أعني بالإعلام الحاقد توظيف وسائل الإعلام أو بعضها لبث الحقد والبغض والكراهية في المجتمع، وذلك بتوجيه الأقلام المسمومة والحناجر المستأجرة المبغوضة للإضرار بفئة أو فئات من المجتمع، بقصد إقصائها، أو تنفير الشعب منها، أو تشويه سمعتها، ولتبقى هي مستأثرة بالسلطة والبقاء في الحكم.
والأمراض الإعلامية كثيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، في ظل كبت الحريات، والتلويح بالعقوبات، والتهديد بالإضرار. وهذا نوع منها.
وقد تابعت صحيفة "الأهرام" القاهرية سنوات، لمتابعة الوفيات فقط، فلفت نظري فيها أشياء كثيرة لا تبهج نفس القارئ، ويكفي أن يُقال إنها صوت الحكومة، أو صدى صوتها، حكومية كانت هذه المؤسسة الصحفية أو أهلية. وإذا عرف القارئ العربي ذلك فكفى بذلك معرفة!
والذي لفت نظري من بين هذه الملاحظات، وهو سياسة جديدة في ظل رئاسة أسامة سرايا لم تكن من قبل، توجه إعلامي خطير يؤثر في صميم المجتمع المصري، ويولِّد نفوراً شديداً من الجريدة والقائمين عليها، وهو اعتبار المعارضين للحكومة بالطرق السلمية كالمجرمين، على ما يأتي تفصيله!!
ومن المعروف أن أكبر تجمع معارض للدولة هو جماعة "الإخوان المسلمين" ومؤيدوها، ذات التاريخ العريق في الدعوة والإصلاح، التي تحمَّلت صنوف العذاب في السجون والمعتقلات مما لم يشهد العالم له مثيلاً تقريباً، التي فرضها عليهم الحكام المستبدون المنادون بالديمقراطية، الذين خدعوا الشعب بشعارات الحرية والاشتراكية وما إليها. وقد اختارت هذه الجماعة طريق السلم والنقد والحوار في التغيير والتنمية والبناء، ولكن الحكومة لا ترضى بهذ الأسلوب- المقبول في المجتمعات العالمية كلها- لأن القائمين به من المتدينين الملتزمين بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وصار الإعلام الحكومي يعاملهم معاملة المجرمين، فإذا أُوقفَ بعضهم أو سُجنوا أياماً، أو حوكموا، وضعت أخبارهم في صفحة "الحوادث"، التي تُعنى بأخبار القتلة واللصوص والبلطجية ومدمني المخدرات والمسكرات وما إليها!
وهي نظرة حاقدة، وسياسة إعلامية متدنية، ومعالجة للخبر الصحفي بنفسية تحمل في طياتها الظلم والضغينة والكره والتعسف...
ومن المؤسف أن يحمل راية هذا الإعلام الحاقد المشوَّش أشهر جريدة في مصر، التي من المؤمَّل أن تكون الوجه الثقافي والحضاري والإعلامي للبلد، لكنها نزلت إلى الحضيض عندما توجهت إلى هذا التقسيم الإعلامي المزري، لتبثَّ الفرقة والحقد في المجتمع المصري المسلم، وتوصل هذا التوجه البغيض إلى أنحاء كثيرة من الأرض، في نظرة بشعة وسيئة لا تدلُّ على الحقيقة، حيث يُنظرُ فيها إلى المعارض المسالم أنه كالمجرم يستحق العقوبة والسجن وما إليه...!
وحتى أضع القارئ الكريم في الصورة، فإني أنقل له من جريدة الأهرام رؤوس الموضوعات التي كانت تنشرها عن "الإخوان" في صفحة الحوادث، مع عناوين لموضوعات أخرى في الصفحة نفسها تخص المجرمين، ليدرك بنفسه الأسلوب الصحفي التي تسلكه هذه الصحيفة، لبث الحقد والتفريق بين فئات المجتمع المصري.
وهذه العناوين نماذج غير مختارة، بل أخذتها من تسلسل زمني صدرت في الجريدة مدة أسبوعين، تبدأ بالعدد (44085) تاريخ 6/8/1428 هـ، وتنتهي بالعدد (44101) تاريخ 22/8/1428 هـ. وهذه هي:
- بعد ضبطهم متلبسين بعقد اجتماع تنظيمي بالجيزة، النيابة بدأت تحقيقاتها مع عصام العريان و15 من قيادات وكوادر الإخوان.
وجاء مقابله تماماً: أم وابنتها تقتلان الأب بالمطارق الحديدية.
وأسفله: إخلاء سبيل الجزار المتهم بذبح جملين داخل حديقة الحيوان.
- وفي عدد آخر: حبس 8 أشخاص من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بالإسكندرية.
وجاء فوقه: مصرع طالب إيطالي بسبب جرعة مخدرة زائدة [في مصر].
- وفي عدد تال: حبس 8 من جماعة الإخوان المحظورة.
وأسفله: العثور على جمجمة داخل مخزن أخشاب بالإسكندرية!
- وفي عنوان طويل جاء فيه: ضبط أموال ومجوهرات داخل منازل عدد من المتهمين [يعني من الإخوان] جمعت لمصلحة قضية فلسطين (لاحظ الجريمة التي لا تغتفر!!!).
وفي يسار الخبر: لاستيلائه على أموال الشركة بالتزوير: المؤبد لمدير مكتب مصر للسياحة بفرنسا سابقاً.
