توفيق الحكيم والإسلام

توفيق الحكيم كاتب مسرحي معروف لدى مثقفي العرب، وقد قرأت مسرحيات كثيرة له، وكنت أعجب من قدرته على توزيع الأدوار بين شخصيات المسرحية وحنكته في إدارتها، مع عربية فصيحة، ونص متماسك، وعندما قرأت له مسرحيته "محمد" لم أفرق بينه وبين "سيرة ابن هشام" سوى الترتيب الجديد الذي قدَّمه توفيق الحكيم، وإثارته القارئ من خلال تقديم نص أدبي جديد، يتكلم فيه الأشخاص بدل سرد تاريخي وقصصي، وكأنه لم يفعل شيئاً سوى انتشال الأسماء من بين النصوص ولصق كل فقرة باسم شخصية في النص المسرحي..

ولا يُنكر لهذا الكاتب المسرحي قدرته وبراعته وإبداعه في المسرحيات، وكان له شأن أدبي كبير في مصر خاصة، كما شغل مناصب علمية فيها، فقد عمل في القضاء، ثم كان مديراً للإرشاد الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية، وعمل في الصحافة، ومديراً عاماً لدار الكتب، ومندوباً لمصر في اليونسكو، ورئيساً لاتحاد كتاب مصر، ثم تفرَّغ للأدب، وكان يثير بين الحين والحين قضايا تثير الجدل، والخلاف والمناقشة، وتستمر هذه المعارك الفكرية أسابيع وشهوراً، وقد توفي عام 1407هـ.

والذي يهمنا في هذا المقال هو معرفة موقفه من الدين من خلال بعض ما كتب وأثار، لنعرف مدى التزامه أو تفلته من أحام الدين الحنيف.

ومن الأفضل أن نبدأ بذكر رأيه في نفسه، وبيان منهجه ومسلكه أو معتقده وفلسفته في الحياة، حيث سئل مرة عن نفسه، فأجاب بتاريخ 6/ 9/1986: "توفيق الحكيم شخص لا أعرف عنه شيئاً كثيراً.. وإني أقرأ عنه أحياناً بعض ما ينشر عنه فأراه شخصاً آخر.. أما أنا فأسأل نفسي دائماً: ما هي المهمة التي كلفت بها في هذه الحياة الموقوتة.. وكلما سرت في طريق حياتي فطنت فجأة إلى أن هذا الطريق ليس هو الطريق الذي تصورته.. ولو كان في طريق حياتي لافتات مثل لافتات المرور تنبهني إلى أن هذا الطريق يؤدي إلى جهة كذا، كنت تنبهت من أول الأمر ولم أواصل السير.. فأنا إذن مخلوق ضحية عدم وجود لافتات مرور في شارع حياتي الطويل..".

أقول: فأين هو من دينه الذي "يدين" به؟! وإذا كان يشكو من عدم وجود لافتات تنبهه في الحياة، ولا يعرف المهمة التي كلِّف بها، فأين هو من كتاب ربه وهو موجود في بيوتات مصر ومكتباتها، وفيه الأمر والنهي، وقصص الأولين والآخرين، والرد على الملحدين والمنافقين والمشككين، وطريق السعادة في الحياة الدنيا، والطريق الممهد والمؤمِّن للآخرة، وهو الدستور العام لجميع المسلمين؟!! إنه لو اتخذه منهجًا في الحياة لما قال ذلك الكلام.

ويقول في كتابه "تحت شمس الفكر" (القاهرة، 1937م) ص 15: إن الحقيقة الدينية بعيدة عن وسائل العلم ودائرة بحثه، وإن العقل يستطيع أن يهدم الدين كما يشاء... فالتوفيق بين العلم والدين ضرب من العبث!

أقول: إنه بهذا يهدم إيمانه بدينه بنفسه إذا لم يكن تاب منه، فمتى وأين تعارض ديننا مع حقيقة علمية؟! وهذه مئات الكتب المؤلفة في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، تبيِّن سبقهما إلى اكتشافات علمية مذهلة! ولكن الذي يتعارض مع العلم حيثيات في أديان أخرى، لأنها مخالفة للحق.

وذكر صاحب "الانحراف العقدي" أن توفيق الحكيم من أكابر المتأثرين بالغرب والداعين إلى أنماطه وأفكاره، اصطدم بالأزهر لسخريته بالدين وأهله، ردّ عليه مفكرون وعلماء لسخريته بالله تعالى، يرى أن تحكيم شرع الله عودة إلى العصر الحجري، يعتبره اليهود صديقاً لدويلتهم. اهـ.

وعندما قال -فضَّ فوه- "آدم عبيط"، قال الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله: "توفيق الحكيم حيث لا توفيق ولا حكمة". ثم يتنهد الشيخ ويقول متأسفاً: هؤلاء هم أدباؤنا.

وقبيل وفاته نشر في صحيفة "الأهرام" مقالات متتالية بعنوان "مع الله" أورد فيها أفكاره التشكيكية، وفيها حوارات يجريها بينه وبين الله سبحانه وتعالى!! وردَّ عليه علماء كثيرون، أبرزهم الشيخ محمد متولي الشعراوي، وقد صدر كتاب في ذلك كتاب بعنوان "غضبة الله" الذي تأتي بياناته.

وأظن أنه رجع عن أفكاره أو أسلوبه في تلك الحوارات، وخاصة بعد أن تحدَّاه الشيخ الشعراوي لمحاورته في التلفزيون علناً لبيان خطئه. ثم إنه زاره في المستشفى قبل وفاته. وذكر ندمه أحد تلاميذ الشيخ الشعراوي. ورجوعه هو عن محاوراته المشار إليها، وليس عن كتابات أخرى له، على ما يبدو، وكان هو الذي طلب حضور الشعراوي لرؤيا رآها، وفي نهاية حديثهما أحضر الشعراوي له سجادة صلاة وحجرًا يتيمم به، فتيمم وأدى الصلاة، وكان يردد عبارات الاستغفار..

ومما رُدَّ عليه في كتب:

- غضبه الله: حول بيان الشيخ الشعراوي ضد كل من توفيق الحكيم، يوسف إدريس وزكي نجيب محمود/ محمد خالد ثابت._ القاهرة دار ثابت، 1403هـ 54 ص.

- الحكيم في حديثه مع الله ومدرسة المتمردين على الشريعة/ عبدالعظيم المطعني._ القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، 1403هـ، 200ص.

- لا يا حكيم/ أحمد يوسف المراغي، سيد أحمد السليمي._ مصر، 1403هـ (على الغلاف: حديث الحكيم ورد الشيخ الشعراوي عليه).

- لمن استمع توفيق الحكيم وإلى من تحدث/ فاروق أحمد دسوقي._ الإسكندرية: دار الدعوة، 1404هـ، 82ص.