محمود درويش ونضاله مع الشيوعيين اليهود

محمود سليم درويش شاعر وطني معروف من قرى عكا، ولد لأسرة تعمل في الزراعة، نظم الشعر وهو طالب وانضمَّ إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وبتشجيع من إميل حبيبي أصبح عضواً في هيئة جريدة "الاتحاد" لسان حال الحزب الشيوعي المذكور، الصادر في حيفا، وإميل المذكور كان ممثل الحزب الشيوعي في الكنيست اليهودي لتسعة عشر عاماً، حتى سنة 1392 هـ (1972 م).ثم أصبح درويش محرراً لملحق "الجديد" الأدبي التابع للحزب أيضاً، وأرسله الحزب الشيوعي المذكور إلى الاتحاد السوفيتي لعمل دورات حزبية، كما درس هناك الاقتصاد السياسي، وتنقل في مناصب ثقافية بمنظمة التحرير الفلسطينية ثم استقال منها، ربما لملاحظات له على اتفاقية أوسلو 1993م. وقد تزوج باثنتين وطلقهما، ورفض الإنجاب.

كتب الشعر العمودي ثم الحرّ، وتميَّز بأسلوب خاص في نظمه، وقدم قصائد طوالاً، واعتبر شاعراً وطنياً ثائراً، وترجم شعره إلى لغات عالمية، ومات في أمريكا في الثامن من شعبان من عام 1429هـ، 10 آب (أغسطس) 2008م.

فهو من ناحية النظم والتفنن في قول الشعر شاعر فذّ، وقد أخذ مكانة بارزة بين شعراء عصره في ذلك.

ومن العدل أن يُذكرَ ما للشخص وما عليه، حتى تستوي شخصيته في عين القارئ، ويُعلمَ ما كان عليه من معتقدٍ وعملٍ طوال حياته، وقد رأيت أنه لم يركز على جانب من سيرته أخذ وقتاً من عمره، وشكل ثقافته ومنهجه في الحياة، وهو ما حدا بي إلى التذكير به والتنبيه عليه، تكملة لجوانب من سيرته.

فقد ابَّنه واحتفى بشعره وسيرته كثير من المراكز والمؤسسات الثقافية والفضائيات العربية بعد وفاته، وقبلها كذلك، وكلها أطراف حكومية وأشخاص علمانيون وحداثيون، ولم أر احتفاءً به من أي طرف إسلامي، لا قبل وفاته ولا بعدها، وربما يعود ذلك إلى كونه شيوعياً ملحداً، هذا ما كان عليه في معظم سني حياته، وربما أخذ معتقده هذا معه إلى القبر. وإذا كان قد ترك أفكاراً شيوعية سياسية وفكرية معينة، فلم أقرأ عنه أيَّ تقارب من الدين. ولم يكن شيوعياً عادياً، بل كان مناضلاً جنباً إلى جنب مع اليهود الشيوعيين، فقد كان عضواً عاملاً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، وليس أيَّ حزب شيوعي عربي آخر. ومن المعروف، بل من البدهي أن جميع الأحزاب الشيوعية تعترف بالكيان الصهيوني، وقد كان الاتحاد السوفيتي أول معترف به، والأحزاب الشيوعية الأساسية كانت تبعاً للاتحاد، ومحمود درويش كان واحداً منهم، والحزب الشيوعي الإسرائيلي خاصة هو أكثر المعترفين بدينهم وقوميتهم ووطنهم المزعوم، ولهم أفانين وسياسات في الانتماء إلى الأحزاب لتحريف الأفكار وصيد الشخصيات، نعلم أسرار بعضها ولا نعلم بعضها الآخر، والمهم أن محمود درويش كان معهم. وفي ذلك الوقت كان العربي الذي يعترف بـ "إسرائيل" يعتبر خائناً، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، وما كان يجرؤ عربي أن يعترف بها، وليتذكر القارئ ما قاله العرب حكومات وشعوباً في السادات لمّا اعترف بدولة لليهود، بينما كان محمود درويش وأضرابه الشيوعيين معترفين بها، دون اعتبار لشعور أي فلسطيني ولا عربي ولا مسلم، ولكن لما استمرأت حكومات عربية وأنصارها العلمانيون والحداثيون الذل والهوان، وبينهم الحكومة الفلسطينية نفسها، صار الاعتراف بـ "إسرائيل" شيئاً طبيعياً، لا يُنْفَرُ منه ولا يُعاتبُ عليه صاحبه، ولذلك لا يستبعد أن يستمر شريط الذلّ والانتكاسة والخذلان بين المراكز والمؤسسات والفضائيات العربية الرسمية والعلمانية والحداثية، وتخلط بين الخائن وغير الخائن، وتمجد شعراء وأدباء ومفكرين سبقوا كثيراً من العرب إلى لاعتراف بالدويلة اليهودية، وهم يأبون مقاومة العدوَّ المغتصب الذي احتلَّ أرضهم وقتل مئات الآلاف من أهليهم وجيرانهم.

 وقد مارس هذا الشاعر هوايته في نظم الشعر بعواطف سخية لا يخسر منها شيئاً، ولا يزيد العرب منها إلا كلاماً وضجيجاً، لا يقرِّب نصراً، ولا يُبعِدُ خطراً. ولهذا وغيره فإنه لا يضرُّ الكيانَ الصهيوني أن يقول درويش وغيره ما يقول، بل إنه مستعدٌّ للاحتفاء به وبأمثاله بعد موتهم مثل كل الدول العربية ما داموا لا يقاومون، وقد اقترح هذا الكيان – باسم وزير الثقافة فيه – إطلاق جائزة أدبية إسرائيلية باسمه، هي جائزة التفرغ للأدب التي تقدمها وزارة العلوم والثقافة والرياضة والشباب الإسرائيلية، ولكن عائلته رفضت. وهو اقتراح واضح لا يحتاج إلى تعليق.

أرجو أن يكون ما كتبته هنا إضافة موضوعية إلى ما احتفي به، حتى تكتمل جوانب سيرته لدى القارئ.