آلمني آخر إحصائية أعلنتها منظمة الصحة العالمية عن عدد المنتحرين، في كل يوم، وفي كل عام! من هذا العام (1431هـ)
ولم أصدق عيني عندما قرأت أن عدد المنتحرين هو (3000) شخص، وقلت: لعلهم (300)! ثم كأنه انطبع في نفسي أن هذا العدد هو للمنتحرين سنوياً، ولما تأكدت من أن (3000) من البشر ينتحرون يومياً، كانت المفاجأة أكبر وأقسى.
إنهم مساكين، هؤلاء الذين لا يجدون أملاً في الحياة، ويستصعبون العمل والعيش مع البشر، فيرون أقصر طريق للخلاص من حياتهم هو إعدامها، ظناً منهم أنهم سيصبحون مثل التراب، لا يحسون بشيء ولو وطئتهم الأقدام!
إنه باختصار (اليأس)، هذا الداء العلقم، الذي لا ينبغي وجوده في حياة المسلم أصلاً، بل هو في دفتر الكافرين، حيث ورد في القرآن الكريم: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سورة يوسف: 87]، {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [سورة الحجر: 56].
لكن من المؤسف جداً أن تجد بين هؤلاء المنتحرين آلافاً من المسلمين أيضاً، وهو ما يُنبئ بشرّ، فإن التربية الإسلامية غائبة، وهؤلاء الضعفاء هائمون سادرون غائبون عن الدين وعقوبة الانتحار، فإن "من تردَّى من جبل فقتلَ نفسَهُ فهو في نارِ جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سمًّا فقتلَ نفسه فسمُّه في يده يتحسّاهُ في نارِ جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن قتلَ نفسه بحديدة فحديدتهُ في يده يَجَأ بها في بطنه في نارِ جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً" كما في صحيح البخاري.
إن الإسلام يجلب السكينة للنفس، والاطمئنان للقلب، فيعيش المسلم راضياً بقضاء الله ولو كان فقيراً، وطيِّب النفس ولو لم يكن ذا مكانة في المجتمع، ومطمئن القلب ولو تكالبت عليه الهموم، لأن المسلم يعلم أن الله لن يتركه، وأنه لن يبقى على حاله التي هو فيها، بل ينتظر الفرج وهو موقن به، ويبتسم للحياة ولو من بعيد، فلا تبقى حال على ما هي عليه، بل هي متقلبة، من حسن إلى سوء، ومن سوء إلى حسن، والحكمة في ذلك هو الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده بالسرَاء والضرّاء، ليرى صبرهم وشكرهم، والتجاءهم إلى ربهم أو يأسهم، ولذلك لا بد للمسلم من أن يتبحَّر في أعماق دينه، ليعرف مبادئه وحكمته في الخلق وفي الحياة، ويطَّلع على حال الإنسان في القرآن، مع الله ومع البشر، وفي التاريخ، ليعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن الخير كله بيده سبحانه، فيتلمس منه الفرج، والتغلب على الصعوبات، والنجاح في الامتحان الدنيوي.
وإنه على الرغم من التقدم في المدنية وأساليب الحياة والتقنية الضاربة بأعماقها في معيشة الإنسان، إلا أنها مع الأسف لا تجلب له السعادة، إنها فقط تخفف من التعب، وتبهره بالمعلومات، وتحقق له رغبته في الاستطلاع، وتزيد بعضهم ثراء... ولكنها لا تجلب قط الاطمئنان والراحة النفسية، فالإنسان هو الإنسان، هو الروح وهو الجسد، والمدنية الحديثة تعطي جسده أكثر من حقه، وتترك روحه هملاً، وهو الأهم، لأنه لا حياة حقيقية للجسد إلا بالروح، وإذا كانت الروح مريضة فلن تجد الجسد صحيحاً، وصحتهما بما خلقهما الله له، وهو التوجه إلى ربِّ الخلق كلهم، في عقيدة صحيحة، وعبادة صحيحة، وممارسة صحيحة للحياة، وهو ما لا يوجد إلا في دين الله الخاتم.
ومن المؤسف أن الإنسان يزداد شقاء في هذه الحياة!
فإن في الـ(45) سنة الأخيرة قفزت معدلات الانتحار بنسبة 60% في جميع أنحاء العالم! كما ذكرته منظمة الصحة العالمية!
ولا حلَّ صحيح لدى هذه المنظمة لـ"علاج الانتحار"، لأنها لا تملك ديناً صحيحاً! وكل ما ذكرته من حلٍّ أنها تتعاون مع الرابطة الدولية لمنع الانتحار، وأنها ستحث وسائل الإعلام على توخي المزيد من العقلانية لدى تغطية حالات الانتحار، فقد لوحظ أن كل محاولة انتحار (ناجحة) تقابلها (20) محاولة انتحار أو أكثر.
بقي أن يعرف القارئ أن مستويات أعمار الانتحار هي قمة نضوج العمر في حياة البشر، وهي ما بين (15- 44 سنة)!
إن روحك هذه التي بين جنبيك أيها الإنسان ليست ملكك حتى تنهي مهمتها في الحياة بإرادتك وعزيمتك، إنها أمانة من الله عندك، فإذا لم تحترم هذه الأمانة، بل تعديت عليها حتى بالقتل، فإن جزاءك هو النار الدائمة التي تحيط بك يوم الحساب.
وتأكد أيها الإنسان، أن العالم ليس بخير، ما دام الإسلام غائباً عن حياة البشر، في عقيدتهم، ومسلكهم، فهو دين الحياة، وهو دين الوسطية والاعتدال، الذي يعطي الجسد حقه، ويعطي الروح حقه.