هناك أشياء لا توصف حقاً، أو أنه لا قدرة للإنسان على وصفها، إما لعظمها وكونها فوق طاقته، أو لفظاعتها وإطباقها على النفس، فلا يملك من أثرها القدرة على التعبير، أو لعدم إحاطته بها جميعاً، فهو كلما وصف أمرًا وجد أنه ما زالت هناك أشياء لم يعرفها.
وهذا الأنواع الثلاثة اشتركت في أحوال إخواننا بسورية ضد الظلم والطائفية والحزبية، فقاموا بثورة شعبية عارمة ضد حكومة ظالمة وعنصرية حاقدة، لا تعرف شيئاً اسمه الرحمة، ولا وشيجة عالمية اسمها الإنسانية، ولا عرفاً عشائرياً، ولا ديناً، ولا خُلقاً، ولا أدباً، بل فاقوا كل وصف في الظلم والقتل والفتك والتعذيب والتنكيل، وأنواع الفتن والاعتقال والعذاب، كانوا هم أصحاب الشرف في اختراع فنون لها وتطبيقها على البشر. ولشدَّة وحشيتهم لم يستطيعوا إخفاءها، بل طغت وحشيتهم على سطح الأرض، وأبرزوا في وسائلهم الخاصة كيفية تعذيب وإهانة الشعب!! وطغوا وتجبروا وعاثوا فساداً أكثر، متحدِّين الدول العربية والإسلامية والعالمية كلها بارتكابهم أفظع الجرائم الإنسانية!
إنه شيء لا يوصف! إنهم يتصرفون بلا حياء، ولا دين، ولا إنسانية، بل ولا مشاعر حيوانية!
من أين جاء هؤلاء؟! وأين تربَّوا؟! وأية قلوب هي التي يحملونها في صدورهم؟! وكيف هي أحوالهم مع أسرهم، ومع جيرانهم، ومع بعضهم البعض، بل ومع الشعب! فإنهم لم يولدوا من جديد، بل عاش معظمهم في أرض سورية! وكانوا يتعاملون مع الناس!
إنها باختصار (تربية خاصة)! تربية نشأتها وتركيزها على الحقد والكراهية والعداوة الشديدة، وحبِّ الجريمة والتلذذ بسفك الدماء، وعلى القتل والفتك والتعذيب بمن يعادي النظام، أو يتكلم على الرئيس وأعوانه، أو يرفع رأسه (فوق المسموح به).
وطريقتهم مع الشعب هي الإذلال والعبودية بكل ما تحمل من معنى! إذلالهم في كل مناحي الحياة، فأينما اتجهوا وجدوا أمامهم شخصاً أو أشخاصاً كخُشب مسنَّدة، يمنعون أي إنسان من رفع راية اسمها (كرامة الإنسان)، وإذا أبوا وتكلموا فأمامهم السجون، أعني المسالخ، التي تسلخ الإنسان من كرامته أولاً، وتحيله إلى كتلة من المشاعر المحبطة المكبوتة، المقهورة الذليلة، حتى يقول إنه لا شيء ألبتة في الحياة. ويتمنى لو كان حيواناً حراً أو مقيداً، بل وجمادًا يُرمَى ويُوطأ عليه بالأقدام، وليس إنساناً يعيش في هذا البلد!
وهذه التصرفات لم تكن جديدة على الحكومة، بل هي متأصلة فيها، ولكن لم يعرفها سوى الأحرار الذين فُتنوا أو قضَوا في غياهب السجون، وأمضوا فيها على مدى أربعين سنة من حكم الأب والابن أقسى وأفظع ما عرفه الإنسان في تاريخه بالسجون! وذهبت قصصهم المؤلمة، وحكاياتهم الممضَّة معهم، ومن نجا منهم ما كانوا يستطيعون البوح بها، وإلا فإن السجون مفتوحة ولم تغلق في يوم من الأيام، ومن تكلم فخارج البلد، وتضيع آهاته ونداءاته بين أكوام الإعلام المنظَّم، وكانت حكومات عربية وإسلامية تعرف ذلك، ولكن ما كان يهمها أمر الإسلام والمسلمين؛ لأن معظم المسجونين والمعذَّبين والملاحقين والمقتولين كانوا من جماعة الإخوان المسلمين، الذين أبوا السكوت على الظلم.
وقد انتقلت صورة الحكومة البغيضة من السجون إلى الشوارع والساحات في الثورة، لأن الأحرار كثروا، والثورة امتدت، وواكبتها كذلك جرائم بشعة ارتكبت ضدهم.
وكان من أوائل ما ظهر من ذلك قتلُ المشيِّعين للموتى، المصاحبين لمراسم الدفن، فقد قُتل المئات منهم، بدون أي ذنب منهم. وماذا عسى أن يفعل ماشٍ في جنازة يتجه نحو القبور؟!
