتزازَهُ بدينهِ حتى أعمقِ الأعماق،

 وعندما رأيته،

وسلَّمتُ عليه،

وجلستُ أسمعُ منه مع كوكبةٍ من طلبةِ العلم،

في أوائلِ القرنِ الهجري هذا،

في أحدِ مساجدِ مكةَ الصغيرة،

ازددتُ حبًّا له،

لا للعلمِ هذه المرة،

بل للتواضعِ الشديدِ عنده،

الذي لا تحسُّ من ورائه تعاليًا له على أحدٍ مهما كان شأنه،

فقد كان هينًا لينًا مع إخوانهِ إلى أبعدِ حدّ،

وينطبقُ عليه قولهُ تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

ويتكلمُ بهدوءٍ وسكينةٍ وإيجازٍ مع وضوح،

رحمكَ الله يا أخا الإسلام،

ويا مفكرَ الإسلام،

وجزاكَ الله خيرًا عمّا قدَّمتَ من فكرٍ نظيف،

وثقافةٍ عالية،

ودعوةٍ عظيمة.

4/6/1435هـ