الأطفال... والأيادي المجرمة

هذه إحصائية مؤلمة، قرأتها قبل سنتين (1429هـ) ولا شك أنها في ازدياد.

هذه الإحصائية تقول: إن ما بين 80 و90% من الأطفال يتعرَّضون للضرب في أبدانهم في العالم كله، وأن ثلث هذه الحالات أو أكثر تستخدم فيها الأدوات للعقاب، وأن أكثر من (50000) طفل يموتون سنوياً من جرّاء هذا العنف!

الصدمة كبيرة، ويبدو أن الوالدين لهما نصيب في هذه الإحصائية، وربما كان العقاب في البيوت أكثر من أي مكان يكون فيه الأطفال (في العالم الإسلامي على الأقل)، والأبوان هما اللذان يشرفان على الأطفال في البيوت غالبًا، ومن المفترض أن يكونا أشفق الناس وأحنَّهم على الأبناء، فكيف يضرب الأبوان أولادهما حتى الموت، أو يكرران الضرب حتى يصابوا بعاهات ويموتوا من جرّائها ولو بعد حين!

وماذا يُقال عن حال الأطفال في المؤسسات والجمعيات التي تشرف على اللقطاء واليتامى، وفي الروضات، وأجنحة الأطفال في أماكن أخرى، وعند المربيات، ممن ليسوا فلذات أكباد عندهم وعندهنّ؟

وإذا ذُكرت الكبائر، وذُكر أكبرها، فإن جسم المؤمن يقشعر، وقلبه يوجل، لأن الاقتراب منها يعني التعرض لغضب الله ونقمته وعذابه الشديد، والمسلم رسالته في الحياة أن يعبد ربه ويرضيه بطاعته له لا بمعصيته، وهو مأمور بتربية أبنائه تربية حسنة وسليمة ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع، ومؤدبة وذات قيَم عليا وأخلاق كريمة، ولن يتأتى هذا كله إلا بالكلمة الطيبة والتربية المسؤولة، أما الضرب فيستعمل عند الضرورة، ولكن في أماكن غير مؤذية من الطفل، ولا يكون ضرباً قوياً، يعني أن الضرب يكون للتأديب، وبشفقة، وليس انتقاماً نفسياً يفجِّر فيه الأب أو الأم غضبه في طفله.

ولجزاء هذا العمل الشنيع الذي يخافه المسلم، أحسب أن نسبة الأموات من الأطفال نتيجة الضرب تكون قليلة جدًا في بيئة المسلمين، إذا كانوا هم المشرفين على أطفالهم وفي بيوتهم، وقد بلغت هذا العمر ولم أسمع أن طفلاً مات من الضرب، إلا قليلاً جداً، والنادر لا حكم له. ولا يكون قصد الوالدين الضرب حتى الموت.

وهل مقتل (50000) نفس بريئة أمر هيِّن؟ وخبر يمرُّ بدون تألُّم وتحسُّر وعمل ما يمكن تداركه؟

أما المدنية الحديثة، فهي أشقى من أن تجد لذلك حلاًّ مناسباً وكافياً، لأنها هي سبب شقاء معظم الأطفال، فهي التي أقصت الدين عن العلاقات الاجتماعية، وأحلَّت السفاح، وجعلت الناس همجاً في علاقاتهم الجنسية، حتى كثر الأطفال بدون أبوين، وبدون تربية، وبدون متابعة مسؤولة.

 وجعلت توعية الأبوين والمشرفين على الأطفال بوسائل تربوية غير الضرب، هي سبيل النجاة من هذه المشكلة الجريمة.

والأمر يتعلق بأكبر من هذا الأمر.

إن استشعار هذا الذنب الكبير، وهو ضرب الطفل حتى الموت لا يتصوَّر إثمه وعقوبته العظيمة إلا المسلم الحق، الذي جعله الإسلام في الدرجة الثانية من أكبر الكبائر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور".

ولا فرق بين هذه الجريمة وجريمة الوأد التي كانت تُمارس في الجاهلية، حيث كان الجاهلي الكافر يضع طفلته الحيَّة في حفرة ويهيل عليها بالتراب!!

{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}؟ [سورة التكوير: 8-9].

والمسلم لا ينسَى هذه الصورة الفظيعة التي كانت تُمارس في الجاهلية، وترتعدُ لها جنَباتُ جسمه كله!

 والمطلوب من المؤسسات الخاصة بالأطفال أن تتحرّى في أمانة المشرفين على الأطفال، بأن يكونوا ذوي دين وخُلق وأدب، وليسوا فسقة ومجرمين.

اللهم احفظ المسلمين وأطفالهم.