أنيس منصور والإسلام من خلال مقالات له

الأستاذ أنيس منصور كاتب موسوعي من مصر، يكتب مقالات يومية في الصحف منذ عقود من الزمن، أبرزها "الأهرام". ويتصف بسعة المعرفة، والدردشة الجميلة، والتطرق إلى النواحي العلمية، والمشكلات الاجتماعية، والأحوال السياسية، واللغة، والأدب...

ولا يتعالى على قرّائه، بل يدنو منهم ويحدِّثهم بأسهل أسلوب في أعقد المسائل.

ويركز كثيراً على "البحث العلمي" و"التعليم الجامعي" و"تربية الموهوبين" ويرى في ذلك الطريق الوحيد إلى التقدم، ويشير بين فينة وأخرى إلى أن كثيراً من الدول تقدَّمت أو أحرزت تقدُّماً ماعدا مصر!

وله أكثر من (100) كتاب، كثير منها مقالات له جمعت في كتب.

وقدمت فيه رسائل جامعية عديدة، حتى من قبل اليهود، من ذلك دراسة لمؤلفاته من قبل "سيجال جورجي" باحثة يهودية من الكيان اليهودي، حصلت بها على الدكتوراه، ورسالة دكتوراه أخرى في دراسة أفكاره الأدبية والفلسفية والسياسية، حصل عليها رفعت فودة من مصر... وغير ذلك.

ومع كتابات إسلامية عديدة له لم أقف على رسالة أو مؤلَّف بحثَ موقفه من الإسلام! ربما لعدم اطلاعي عليه، أو أنه حقًّا لم يُكتب فيه من خلال هذا الموضوع.

وقد تابعت مقالاته اليومية التي يكتبها في عمود "مواقف" بجريدة الأهرام مدة (6) شهور، منذ أوائل عام 1427هـ حتى أواخر جمادى الآخرة، لأتبيَّن بعض معالم فكره الديني، من خلال موقفه من العقيدة وغيرها، وجوانب إسلامية مطروحة في الساحة.

 

قبل النقد:

وقبل البدء في الموضوع أذكر أن هذا ليس دراسة متكاملة لموقفه الإسلامي، فهي لا تستند إلى شيء مما ورد في كتبه، ولا مقالاته السابقة أو التالية، في هذه الجريدة وغيرها، وإنما تُعنى بما كتبه خلال ستة شهور فقط.

كما أنه لا يتطرق إلى مواقفه الإيجابية، فالهدف معرفة أخطائه، ورد بعض شبهاته ومواقفه السلبية.

وإلا فإن الرجل فيه عاطفة إسلامية، ويدافع عن المسلمين ضد الهجمة الصليبية الأمريكية كما ذكره في أكثر من مقال، كما بيَّن تضامنه مع المسلمين في استنكارهم وتظاهرهم ضد الرسوم الساخرة بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهو من المترددين على الحرمين الشريفين لأداء العمرة والزيارة...

لكن أعماله ومواقفه الإيجابية لا تبرِّر السكوت عن أخطائه ومواقفه، فله أصدقاء من اليهود على مستوى عال، بل إن شفاعته ترتجى لديهم، وقد ذكر أنه التقى بالمجرم أرييل شارون عدة مرات مع بطرس غالي وغيره [الأهرام ع 43507- 18/ 2/ 1426هـ]. وكان من التلامذة المخلصين لأنوار السادات في مبادرة استسلامه، فهو لا يفتأ في كل مناسبة يذكر الفلسطينيين بأن يستسلموا كما استسلمت مصر!

ولعله يتبين من خلال مقالات له أن عقيدته غير منضبطة بقواعد إسلامية حدَّدها العلماء، وخاصة من خلال مبدأ "الموالاة والمعاداة" التي تعتبر من العقيدة.

بل إن له فلسفات وتحليلات تقرِّبنا من القول بأن إيمانه مثل إيمان الفلاسفة.

ثم إن له أسلوباً في خلط الجد بالهزل قد لا يعرف من ذلك موقفه الحقيقي من بعض القضايا الحساسة، وهو بذلك يسجل هدفه بأنه قال ما يريد. وهو نفسه يذكر في أكثر من مقال أنه لا يعرف ماذا تريد الصحافة وما الذي لا تريده... فيقال له ما قال فيها.

