قضية المرأة.. تحرير أم تدمير؟! - محمد خير رمضان يوسف (لقاء صحفي)
مجلة الشقائق: الملاحظ أنه في كل المناطق التي تشتعل الحرب فيها ضد المسلمين، تكون المرأة أول الضحايا وأكبرهم، ويعمل العدو فيها قتلًا وتعذيبًا واغتصابًا دون مقاومة تذكر فيها!
فهل قصر المسلمون في تهيئة المرأة المسلمة لمواجهة الأعداء داخليًّا وخارجيًّا؟!
ما هي أشكال هذه التهيئة؟!
جواب محمد خير يوسف: لا أدري لماذا تسألني هذا السؤال، وأنت تعرف - والقراء جميعًا - أن الجواب هو نعم بالخط الأسود العريض!
بل الأمر أسوأ من هذا بكثير؛ حيث إن التخطيطَ التربوي العامَّ أساسًا يسير إلى إفساد المرأة، وإلى توجيهِها نحو حياةِ المرأة الغربية بكلِّ ما فيها من مفاسد وموبقات!
وحتى لا أُدخِل القارئ في الجو التشاؤمي من هذا القبيل، ولا أستطردَ فيه، أذكر أن أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب للمرأة المسلمة في حالات الحرب، تهدف إلى الإرهاب والإذلال، فالإرهاب للتخويف وبثِّ الذعر في حرب نفسية بين الفئات الضعيفة من المجتمع، والإذلال، لأنه يتعلق بعِرْض المسلم وشرفه، فالعِرْض من الدين، والمسلم يغار على عِرْضه ويقاتل دونه، ويموت شهيدًا إن قتل بسببه، وإنما يفعل العدوُّ ما يفعل من هذه الأمور ليهين مقام الرجولة والمروءة النابعينِ من إيمان الرجل وعقيدته.
وهذا الاعتداءُ من العدو لا يُصنَّف تحت انتصاراته ولو كان في حالة حرب، بل هو جبن ودناءة، وجريمة عالمية تنبذها الأديان والقوانين جميعًا؛ لأنه اعتداءٌ صارخ على مَن لا يحمل السلاح، ولا يقدِر عليه، ولا يشارك في الحرب.
وحكم الإسلام في هذا واضح جلي، فهو لا يجيز قتل غير المقاتلة، من امرأة، أو صبي، أو شيخ هرم، أو مريض مُقعَد، أو أشل، أو أعمى، أو مجنون... إلخ، ولذلك لا يجب عليها الجزية؛ لأنها ليست من أهل القتال.
وإذا عرَفنا أن أمر المرأة المسلمة مبنِيٌّ على الستر والعفاف، والتربية الأسرية وأمور التعليم والتمريض وما إلى ذلك مما يوافق تكوينها الجسماني وتهيئتها النفسية في حدود ما أباح لها الشرع، وهي بعيدة عن الحياة العسكرية التي يلزم فيها الخشونة، والقوة، والحركة، والتدريب القاسي، وحمل السلاح، والقتال، وما إلى ذلك - فإننا نعرف بهذا أن الاعتداء على الآمنين والضعفاء ومَن لا يقدر على حمل السلاح يكون سهلاً، ويكون السبب هو جرائم الحرب التي يرتكبُها العدو غير المتخلِّق بالأخلاق الإنسانية، بل هو أقرب إلى سلوك الوحوش التي لا يحكم تصرفاتِها عقلٌ ولا تدبير، وليس السبب المرأة ذاتها.
وحوادث الاغتصاب التي راجت أخبارُها عن اعتداء الصِّرب على النساء المسلمات كان منظمًا وهادفًا، بتدبير عقول مجرمين، لم يشهد التاريخ لهم مثيلاً، فقد اعتُدِي على صغيرات في المدارس الابتدائية، واغتُصِبت فتيات عدَّة مرات في اليوم الواحد، واعتُدِي على أمهاتِهن أمامهن، وعليهن أمام ذويهن، وقد انتحرت العديدات في معسكرات الصرب بقطع شرايينهن للخلاص من هذا العار الذي فُرِض عليهن.
وقلت: إن التقصير في تهيئة المرأة لمواجهة الأعداء قائم بشكل واضح، بل هو في حق الرجال أوضح!
