إن ما يجري في العالم من أحداث كبيرة، وما تنفذه حكومات من سياسات طاغية ضد شعوب وجماعات، ثم ما تتخذه الدول بالمقابل من مواقف متباينة أو متلونة، يصبُّ معظمها في ميزان مصالحها، يعُرف من هذا أن العالم ليس بخير، وأن الحكام والقادة لا يحرِّكهم محرِّك الحق، ولا ينطلقون من منطلق العدل، بل ينظرون من طرف ما يجلب لدولهم المال والمصلحة والقوة، والمزيد من الرفاهية والبذخ، وإن سقطت شعوب مجاورة لهم في أوحال الفقر والجهل والمرض، بل قد يكونون هم السبب في ذلك.
فالانحراف ظاهر في الاتجاهات والمواقف السياسية للدول، والإعلام الدولي صار مضللاً، اختلط فيه الكذب بالصدق، بل لا تُعلَن حقيقة الأمور للشعوب في غالب الاجتماعات التي تُعقد بين القادة، وتصريحات المسؤولين الكبار كانت سابقًا بميزان، وهي الآن تتعثر كثيرًا، بل قد تتغير بين يوم وآخر بدون خوف أو حياء، ولتُنظر المواقف الضعيفة أو قليلة الجدوى من الحكومة السورية التي نفذت عشرات المجازر ضدَّ شعبها، ونزحت الملايين، ومواقف أخرى مترنحة بين مؤيدة، وأخرى متلونة أو غير مبالية، من الانقلاب الحاصل في مصر ضدَّ رئيس منتخب من الشعب، وما يُمارس من كذب ودجل، وتزوير وإفك وتخبط في وسائل إعلام مصرية رسمية وأخرى عربية مساندة لها..
ولا تُنكر مواقف إنسانية لدول أوربية وأمريكية تجاه شعوب مستضعفة أو مقهورة، فإنها تحسب حساب شعوبها من خلال مواقفها من حقوق الإنسان، ولكنها صارت في هذا الوقت تغلِّب مصالحها بكل صراحة، ولا تنظر إلى حقوق الإنسان إلا بمقدار قربها من مصالحها، وما يجلب لها من مال أو مكان في المنطقة.
وهي قد تتخذ مواقف مناسبة ظاهرًا خشية الثورة عليها من الداخل، أو خشية على أمنها من الخارج، وتنفذ مآربها خفية، فهي خادعة كاذبة في تصريحاتها.
لقد انتشر الكذب والتضليل والتزييف والتحليل السيء والتعليق المنحرف المضلل للأحداث في وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين بشكل رهيب أكثر من كل ما مضى، خلا الحروب العالمية... من مثل تصريحات لقائد الانقلاب في مصر كذَّبه فيها رئيس الوزراء السابق هشام قنديل، والمفكر الأستاذ محمد سليم العوا، وآخرها قوله: نحن نحمي الإسلام، بينما يُلاحق كل ذي لحية في مصر!
إنها سياسة كتاب "الأمير" التي تبرر الوسيلة بأي فعل كان، ولو كان مخالفًا للحق والعدل، وللأعراف ولحقوق الشعوب...
وكل هذا يبرز حاجة العالم، إلى قيادة راشدة، تأخذ أحكامها من دين الله الحق، ومن كتابه الذي لا ينطق عن الهوى، تلتزم الاستقامة في حكمها على الأشياء، والاعتدال في سياستها الخارجية، وتلتزم الصدق في تصريحاتها، وتناصر الشعوب المظلومة والمقهورة والضعيفة في حقوقها وتطلعاتها، وتعلن مواقفها العادلة من كل قضية تجري في الساحة، ليتفاعل الناس مع الحقائق بغضِّ النظر عن المصالح، وليعرفوا الحق والعدل من التزييف والظلم، وليظهر أهل الباطل على السطح كما يقال، وتنكشف أحابيلهم وأهدافهم في حينها، لا بعد سنوات وقد بردت القضية وانتهى أثرها. {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [سورة الأنفال: 42].
ومازال الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفئات منها تطلب الهدى ونصرة الحق والحكم بالعدل، في دعوتها وجهادها المستمر، وإذا خبت في ظروف فإنها تنطلق وتتجدد بين الفينة والأخرى، حتى ينتصر الحق، وتتحقق القيادة الراشدة بإذن الله؛ لتكون أنموذجًا في تحري الحق والاستقامة.. وتكون صادقة في تصريحاتها ومواقفها، ومسؤولة عنها أمام الله أولاً، ثم الشعوب عامة، وتبدِّد قتامة الظلم الواقع في العالم، والطغيان والكذب الذي انتشر فيه وطغى عليه.