 

تضايقه وتضجره من الدعاة والفتاوى:

يبدو هذا واضحاً من خلال قوله: "ما الذي حدث في مصر أخيراً: هل ارتد المصريون عن الإسلام.. هل كفروا.. هل أغلقوا أبواب المساجد.. هل هدموا المآذن.. وهل صرحوا بأنهم لا يريدون عمرة ولا حجًّا؟ هل يطالب المصريون بدين جديد؟ ماذا جرى للناس؟ ا لا شيء من ذلك قد حدث. إذن لماذا يظهر المشايخ وأدعياء الفقه والشريعة والتفسير في كل القنوات والبرامج، وكلهم في غم محمومون يصرخون.. والناس أيضاً، فهم يسألون في كل صغيرة وكبيرة خوفاً من جهنم.. خوفاً من الخروج على الدين وعلى المذاهب"    (ع43653- 17/ 5/ 1427هـ).

ويعلل تضجره من ذلك – في العدد نفسه- بأنه لا شيء حدث يزلزل الإيمان واليقين، وأن المصريين هم أكثر الشعوب الإسلامية تمسكاً بالدين، وأن هذا الإعلام والدعوة للدين تظاهر بالتمسك بالدين والمعرفة، وأن ذلك "يؤكد جهلهم وسخافة تفكيرهم"! وأن "المشكلة أصبحت هكذا: أناس سخفاء يريدون أن يسألوا عن كل شيء سخيف، ومحجبات لا يعرفن كيف يكتبن أسماءهن يفترشن الأرض للإفتاء في كل شيء. والمعنى: جهلاء يشجعون جاهلات على أن يسألن الجهلاء في أمور سخيفة. فلا هذا دين ولا هذا تسمك بالدين. وإنما استعراض لأشكال وألوان من الجهل!"

ويؤكد نفوره من الإعلام الإسلامي أكثر عندما تتكاتف الجهود لانتشال المجتمع من أوحاله وأمراضه الخلقية وما تعرَّض له من تشويه لدينه وعقيدته ومواقفه، فلا يرضى بذلك، ويخشى أن يتسلم هذا الأمر الإسلاميون، فيقول: "إذا كانت لا تزال في عينيك دموع فأرجو أن تسكبها على حال المسلمين في الشرق الأوسط.. ما هذا الإسلام الذي شوهناه وأفسدناه.. ما هذه الخرافات التي يعيشها المصريون في الصحف والإذاعة والتليفزيون.. من هذا العبقري الشرير الذي خرج علينا بالأحاديث المفبركة عن الرسول r. من الذي جعلنا أضحوكة الأمم، ماذا حدث حتى نفاجأ بما لا نهاية له من أدعياء الإفتاء على كل قناة وصحيفة؟ هل هي صحوة إسلامية؟ كنا نياما وصحت ضمائرنا فرحنا نتلمس شواطئ الأمان من هذا الضلال؟ (ع 43554 – 6 / 2 / 1427 هـ).

 وفي العدد نفسه يُبدي استهزاءه وتهكمه من عودة الفنانات إلى الحق والتوبة من الفسوق والفجور، فيقول: "ولكن وحدك لا تستطيع أن تقاوم طوفان الفتاوى، ليس رجال الدين ولا المفكرون، وإنما المحترفات من الفنانات التائبات، التائبات عن ماذا؟ التائبات عن الفهم وعن العلم والدين. حتى هؤلاء اللاتي لم يكن شيئاً في الفن يحاولن أن يكن شيئاً في الدين".

كما حمل حملة شعواء على الخطباء من أهل القرى خاصة في عدة مقالات له، لأنهم لا يلائمون أفكار العصر، وكذا المشايخ والفقهاء المتحدثين في القنوات، وأن الحل أن "يكفوا وأن يكونوا معاصرين لنا وليس لأبي هريرة والبخاري" هذا كلامه في (ع 436174- 10/ 4/ 1427هـ).

وقد تعرَّض أكثر من مرة لأحاديث النبي الكريم r، وموقفه في هذا قريب جدًّا من موقف الشيعة الذين لا يثقون ولا يروون إلا للقليل من الصحابة y.