وتحته: جزار بالمنيا يذبح عامل المجزر بسبب علاقته بابنة شقيقه.
- النيابة تحصل على أدلة عن المواقع التنظيمية للنائبين بالجماعة المحظورة.
وفي يساره: مصرع طفل صعقاً بالكهرباء في شبرا الخيمة.
- تجديد حبس 9 من عناصر جماعة الإخوان المحظورة.
وتحته: سائق يذبح شاباً ويصيب 2 آخرين بساطور.
- استمرار حبس عصام العريان و15 من مسؤولي الجماعة المحظورة.
- وتحته" طالب جامعي يقتل شقيقته بالجيزة بعد محاولته ابتزاز أموالها.
وهذه العناوين والأخبار تأتي في أول الصفحة، ثم تليها من تحت وعن يمين ويسار بقية أخبار الجرائم. وهذا يوحي بأن نظرة الصحيفة إليهم أنهم أكبر المجرمين! إذا عرفنا أن تصنيف الأخبار والأحداث يأتي في الأول حسب أهميتها في سياسة التحرير الصحفي، وكما نشاهد ونقرأ في بقية الصفحات.
ومن المؤسف جداً أن تمتد سياستها الحاقدة هذه إلى خارج حدود مصر، يعني أن تكون نظرتها إلى جماعة الإخوان المسالمين عامة هو التعامل معهم كمجرمين، فقد كتبت في صفحة الحوادث هذه نفسها عن جماعة الإخوان في الأردن منتهجة الأسلوب السابق، على الرغم من أنهم يشاركون في الحكم منذ عقود من الزمن!! وهذا جزء مما أوردته الجريدة عنهم:
" الإفراج عن أربعة إسلاميين في الأردن: قال مسؤول في حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو أكبر الأحزاب الأردنية أمس، إن السلطات الأردنية أفرجت عن أربعة من سبعة موقوفين من الحزب...".
وقد يعني إيراد الخبر هكذا أنهم كالمجرمين ولو أفرج عنهم! وإلا فما معنى إيراده هكذا بين أخبار الجرائم والحوادث؟!
وإذا كانت القيادات الإعلامية المسؤولة هي التي تقود دفَّة الحقد والعنصرية في المجتمع، فماذا يُقال عن سياسة غير القياديين وغير المسؤولين؟ وماذا يكون حال المجتمع إزاء هذه السياسة الإعلامية المنكرة؟
إن الذي أذكره أن رئيس التحرير السابق (إبراهيم نافع) كان يستضيف قيادات من الإخوان في الصحيفة، ويورد حواراتهم، بل أذكر تماماً أنها نشرت حواراً مع المرشد العام للحركة، تفاعلاً وتجاوباً حضارياً وإعلامياً مع المعارضة المسالمة، وإبراهيم نافع على الرغم من أنه يعتبر من أقلام الحكومة، لكنه كان واسع الفكر، ديِّناً، له كتابة يومية في الدين في شهر رمضان خاصة... ولا أذكر أنه أورد مرة واحدة أخبار اعتقالاتهم ومحاكماتهم في صفحة الحوادث..
إن الذي أريد قوله لرئيس التحرير الجديد أن أسلوبه المنكر هذا لا يجلب له تأييداً وشكراً من الشعب، بل إنه ينقلب إلى عكس ما يتوخاه، إن هذا يجلب له ولجريدته البغض والكراهية، وهو يعرف اتجاه الصحافة جيداً في مصر، حتى قال أنيس منصور في زاويته بالجريدة نفسها أكثر من مرة: ألا يوجد شيء صحيح في مصر؟ رداً على التكثيف الإعلامي والنقد المستمر للحكومة من قبل الصحف... وليقارن بين رأي الشعب والإعلام الحر، وبين ما ينتهجه، من قِبل نفسه، أو مغلوباً على أمره.
إن سبب اتجاه الصحافة، بل الشعب، إلى عكس ما تريده الحكومة، هو لاستهتارها بقيمته، وبما يحبه، وما يختاره، وما يريده. ومن الأفضل للجريدة أن تعرف أن المعارضين ليسوا مجرمين، ولا هم أعداء للشعب ولا للحكومة، بل إنهم يحبون مصر وشعبها، ويريدون لها التقدم والرقي ويبغون لها الإصلاح، وتاريخ هذه المعارضة الجليل يعرفه القريب والبعيد، ولن يستطيع أحد أن يطمسه، مهما حاول.
إن كتّاب الحكومة عليهم أن يعرفوا أنهم أفراد من الشعب، وأن هذه الحكومة ستذهب كما ذهبت حكومة عبدالناصر وحكومة السادات، وعليهم أن يدركوا أن قيمة الإنسان هو بموقفه المؤيد للحق، وليس للهوى والحزب والسلطة والمال.
وإن الذي يحب شعبه ويحترمه يفتح له قلبه ويقول له: قل ما تريد، يجب عليك أن تنبه على الخطأ، وأن تبيِّن مواضع الخلل، وتطالب بالإصلاح، حتى لا يكون هناك استبداد وتفرد بالسلطة... بأسلوب حضاري، وفكر متفتح، ونفس مبتهجة...
فمتى يتدبرون، ومتى يعتبرون من الدراسات والإحصاءات الرسمية وغير الرسمية التي توضح نتائج الظلم والكبت والتهميش لفئات المجتمع والتحكم بالهوى والحزب...؟
كتب في (17/9/1428 هـ)
نشرته في الشابكة باسم (محمد إسماعيل)