عبدالله بن حمود الطريقي شخصية قومية معروفة، من مدينة الزلفي السعودية، وكان أول وزير للبترول بها، تميزت حياته بالدعوة إلى الوحدة العربية، والعمل على تخليص النفط من الشركات الأجنبية، فكان أن رفع شعار "بترول العرب للعرب"، ودعا وساهم في إنشاء الأوبك.
وكان مؤمناً بثورة الرئيس المصري جمال عبدالناصر وشخصه؛ لأنه كان "وحدوياً"، وذكرت ابنته أنه لم يكن ناصرياً، لكنها ذكرت أيضاً أنه غضب وانزعج عندما نقدت عبدالناصر في سياسته الداخلية.
كما عرف بمواقف معارضة لحكومة بلاده، عندما كان في الخارج، في مصر ولبنان والكويت، ولكن في حدود.
وقد كرِّم بعد وفاته بإنشاء كرسي له في مركز الوحدة العربية ببيروت، وقام بطبع أعماله الكاملة في (1032 ص).
والمهم أنه لم يجنِ من أفكاره القومية ونضاله الوحدوي شيئاً، فقد زاد تشتت العرب ومواطن اختلافاتهم.
ولعله بعد عمر طويل وخبرة بشؤونهم رأى أن القومية لا تجمع، فلا بد من مبدأ وعقيدة تجمعهم، ولا يُعرف أن العرب اجتمعوا أو صاروا قوة عالمية إلا بالإسلام، فلا عزَّ لهم إلا به.
فهل ما حدث من تغيير في حياته كان لمثل هذا أم هو لغير ذلك؟
لقد سلك طريق التدين قبل أكثر من عقد من وفاته، منذ نحو 1405 هـ إلى حين وفاته 1417هـ، والتزم بذلك عملياً في عباداته، حيث لزم المسجد، فكان يؤدي فيه الصلوات الخمس جماعة، ويؤمُّ المصلين في صلاتي الظهر والمغرب، ويرفع الأذان في مسجد الحيّ إذا تغيَّب المؤذن، وأعفى لحيته، وكانت طويلة...وإمعاناً في التزامه الديني ذكر صديق له أنه أراد مرة إعادة الصلاة لأن الإمام لم يؤدها في سكينة وطمأنينة.
ولا أعرف من أفكاره السياسية في آخر حياته شيئاً، ولم يذكر أصدقاؤه إنكاره لشيء مما كان يدعو إليه سابقاً، أو تنازله عن بعضها، أو أنني لم أتابع ذلك بدقَّة، لكني سألت كاتباً يعرفه وقد كتب عنه، فقال: لم يكتب في ذلك شيئاً. يعني أن الأمر لا يُعرف. أقول: إلا أن يكون ترك شيئاً مخطوطاً لم يعلن عنه.
فهل كان توجهه نحو الإسلام من ناحية تعبُّدية، أم أنه كان لكامل نظام الإسلام ونهجه؟ يعني هل نبذ الطريقي أفكاره القومية والعلمانية السابقة أم أنه أبقى عليها واكتفى بالشعائر التعبدية من دينه؟ وهل كتب شيئاً من ذلك للدلالة على ما ذكر؟
لقد كانت له أفكار قومية وعلمانية لا تلائم الإسلام ألبتة... ولو لم يكن كذلك لما كان الاحتفاء به في الخارج إلى درجة كبيرة من قبل مؤيديه، ولا أعرف بينهم ممن يحمل هم الإسلام والدعوة إليه...
وكان رافضاً للأحلاف الإسلامية، ويقول: إنها ليست سبيلاً لمواجهة الاستعمار، أو لمواجهة إسرائيل، ولا يمكن جني أي فائدة منها! ويبرر ذلك بأنها مرتبطة بالدول الغربية [والدول العربية؟؟] وأن ذلك يزعج المعسكر الاشتراكي، والمطلوب أن يزيدوا من تقاربهم من هذا المعسكر... وما إلى ذلك ...
وكان يثني على اليمن الجنوبية (الشيوعية آنذاك) ويقول مخاطباً العرب: لو فهم الآخرون ما معنى الدولة اليسارية لرحبوا بها ولضموها إلى صدورهم ولأعطوها حقها من الثروات. قال ذلك لكونها تحاول التخلص من "الاستغلال والاستعمار والسيطرة الأجنبية والجهل والفقر والمرض". وقال: فحاولوا يا إخواننا العرب فهمهم قبل فوات الأوان!!
فهل بقي على مثل هذه الأفكار وغيرها؟
وقد بقي جثمانه مسجى ثلاثة أيام في مصر، لرفض زوجته أن يُدفن في السعودية (وهي أخت الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، تزوجها بعد طلاق زوجته الأمريكية، التي أنجبت له صخراً)، ثم دفن بها، بعد محاولات دبلوماسية. وكانت ابنته تقول إن والدها لم يربِّهم تربية "سعودية"! وقد عاد إلى بلده في سنواته الأخيرة، وأكرمته الدولة، وفي آخر سنتين من عمره كان في القاهرة لتكمل ابنته تعليمها.
(المعلومات المذكورة عنه من كتاب صدر فيه بعنوان: عبدالله الطريقي: صخور النفط ورمال السياسة/ محمد بن عبدالله السيف.- بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 1428 هـ. والتحليل من كاتب المقال).