ويبرر موقفه متابعاً قوله في ذلك: "فالمشاكل اليوم أعقد، والكوارث أعظم، والمسلمون أكثر، وكذلك متاعبهم"! وكأن الأحاديث تقف عائقاً أمام ذلك، ولا يعرف أنه "أحد الوحيين" تقوم عليهما شريعة الإسلام، وأن صلاته –إن كان يصلي- من بيان السنة، وكذلك حجَّه واعتماره، فهل يريد أن يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء بما يمليه عليه عقله، أم يتبع الحق وينقاد للإيمان كما بيَّنه الرسول r في السنة؟

ولم أشر إلى سخريات أخرى له وتساؤلاته المقذعة في الفضائيات والأسئلة التي تلقى على العلماء ونوعية أجوبتهم، وأنه يجب تغييرها أو أنها تؤدي إلى التطرف، ولم يقدم البديل ولا يعرفه، وإنما الهدف تقليصها أو منعها، وقارن ذلك بالفاتيكان وغيره وأنه لا يوجد أو لا يعرف لهم مفت!!

(ينظر مثال على ذلك ع 43622- 15/ 4/ 1427هـ).

 ويبدو من هذا أنه لا يريد فقهاء ولا مفتين، وأن كل مسلم يأخذ ما يريد كما يفهمه، ومن لا يريد لا علاقة لأحد به، فيفعل ما يشاء كما يشاء!

 إنه كلام خطير جدًّا لا يتفوَّه به خائف من الله. فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، والإسلام بحر، وعلومه الشرعية لا يفهمها إلا من مارس قراءتها وحفظ قواعدها وبقي يتعلمها عشرات السنين حتى يقدر على تعليمها والإفتاء منها... فكيف بالمسلم الغرِّ الذي لا يعرف أن يقرأ القرآن، بل قد لا يعرف أن يصلي أو يزكي، أنى له أن يفهم ويعرف أحكام الشريعة والنوازل الجديدة من فهمه وهو لا يحفظ ولا يعرف شيئاًَ من دينه؟

وقوله إنه ليس في الفاتيكان مفت غريب في بابه لا يناسب ثقافته، أليس "البابا" في الفاتيكان والنصارى يصدرون عن رأيه فيما يناسب دينهم؟ ألا يوجد قسس ورهبان منتشرون في الكنائس يعلمون النصارى دينهم ويصلون بهم ويجيبون عن أسئلتهم؟ هل يقبل النصارى مدينة بلا كنيسة أو كنائس ليس بها علماؤهم؟ ومن جانب آخر: هل يريد الكاتب مساجد بلا علماء ولا فقهاء؟ أم أنه يريدهم على تفصيل ذوقه الخاص لا على طلب وحاجة المسلمين؟!

 

المفاضلة بين المسلمين وغيرهم:

إذا علمنا أن الإسلام هو أصح الأديان، وأنه نسخ الأديان السابقة كلها، ولا يصح اعتناق دين سوى الإسلام، فإنه يصح قولنا إن المسلم هو على الحق دون كل المخالفين له، وأنه أفضل من جميع الناس بعقيدته هذه، يقول الله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48].

ويقول سبحانه: }كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر{ [آل عمران: 110].

ولينظر الكاتب إلى ما ورد في آخر الآية من أن الخيرية متعلقة بالأمر بالخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر والمعاصي، وهذا ما لا يريده الكاتب، على ما يبدو.

فالأفضلية لأمة الإسلام بنصِّ الآية الكريمة، لكن الكاتب يذكر بصراحة وبالحرف أنه يجب ألا يكون للفارق الديني شأن في التعامل مع البعض [الأهرام ع 43631- 24/ 4/ 1427هـ]، ولا يعني به المعاملات المالية وما إليها، كما يأتي.

لقد ذكر أنه نشأ في جو متسامح دينيًّا، وأنه لم يعرف الفرق بين مسيحي ويهودي إلا في مرحلة متأخرة، ولا سأل نفسه ما الفرق بين الجامع والكنيسة والمعبد اليهودي (ع 43601- 24/ 3/ 1427هـ).

وكان يفتخر بأنه ما كان يُعرَف أنه مسلم! وأن الكثيرين كانوا يظنونه قبطيًّا! بل ذكر في عدد (43599) تاريخ 22/ 3/ 1427هـ، 20/ 4/ 2006م أن صديقه الحميم كمال الملاخ (القبطي) بقي معه (8) سنوات وهو لا يعرف أنه مسلم، وأنه لم يحاول أن يبين له إسلامه!

