خطورة ألف ليلة

يقول المفكر الإسلامي الموسوعي الأستاذ أنور الجندي رحمه الله:

    من أخطر شبهات التغريب محاولة اعتبار كتاب "ألف ليلة وليلة" مصدراً تاريخياً ممثلاً لحياة العالم الإسلامي، فقد جرت محاولات متعددة لاعتبار القصص الذي تضمه ألف ليلة ممثلاً لحياة العرب والمسلمين بصفة عامة، بينما تكشف أقل مراجعة لمصادر ألف ليلة عن أنه تراث إيراني وهندي سابق للإسلام، وأنه لا يمثل بحال صورة المجتمع الإسلامي.

    وقد حكى المؤرخ الكبير المسعودي (ت 346 هـ) في كتابه "مروج الذهب" عن وجود كتاب قديم بالفارسية أو بالفهلوية يحكي عن ملك وعن بنت وزيره (شهرزاد) وخادمتها دين زاد، وقد أشار إليه ابن النديم في الفهرست مجملاً، وقال: إنه كتاب الحماقة والسيئات، كما أشار إليه المؤرخ القرطبي.

    وقد كانت كل إشارات المؤرخين المسلمين إليه تحمل طابع الرفض والامتهان، والنص على أنه مصدر ساقط في أنظار العلماء والباحثين، على حدِّ عبارة الدكتور سنيتي كمارجترجي، في مجلة ثقافة الهند (يناير 1962 م).

    ومعنى هذا أن لكتاب ألف ليلة أصلاً كان سابقاً للإسلام، وأن مصدر أساطيره هندية وفارسية، وقد ظل العرب يتناقلونه بعد ترجمته كوسيلة من وسائل الترف، ويضيفون إليه حكايات جديدة، كما أضيفت إليه في العهود المختلفة، وآخرها عهد دولة المماليك ومسامرات أهل بغداد والقاهرة.

    ومن هنا نرى خطر الاستعانة به كمصدر لدراسة حياة المجتمع الإسلامي، بل على حد اتجاه بعض المستشرقين ودعاة التغريب من اعتباره مصدراً وحيداً، في رسم صورة زائفة.

    ومما يُذكر أن أول من أبدى اهتماماً إزاء ألف ليلة وليلة هو جاسوس إنجليزي مغامر (ريتشارد بيرتون) عام 1883 م، وهو واحد من أولئك الذين كانوا يتخفون في زياراتهم للبلاد العربية، ويلبسون العباءة العربية، أمثال لورنس وفيلبي، وكان يطلق على نفسه في دمشق الحاج عبدالله، والمعروف أنه تصرف في النقل على النحو الذي يخدم أهدافه.

    ومن الحق أن يقال: إنه مهما تكن صورة الحياة التي ترسمها ألف ليلة فهي ليست قطعاً صورة المرأة العربية أو المسلمة، فقد غيَّر الإسلام نظرة المرأة إلى الحياة كما غيَّر واقعها تماماً، فلم تكن في مفهومه ولا في مجتمعه الأصيل أداة جنس أو مصدر غايات حسية كما كانت في مفهوم المجتمع الوثني أو الجاهلي، وحتى بعد أن اضطربت الحياة في المجتمع الإسلامي فقد ظل هناك فارق واضح وحاجز كبير بين ما كانوا يسمونها "الغانية"، وبين ذات الصون والعفاف.

    وقد حوى ألف ليلة صورة مشوهة عن المجتمع الإسلامي، يزيد في زيفها أن قصصه تمثل أمماً مختلفة وعصوراً متباينة، وأن الجانب الأكبر منه كان موجوداً قبل الإسلام. وقد أضاف المترجمون الغربيون –بالقصد العمد، القائم على التعصب والخصومة- أضافوا إلى بشاعة الصورة التي يحملها الكتاب إضافات زادته فساداً. فقد أشار "غالان" المستشرق الفرنسي الذي ترجم ألف ليلة لأول مرة عام 1704 م بأنه "فرنج" الكتاب ليلائم ذوق قارئه، وأنه ركز على صور الرفاهية والترف، وأنه عمد إلى رسم ما سماه: صورة الشرق الحيواني!

(الشبهات والأخطاء الشائعة لأنور الجندي، ص374، مع قليل من الاختصار)