قالَ وهو يبتسم:
انظرْ إلى هذه الجوهرةِ وتعجَّب!
قلت: لجمالها أم لقيمتها الغالية؟
فقالَ في ثقة: لكليهما.
قلت: أما الجمالُ فوالله إن وجهَ أمي أجملُ منها ألفَ مرة،
فلم أملَّ من النظرِ إليه طوالَ حياتي،
بل أنظرُ إليه إذا طلبتُ الراحةَ والهناءةَ والصفاء،
وأما القيمةُ فما اطمأننتُ إلى مال،
ولا اتخذتهُ خدينًا في صغرٍ أو كبر،
إلا عند حاجةٍ ملحَّة.
فقال: لماذا؟
قلت: لأن الإنسانَ به يطغى،
فهو يخرِّبُ النفوسَ الصحيحة،
ويزيدُ من الطمع،
وهو يُظلمُ القلوبَ العامرة،
ويشغلُ عن الله وذكره،
ولا يَسلَمُ صاحبهُ من الحسد،
كما لا يسلمُ من الحرام،
لكثرةِ الطرقِ إليه، وإغرائه، وخاصةً في عصرنا.
قال: وهل من دواءٍ للغنى؟
قلت: نعم، إن أَعطى حقَّه،
قال: وما حقُّه؟
قلت: زكاته،
وإنفاقهُ في وجوهِ الخير، هكذا وهكذا،
فيرأبُ بذلك نفوسًا قريحة،
ويقوِّي عضدَ أمةٍ وجهادها.
فسكتَ قليلًا، ثم حركَ الجوهرةَ أمامَ الأضواءِ وقال:
لكنهُ جميل، انظرْ كيف يشعُّ ويتلألأ.. ألا تحبُّ الجمال؟
قلت: بلى، أحبُّ الجمال، وقد أغرقُ فيه،
ولكنْ جمالَ الكمالِ والمآل،
جمالَ النبلِ والمعنى،
جمالَ الباطنِ والسرّ،
فأحبُّ الحسنَ ولو كان في ثوبٍ مهلهل،
وأكرهُ السيّئَ ولو كان في ثوبٍ قشيب.
وأحبُّ الباطنَ النقيَّ وإن كان غَورًا،
وأكرهُ المغشوشَ وإن كان مصقولًا،
فهل رأيتَ أجملَ من هذا الجمال،
وأصفى من هذا المقال،
وأرفعَ من هذا الكلام،
وأعلى من هذا المقام؟