أقول: يفهم من هذا أنه ما كان يصلي ولا يصوم، فقد ذكر في العدد نفسه قوله "كان الملاخ صديقي، ولم ننفصل لا ليلاً ولا نهاراً، ولا غداء ولا عشاء، عملنا معاً..." فإنه لو كان يصلي لعرف الملاخ أنه مسلم، ولو صام كذلك ، فإنه كان معه دائماً.

وفي حادث بين الأقباط والمسلمين قال: ونسينا أن الأقباط هم أصل هذا البلد وهم ليسوا هنوداً حمراً، وإنما هم أناس يجتهدون مثقفون متعلمون جدًّا..." [الأهرام ع 43597- 20/ 3/ 1427هـ]. قلت: وأهل مصر أليسوا أصحاب البلد الأصليين؟  ألأنهم أسلموا منذ 1400 سنة صاروا فرعيين؟

 

الكاتب ونظام الإسلام:

يبدو أن الكاتب بعيد جدًّا عن نظام الإسلام وشريعته، أو أنه لا يحبذه بصراحة! ومن المعروف أن "الإخوان المسلمون" يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل منتدياتهم وكتاباتهم، ومنذ تاريخهم الطويل في الجهاد والدعوة، وعندما فازوا بـ 20% من مقاعد البرلمان عام 1426هـ غضب الكاتب غضباً شديداً لم أقرأ له غضبة مثلها، فقد قال ما نصه (ولم يعيِّنهم): "رفضنا حكم الشعب للشعب وقبلنا حكم التطرف الديني للسياسة والاقتصاد والحياة المدنية".

ووصف الشعب المصري بالجهل لأنه اختار هذه القيادة، وقال في آخر مقاله: إننا نستحق الموت ما دمنا رفضنا الكرامة حياة وأسلوباً". [الأهرام ع 43466- 6/ 11/ 1426هـ].

وقال بعد يومين من تاريخه (ع 43468): "إن الذي اختاروهم عبيد، وأنه هتك لعرض الديمقراطية، وأنه إكراه سياسي، ودعارة أخلاقية..." الخ.

والأمر الذي يدعو إلى الاستغراب أنه غير رأيه تماماً في حلقات قادمة! هو وغيره من كتاب مصر، ولعلَّ الذي خفَّف عنهم وبصَّرهم بذلك أحد أصدقائهم المرموقين، وإلا فما كانوا يصرِّحون، فقد صرَّح الروائي المعروف نجيب محفوظ أن الإخوان لهم تاريخ في العمل السياسي، وأنهم سجنوا وعذِّبوا وصبروا وثبتوا، وفشل غيرهم، فلماذا نخاف وننزعج؟ إن لهم برامج ومقترحات فلنر هذا العنصر أيضاً ولنعطهم فرصة حتى يقدِّموا لنا ما يخططون له!

وعندما فازت حماس في الانتخابات وتجهزت لتشكيل الحكومة قال في أول مقاله:

مطلوب من حكومة حماس أن تقول نعم ثلاث مرات: نعم للاعتراف بإسرائيل، نعم لوقف العنف، ونعم لكل الاتفاقيات الدولية". [الأهرام ع 43538- 19/ 1/ 1427هـ]

وأعاد مثل هذا الكلام أكثر من مرة، وأنها إذا لم تفعل ذلك فإنها تقف في مجابهة القوى العالمية...

وفي ع (9 صفر 1426هـ) خاطب الشعب الفلسطيني – ويعني بهم حماس، التي رفضت الاعتراف بالكيان اليهودي-، مُثْنياً على السادات في الاستسلام –ويسميه السلام، وأنه "الرجل الشجاع بعيد النظر الذي رأى المستقبل وأرسى قواعده" مبيناً أننا لم نحقق شيئاً منذ 50 عاماً، إنما السادات فقط حقق هذا الحلم!.

 

ردود على استهزاءاته ومغالطاته:

إن المتابع لكلمات الأستاذ أنيس منصور يعرف أنه لا يريد الإسلام من مصادره الصحيحة، بل يريد إسلاماً على هواه، يعني الإسلام الذي عرفه بذوقه الخاص وتفكيره العلماني.

