لم أرَ (أسامة)، كما لم أرَ أخويه، ولم أر أحداً من أولاد إخواني وأخواتي، سوى أخ لي رأيت أطفالاً له.
فقد عشت في غربة امتدت (32) عاماً وشهوراً، لم أتمكن خلالها من العودة إلى بلدي سورية، ولو رجعت لرحبت بي السجون وفتحت لي أبوابها، ولكنت صيداً ثميناً لضباط المخابرات ومصاصي الدماء ومحترفي التعذيب والتنكيل، وربما انتظرني القتل، لا لشيء، سوى لأني من أهل الإيمان، الذين لا يحنون رؤوسهم للطغاة، ولا يجاملونهم، ولا يسكتون عن ظلمهم...
لم أرَ أسامة، الذي كان اليد اليمنى لشقيقي محمد زكي، وأنجبَ أبنائه، اعتمد عليه في فهرسة مكتبته التجارية النادرة، وتخزينها، وساعده في شؤون البيت، بعد أن توفيت والدته وهو صغير... وراجع له كتاباته المتتالية في الشبكة العالمية للمعلومات، وما إلى ذلك...
لم أرَ الحبيب أسامة، وقد كان شاباً ينتفض حيوية ونشاطاً، في العشرين من العمر، قد دخل الجامعة قريباً، يفكر في مستقبل يخفف فيه من أعباء والده المكدود، الذي لم يعرف الراحة، مذ كان فتى، وحتى يومه هذا.
وكان والده بالنسبة له كل شيء، بعد الله تعالى، يستشيره كما يشير إليه، ومع بعضهما دائماً، إنْ في البيت أو في المكتبة، فقد كان كالظلِّ له.
واختطفه الموت فجأة في أحد أيام شهر ذي القعدة من عام 1434هـ، في نوبة قلبية لم تفلته، وتركته جثة هامدة في لحظات...
أُخبرتُ بوفاته فذُهلت، واسترجعت، وصرت أفكر بكيفية (مقتله): هل هو بفعل قناص، أم أنها طلقة شاردة، أم...، فالوفاة الطبيعية للشباب خاصة لا تخطر على البال في هذه الأيام بسورية المنكوبة...
واتصلت بأخي أعزيه... فرأيت قلباً مكلوماً، وصوتاً متهدجاً، ونحيباً يقطع نياط القلب، فأجهشت بالبكاء معه، واستفسرت منه عن كيفية وفاته لأغير مجرى الحديث وليُصرفَ عنا البكاء، وأنا متصوِّر أنه قُتل بفعل فاعل، وهو ينفي، ويتحدث عن وفاة عادية...
كان أسامة حبيباً بين أهله جميعاً، مبتهجاً بهم، حنوناً، يحبُّ حياة الجد، والمسؤولية، ويتعاون على الخير والصلاح...
رحمه الله، وقد رقد إلى جانب والدته، وأعان الله والده وأخويه عبادة ودجانة، والحمد لله على كل حال، فله ما أخذ وله ما أعطى، وهو وليُّنا وخالقنا وراحمنا.