فأجواء التربية في العالم الإسلامي غير سليمة، والإعلام غير سليم، والغزو الفكري مفتوح مكثَّف، يُساعِده الإعلام الداخلي نفسه، والتضليل وارد تمامًا، حتى لم تَعُد المرأةُ المسلمة تستطيعُ تصنيف عدوِّها من صديقها، بل هي تكادُ تسمع وتشاهد ما يقول لها أعداؤها وهي تستأنس وتضحك، ولا تعزف أن دمارها ودمار أسرتها يكمن فيما تستمتع به وتأنس!
وهذا كله يؤثر على موقفها وتربيتها لأولادها، التي من المزمع أن تُخرِّجهم دعاة وأبطالًا مجاهدين.
وإن أقرب مثال لما نحن بصدده هو صراعنا مع اليهود، الذين هم ألدُّ أعدائنا وأعداء ديننا، فماذا يُمهِّد الإعلام العربي الآن لهم وللدولة التي أقاموها بحبل من الناس؟
لماذا صارت المرأة المسلمة تسمع صباحَ مساءَ من بني قومِها عن هؤلاء الأعداء؟
ومن يتحمَّل مسؤولية تشويه التربية التي تكتسبها بنات الجيل الجديد، اللواتي يتعلَّمن في المدارس ويتعرَّضن لهذا التضليل الإعلامي القسري؟!
إن العدوَّ - في المصطلح الإسلامي - عدوٌّ، مهما تغيرت الظروف، ولا يجوز تحسين صورته إعلاميًّا، ناهيك عن الولاء له أو لأنصاره؟
وهذه الموازين إن تغيرت أثرت تأثيرًا سلبيًّا واضحًا على فئات المجتمع الإسلامي، بل ينبغي أن يُهيَّأ المجتمع دائمًا لمواجهته، عقديًّا ونفسيًّا إن لم تكن حالة حرب، وجسديًّا ومعنويًّا في حالة حرب.
وفي مجال الحياة الحربية تكون المرأة في أصعب المواقف إذا داهم بلدَها العدوُّ، فهي ليست ذات (تكوين عسكري)، ويصعب عليها مضاهاة الرجال في حمل السلاح والتفجير والقتل، ولذلك لم يُوجِب الإسلام عليها الجهاد، بل فضَّل لها جهادًا بدون قتال هو الحج، ففي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لكن أحسن الجهاد وأجمله: الحج، حج مبرور"، لكن الحديث يدل على أن لهن جهادًا غير الحج أفضل منه، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (باب حج النساء)، وقد ثبت أن الصحابيات كن يخرجن إلى الجهاد فيداوين الجرحى، وفي الأمر تفصيل:
فعندما يكون الجهاد فرض كفاية؛ (أي لا يكون النفير عامًّا)، لا يجوز للمرأة الاشتراك في الجهاد إلا بإذن زوجها - ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبًا - أما إذا كان النفير عامًّا، كأن هجم العدو على بلد إسلامي، فالجهاد فرض عين على كلِّ قادر من المسلمين، ويجوز للمرأة حينئذٍ أن تخرج بغير إذن زوجها.
وأثناء الحرب، وعندما يكون النفير عامًّا، ويكون الجهاد فرضَ عينٍ، ويلزم المرأة فيه الجهاد، يكون أيضًا تدريبُها واجبًا، فما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبًا، ولا شك أن ذلك محدودٌ بحدود معيَّنة، منها التدريبات الدفاعية، وكيفية استعمال السلاح، ومداواة الجرحى، ومراعاة مصالح الأمة الداخلية، وأمور إدارية ومركزية وإعلامية، وإمداد المجاهدين بالطعام وتهيئته لهم، إلى آخر ما يراه قادة الجهاد مناسبًا لهن وفي صالح العمل الإسلامي.
كما ينبغي تردُّدها على المراكز الإسلامية التي تبعث فيها روح الإيمان والثبات والصبر والعزيمة والتشجيع على الجهاد، وأن تحذر من أحابيل الأعداء والاستماع إلى إعلامهم المضلل، ويكون التوجيه ممن يوثق بدينه وخُلُقه، وفي الحدود الشرعية المرسوم لها.
وإذا تعذَّر عليها التدريب والتعليم لظروف خارجة عن إرادتها وإرادة الجهاد، فإن التدريب الأُسْرِي هو مطلب مهم في كل وقت، وبإمكانها أن تأخذ نصيبها من ذلك في حدود المطلوب، مما تمكن به من الدفاع عن نفسها ومكمنها.
(نشر في مجلة "الشقائق" الشهرية، مجلة كل النساء، شهرية، تُعنَى بشؤون المرأة، العدد الثاني، السنة الأولى، غرة رمضان 1416هـ، يناير 1996م).