ونظرته إلى السنة النبوية وتاريخ الحديث النبوي الشريف سيء جداً وغير مقبول، ويبدو أنه قرأ كتبا للمستشرقين، أو من في قامتهم، وآمن بها.

 

ومن كلام الكاتب في ذلك: "إن ألوف الأحاديث قد نسبت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، والسيدة عائشة تزوجت الرسول في العاشرة من عمرها ومات عنها وهي في الثامنة عشرة. ولقد حفظت القرآن والأحاديث والفقه والشريعة والفتوى في كل العلوم وفي الطب، إن كثيرين من الفقهاء يرون صعوبة شديدة في تصديق كل ذلك؟" [الأهرام ع 43517- 28/ 12/ 1426هـ]

وهذا كلام الخصوم والأعداء من المستشرقين وغيرهم، مكرَّر وقديم، يعرفه حرّاس العقيدة والذابُّون عن السنَّة النبوية، فإذا كانت أمُّنا عائشة (الذكية الحافظة الأمينة)، أحبَّ النساء إلى الرسول r، هي التي تكذب، فمن يكون صادقاً؟ أأعداء الإسلام والمشكِّكون والملحدون والباطنيون؟ إن الذي في قلبه مرض –فقط- هو الذي لا يصدِّق ما روي عنها من الأحاديث الصحيحة.

ولا علم للكاتب بأصول الحديث ومصطلحه، والجرح والتعديل، ولا يعرف كيف يُقبل الحديث وكيف يُردّ، ولا يعرف تخريجه وتوثيقه، ومن جهل شيئاً عاداه. وقد ردَّ النقّاد المحدِّثون آلاف الأحاديث لأنها موضوعة أو مشهورة غير صحيحة أو ضعيفة... وللحديث درجات، وقد استشهد الكاتب بحديث "عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" في (ع 43664- 28/ 5/ 1427هـ) ولم يصح، فهو ضعيف كما قال مخرجه نفسه الحافظ البيهقي في كتابه الزهد. بل ذكر الحافظ ابن حجر أنه مشهور على الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عبلة في الكنى للنسائي.

ويقول الكاتب مرة أخرى متهكماً بسنة رسول الله r (ع 43647- 11/ 5/ 1427هـ): "أما نحن فقد فتحنا باب الفتوى على الآخر، فكلُّ واحد أصبح يُفتي، إن كان دخول الحمام بالقدم اليمنى، وإن كان إلقاء الطلاق على الزوجة على الإنترنت [حراماً] أو حلالاً، إلى آخر الأسئلة الفارغة من عقول أكثر فراغاً"

وعندما تحدث مفتي مصر (علي جمعة) عن حرمة التماثيل، انزعج كثيراً، فقال في سخرية وهو يناجي أستاذه "سقراط" (ع 43587- 10/ 3/ 1427هـ): "يا أستاذنا، فكيف ترانا بعد أن حرمنا البنطلون والتماثيل والدخول بالقدم اليسرى وأزلنا شعرتين من بين الحاجبين، واستعذنا بالله عند اللقاء الجنسي حتى لا تتسلل العفاريت، وبعد ذلك حوقلنا وبسملنا وهلَّلنا، فيا رب إن كان هذا هو الطوفان فقد غاب عنا نوح، فأي يوم هذا؟".

وفي عدد آخر (43613- 6/ 4/ 1427هـ) يوضح موقفه أكثر، فيذكر "قرفه" و"ضيقه" من برنامج تلفزيوني عن الزواج لأنه استضيف فيه "رجل متفقه"، ثم قال: "هل الزواج مشكلة دينية؟ هل كل ما ينقص الشباب لكي يتزوج هو أن يصلي ركعتين"؟ ثم يقول إن مثل هذا انحراف بالموضوع وتضليل...

وقال وهو يتَّقد حقداً وغضباً: أريد أن أتزوج وأن يكون عندي شقة ودخل كبير لكي أربي أولادي وأضمن بقاءهم وبقائي في مصر، فما الذي يستطيعه أبو هريرة والبخاري من أجل الحصول على شقة في مساكن الشباب! شيء عجيب أن نسرف في إذاعة البرامج الدينية ثم نتهم الناس بالتطرف ونلقي القبض عليهم بعد ذلك، مع أنهم لم يفعلوا أكثر من تصديق بعض من المتحدثين من المذيعين أيضاً؟!".

