ليلة سوداء في تاريخ جزيرتنا السورية

في بقعة مباركة من أرض عالمنا الإسلامي، في جزيرتنا السورية الحبيبة، التي كانت في يوم من الأيام ثغرًا من ثغور الإسلام، وحدًّا بيننا وبين الروم، وفتحت في عهد الصحابة الكرام رضي الله عنهم، نعمت هذه الجزيرة العريقة بنظام إسلامي أربعة عشر قرنًا، حتى جاء العدو الفرنسي المحتل، فغيَّر ما غيَّر منه، وفرض قوانين أخرى، لكن جانبًا من شريعة الإسلام لم يمسّ، هو جانب الأحوال الشخصية، مما يخص فقه الأسرة المسلمة، حتى عندما حكم البعث لم يتغيَّر منه شيء.

وفي ليل أسود بهيم، والبلد يعيش حربًا أهلية طائفية دينية، امتطى قيادي كردي حصانًا أسود (مسؤول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي هو نسخة من حزب العمال الكردي في تركيا، الذي نشأ وقويَ ودُرِّب تحت إشراف النظام السوري، صديق عبدالله أوجلان)، ورفع سيف الجلاد على شعب هذه الجزيرة العريقة، وأرهبهم، بالتعاون مع رأس النظام الطائفي البعثي.. ولم تمرَّ سنتان حتى كشَّر عن أنيابه الخبيثة، وحكم برفع ما بقي من حصانة إسلامية على فقه الأسرة، فمنع الزواج بأكثر من واحدة كما أباحه الإسلام، مع السماح طبعًا بالزنا والبغاء والفاحشة والخنا، بعشرة وخمسين ومئة من النساء، أما الاقتران باثنتين أو ثلاث أو أربع منهن بالزواج العفيف فممنوع، ويجرَّم صاحبه إذا التُبس بهذه الجريمة!

والمعروف عن الكرد أنهم أهل شرف وغيرة على نسائهم، لا كما يفرض عليهم هذا الحزب وأمثاله من أدعياء التقدمية والثقافة المنحرفة والاشتراكية المريضة.

كما ألغى نظام الإرث الذي يفرِّق بين نصيب المرأة والرجل فيه، وقد أكد العلماء أن المرأة في النظام الإسلامي تحوز أكثر من نصيب الرجل باعتبار وضعها الأسري، فهي لا تنفق على أحد، والرجل ينفق عليها وعلى أولادها، أبًا كان، أو زوجًا، أو أخًا، أو ابنًا.

ولو جاء نصيبها من تركةٍ ألفًا، وحاز أخوها الشقيق ألفين منها، فإنها غالبًا ما تشتري به الحلي، أو تحتفظ بالمبلغ بشكل ما، أو تنمّيه، أو تهبه لمن تشاء من أهلها، أو تنفقه في النذر والمبرّات.. بينما الرجل ولو أخذ ضعفها، فإنه لا يلبث أن يُنفقه في أيام قليلة، لكثرة ما يُطلب منه، ولمسؤولياته المتعددة.

فحاجة المرأة إلى المال أقل من حاجة الرجل بكثير.

وقد أكرم الإسلام المرأة بالتفرغ لمهمة حساسة ونبيلة، هي شرف تربية الأولاد، وعملها هذا أصعب من عمل كثير من الرجال، بل إن الرجال لا يطيقون ما تقوم به، وهي لا تكاد تنعم بالراحة في ليلها ونهارها، وتعمل أكثر من (14) ساعة في اليوم... فهل من إكرامها زيادة عملها خارج المنزل أيضًا؟

وهل من العدالة زيادة نصيبها من الميراث وهي تنعم بالأمان والإنفاق عليها أينما كانت، وكيفما كان وضعها؟ وقد جُعل لها هذا القدر من النصيب لتتفرغ لوظيفتها الأساسية، التي خلقها الله من أجلها.

إنه ميزان الإسلام، الدينُ العدل.