وتفنَّنوا أكثر، فجعلوا الجرحى أو جثمان الموتى في الشوارع مصيدة لمن ينتشلهم منها أو ينقذهم، فتناقلت أخبارهم الأمم استبشاعًا لفعلتهم المنكرة، وصنعتهم المزرية.
ولكنهم زادوا، فنشروا صورهم وهم يذلُّون الأسرى والمسجونين في صور كثيرة لا تشرِّف أحداً من بني البشر، إلا الحكومة البغيضة وأتباعها.
كما عُرفوا من بين الأمم والشعوب بقتل الأطفال عمداً؛ لترهيبهم، ولتخويف آبائهم وأمهاتهم؛ ولإرسال رسالة إلى الشعب الأبيّ أنه لا يعرف رحمة مع أحد، لا كبار ولا صغار. فهذه ميزة أخرى لهم يتباهون بها أمام القوميات والشعوب ليُعرفوا جيداً، وليُذكروا بهذه الصفة على مدى التاريخ!!
وكانوا قد سبقوا هذه الفعلة بقتل النساء في عدة مظاهرات حتى انتهين.
ثم اغتصابهن، فزنوا بفتيات الإسلام، المؤمنات المحصنات الغافلات، بصور بشعة وقذرة ومتكررة تفوق وصف حالات الوحوش، بل حاشاها، فإن حياتها الجنسية منظَّمة!
ثم حرق البيوت والمزارع التي تخص المواطنين، وهدمها، بمرأى من جميع العالم...
هذا عدا المجازر والإعدامات الجماعية و...
ألم أقل إن هناك أشياء لا توصف... لعظمها... ولاستبشاعها... ولعدم الإحاطة بها جميعاً... ولعدم القدرة على المضي في وصفها؟!
وأذكر أنه سردَ أحدُ الإخوة حالات التعذيب التي تعرَّض لها، وحالات أخرى تعرَّض لها إخوانه في سجون الأسد الأب، حتى كدت أن أسقط على الأرض، أو أن أخرج من المجلس، أو أن أضع يدي على فمه... وطلبتُ منه ألاّ يسرد مثل هذه الوقائع على الشباب خاصة، فإنهم لن ينتموا إلى عمل إسلامي بعده أبدًا؛ خوفًا من أن يصيبهم ما أصابهم... كان شيئًا رهيبًا فوق تحمل المخلوق البشري أو الحيواني.. كنتُ أتلمَّس مواضع من جسدي بدون شعور مني وأنا أتذكر صنوف الأذى التي تعرَّض لها إخواني.. أعصرها.. وأضغط عليها.. بدل أسياخ الحديد الملتهبة.. المحمَّرة، وبدل أسلاك الكهرباء الغليظة وفيها التيار الكهربائي القوي...في العين.. وفي الفم.. وفي الثديين...وما دنا...
وقد لاحظ المشاهد في لقطات عديدة كيف يُذلُّ المواطنون بالدهس على رقابهم.. وكلُّ أنواع التعذيب والتنكيل تتلخص في إخضاع الشعب وإجباره على الإذلال وقسره على التركيع للرئيس وحاشيته وللحكومة التي صنعها. وحتى في الحياة المدنية، بتجويع الشعب، وربط مصالحه بالمخابرات وما إلى ذلك. وللناس أن يسألوا أرقى المحاضن العلمية، طلاب المدارس والجامعات والدراسات العليا، في تعامل المسؤولين والمدرسين الطائفيين والحزبيين معهم، ليسمعوا أغرب الأخبار والحوادث والحكايات المؤلمة والذكريات المخزية معهم... وكلها تتلخص في إذلالهم وتبكيتهم، وهم طلبة، معظمهم فقراء، يريدون النجاح والشهادة، فإذا لم يذلُّوا أنفسهم أبقوهم في صفوفهم وألصقوا بهم التهم ونكلوا بهم... فكيف بالدوائر الأخرى؟!
ولا شكَّ أن كل هذا القتل والحرق والتدمير ممنهج، ليبقى الشعب في فقر وانتكاسة طويلة ولو نجح في إقصاء الحكومة، حتى لا ينهض إلا بعد مدة طويلة. إنها سياسة اليهود.. والأرض المحروقة!
وهل هناك مسلم يؤيد كل هذا القتل والتعذيب للشعب المسلم؟
إنه لا يكون إلا ممن أضله الله على علم، وإلا من الشيعة الذين يبررون كل ما يفعله الرئيس بالشعب المسلم، لأنه ينتمي إلى فرقة منهم، ولو كانت أفظع وأقسى الجرائم التي ترتكب بحق البشر، وعلى رأسهم حزبٌ... أين هو من الله؟ وأين هم من الإسلام؟!