واضح جدًّا أنه لا يريد الحلول الإسلامية للمشكلات الاجتماعية، وعاد يغمز ويلمز الصحابي الجليل أبا هريرة t، وأمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري، صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل!

والأفظع من هذا أن يقارن الاشتغال بالحديث النبوي الشريف بالرسوم المسيئة للرسول r، فيقول في كلام لا يكتب سوى للتنبيه والبيان: "ثم نشكو من لعب العيال الرسامين في الدنمرك. ما هذه الرسومات التافهة السخيفة... إن الذي نناقشه من أحاديث الرسول r هي أعظم إهانة له وللإسلام الحنيف. إن هذه الخرافات والخزعبلات التي نحشرها وينحشر فيها المشايخ والملالي في كل مكان هي أفدح وأفضح وأبشع ازدراء للإسلام والمسلمين!". [ع 43554- 6/ 2/ 1427هـ].

إني أذكِّر الكاتب وأمثاله بأن الله I بعث نبيَّه محمداً r لبيان دينه، فهو أعلم الناس بالقرآن وبدين الله، وإذا وصل كلامه إلينا صحيحاً فينبغي أن يطاع، يقول الله U: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]. وقرن طاعته بطاعته، فقال جلَّ من قائل: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران:132]. وإن عصيانه عصيان لربِّ العزة، لأنه مبلِّغ عنه دينه، والويل لمن خالفه: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً} [سورة النساء: 42]

وهناك آيات أخر، وأحاديث في ذلك، ولا يحتاج الأمر إلى بيان، فيكفي أنه رسول مرسل برسالة، وأنه مبلِّغها، عليه صلوات ربي وسلامه.

واستهزاؤه بالأكل باليمين، ودخول الحمام بالرجل اليسرى، وصلاة ركعتين قبل الزواج، وما إلى ذلك من الأحاديث الصحيحة في هذه الأحوال وغيرها، لا يقدم عليه مسلمٌ قويُّ الإيمان، بل إن إيمانه وعمله في خطر... وإن الله يُري ناساً عواقب دنيوية ليعتبر بها آخرون، ولا يكون هذا العقاب في كل مرة، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [سورة فاطر: 45].

ومن تلك العبر أن رجلاً أكل عند رسول الله r بشماله، فقال: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع، قال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكِبْر. فما رفعها إلى فيه. كما في صحيح مسلم ( رقم 2021) يعني شُلَّت يده لأنه عصى رسول الله r ولم يَنْقَدْ لكلامه أنَفةً وتكبُّراً.

وأذكِّر الكاتب مرة أخرى بأن عاقبة معصية الرسول r وخيمة، فكيف بمن أنكر سنَّته؟

أما لماذا هذه السنن، ولماذا لا يكون الأكل بالشمال، ودخول الحمام باليمين... الخ فإن الأمر للمشرِّع في ذلك، وفي ذلك حِكَم عرفنا بعضها ولم نعرف بعضها الآخر، إنما المسلم يعمل بها اتّباعاً للأوامر التي نزلت وحياً من السماء.

ومن الحكم في ذلك تميُّز شخصية المسلم، فأينما ذهب والتقى بأخ له يراه موافقاً له في هذه الأعمال، وكان رسولُ الله r يخالف اليهود والنصارى في أشياء كثيرة ويصرِّح بذلك، وينهى عن التشبُّه بهم في لباسهم وعاداتهم وما إليها، فإن التقليد سبب للتبعية... حتى قال اليهود في رسول الله r: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه". صحيح مسلم ( رقم 302).

وأسأل الكاتب، عندما يصلي ويعتمر ويحج، ألا يقوم بحركات معينة؟ ألا يرفع يديه في الصلاة؟ ألا يقرأ سورة أو آيات بعد الفاتحة؟ ألا يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير؟ ألا يصلي في المقام بعد الطواف؟

إنه يفعل هذا، ولكنه ينكر ما هو مثله في مناسبات أخرى، فهذا سنة وذاك سنة، فما هو ميزانك في قبول هذا وردِّ ذاك؟ هل هو ميزان الجرح والتعديل وقواعد مصطلح الحديث أم الهوى والذوق الخاص؟

ومن أخطائه الأخرى قوله [في ع 43634- 27/ 4/ 1427هـ]: "حرام أن نلعن القدر، فإن القدر هو الله". وهو خطأ بيِّن، فإن القدر هو القضاء الذي يقضي به الله على عباده.