لقد صنع هذا القيادي الكردي بالجزيرة ما صنعه بورقيبة بتونس.. وهو الدكتاتور الذي فرض نفسه على شعبه، مثل غيره من (الزعماء) العرب، وادَّعى أنه سحب من الشعب تأييدهم بأن يكون رئيسًا عليهم طوال عمره الممسوخ!

وجاء هذا القيادي الكردي ليفرض نفسه أيضًا على الأكراد والعرب هناك بالقوة، بالتعاون مع جلاّد سورية، وأمر المحاكم بأن تنفذ قوانينه في رفض نظام الأسرة الإسلامي.

فهل استشار الشعب هناك على ذلك؟

وهل رضي الشعب المسلم هناك (العربي والكردي) بالنظام الكافر الجديد؟

إن مثل هذا القيادي لا يعرف شيئًا اسمه الشورى والتعاون والديمقراطية، فهو لم يأتِ بإذن من الأكراد أو العرب، وإنما فُرضَ عليهم بعناصر من حزب العمال الكردي والنظام العنصري الحاكم، فهو لا يعرف سوى الأمر بالقوة والرصاص.

إنه مثل هواري بومدين، الذي قال: إنني أطبق الاشتراكية على شعبي وأنا أعلم أنه لا يريدها ولا يرضى بها!

فمن تحكم إذًا أيها الرئيس؟

فأنت لستَ من هذا الشعب إذًا، وليس هو الذي انتخبك ورضي بك، وإنما فُرضتَ عليهم، كما فُرض هذا الكردي على شعب الجزيرة السورية (محافظة القامشلي وما حولها).

وانظر ماذا كانت نتيجة تصرفات بومدين في الجزائر المسلمة، الذي فرض على الشعب ما لا يرضى به. تذكَّروا الحرب الأهلية التي امتدت عشر سنوات، وحصدت عشرات الألوف من العلمانيين والإسلاميين.

وستكون هي نتيجة غيره إذا فعل مثله.

وها هو ذا يحدث ما يحدث، من انتفاضات وثورات وبراكين بشرية، فلم يعد الشعب يطيق السكوت على الظلم والدكتاتوريات.

وهذا القيادي الكردي يريد أن يفعل بالشعب الكردي ويعيد ما فعله قياديون عرب بشعوبهم.

إنها مسرحية مضحكة، ولكنها مؤلمة، فهي تدلُّ على عقل متخلف متعصب ودكتاتورية عمياء لا يُجنى من ورائها سوى المزيد من الجهل والمرض والتخلف والدماء والفتنة.

إنه يوم أسود مدلهم، هذا الذي غُيِّرت فيه القوانين بالقوة، وبدون رضا الشعب، من رجل عُرف بأنه ملحد، لا يؤمن بالقرآن، ولا بأي دين من الأديان، وفرض أفكاره وأفكار حزبه البغيض على شعب مسلم، أمضى تاريخه في خدمة الإسلام والديانة له.

إنها جزيرة فتحها المسلمون بدمائهم، فهي غالية عليهم، وهذا القيادي الأرعن يريد أن يقطع صلتها بالإسلام..

فمن يقف في وجهه وحزبه؟

ومن يوقفه في حدِّه قبل أن يستفحل شرّه أكثر، وقبل أن ينشر الفساد في بلاد الإسلام، وسيفعل بعين العرب كما فعل بالجزيرة إذا سنح له ذلك، بدعوى أنها بلاد الكرد. والكرد مسلمون أصحاب دين وشرف وعِرض وعفاف، ولا يتخلون عن آداب دينهم.

فمن يُعيد للمسلمين دينهم وآدابهم وكرامتهم الجريحة؟

إن القوانين إذا طبِّقت فليس من السهل تغييرها.

والخشية من أن تستمر هذه القوانين الكافرة، وخاصة إذا حاز الأكراد على حكم ذاتي في جزيرتنا الحبيبة، وامتدَّ فيها حكم دموي كهذا..

والله المنتقم.

ولن يسكت المسلمون على هذا وأمثاله، ولو بعد حين.