ويبدو أنه أراد حديث "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر". صحيح مسلم ( رقم 2246). وهذا أيضا من جهله الفاحش بالحديث، وتدخُّلٌ له فيما لا يعرفه ولا يعنيه.

وقد وقفت على كلمات أخرى له في أعداد تالية من الأهرام بعد التاريخ المذكور تشبه ما سبق أن كتبه، وقد أوقفني من بينها مقال فظيع لا يجرؤ أن يكتبه مسلم يخشى الله، فقد أسقط فيه أحكاماً أثبتها الله سبحانه في القرآن الكريم! وغير ذلك من سخرياته بالدين الحنيف. ففي جرأة ولا مبالاة وتهكم أقحم نفسه في أمور لا يعرفها أو يصرُّ على أن يكون الحُكْمُ فيها له، لا لله ولا لرسوله، ولا لعلماء الدين، يقول في أول مقال كتبه في الأهرام (ع 44142 – 7 شوال 142 8 هـ): "لا أدعي أنني مفتي القرية ولا المدينة ولا الديار، وإنما كلامي بالعقل ردّاً على مثل هذه التساؤلات: هل أدخل بالقدم اليمنى؟ الجواب: ادخل كما تريد!

في الظلام لا أعرف أين القبلة، فكيف أصلي؟ الجواب في أي اتجاه، فأنت تصلي لله، والله في كل مكان! (؟).

سؤال: إنني أصاب بمغص بسبب الصيام، فماذا أفعل؟ الجواب: لا تصم!

في الحروب لا يستطيع الجندي لا أن يصلي ولا أن يصوم، ففي ذلك انشغال عن مهمته، وفي ذلك خطورة عليه وعلى زملائه من المقاتلين"

وردَّ في الجواب أن المقاتل لا يصلي!

وفيما كتبه هنا طامّات، ويكفي قوله إنه يقول هذا بالعقل، يعني ليس استناداً إلى كتاب ولا سنّة. ويقول للمجاهد المسلم لا تصلِّ، وفي القرآن الكريم آية طويلة في كيفية الصلاة أثناء الحرب، تسمى صلاة الخوف، وهي الآية (102) من سورة النساء: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ}. هذا والعدو يتربص بهم ويكاد أن يهجم عليهم. أما عند الالتحام فللصلاة أحوال أخرى ذكرها العلماء.

وفي آخر هذا المقال ما يُنْبِئ عن حنقه وغيظه على الشباب الملتزم، بدل فرحه بهم، فيقول في خبث يُبطنه، فضَّ الله فاه: "ثم رائد فضاء ماليزي يسأل كيف يصلي في سفينة الفضاء، وكيف يصوم وهو مكلف بمهام خطيرة؟

أنا أقول له: لا تصلِّ ولا تصم، فالدين قد أعطاك هذه الرخصة، وإذا كان يريد أن يتجه إلى القبلة فلم يجدها ففي أي اتجاه، واقفاً أو جالساً أو نائماً، أو لا داعي لأن يصلي، فالدين يُسر. ونحن قد أسأنا إلى الدين بأفكارنا السخيفة وتساؤلاتنا الغبية".

هذا ما قاله في خاتمة مقاله، أعانه الله على خاتمته.    

 

خاتمة:

تبيَّن مما سبق أن الكاتب أنيس منصور ليس على عقيدة صحيحة في كل ما يكتبه عن الإسلام، وأن ثقافته بالحديث معدومة، ولذلك يعد الاشتغال به من "الجرائم"! وتبيَّن أنه لا يريد سيادة الثقافة الإسلامية، ولا الإعلام الإسلامي، ولا الحكم بالإسلام، وهو لا يفتأ يكرر الدعوة للجميع بالاستسلام للكيان اليهودي من خلال معاهدة السادات معهم، كما أن له مغالطات وسخريات بأمور دينية رُدَّ عليه في هذا المقال.

(نشر في مجلة البيان، الرياض)