لا ثورة بدون ألم، أو جراح، أو دماء.
وهي تتفاوت بين شعب، ووطن، وزمن.
وآلمها وأشدها فتكًا اليوم الثورة على طاغية الشام، الذي لم يدَع حظرًا من محظورات الحروب إلا وارتكبها، غير عابئ بدين وخُلق وعُرف وإنسانية، ووصلت ضحاياه إلى أكثر من مائة ألف والثورة في عامها الثالث، معظمهم من فئة الشباب، الذين تُبنى الأوطان على سواعدهم، وبحماسهم ونشاطهم، عدا مئات الألوف من الجرحى والمعتقلين والمفقودين، وملايين النازحين.
وما كان قادرًا على الصمود في وجه صولة الشعب وهدير أبطاله الميامين مهما أبلغ في القتل وأفحش في سفك الدماء، لولا أنه احتمى بقوة كبرى تنافس أكبر قوة في العالم، هي روسيا، ودولة أخرى قوية صاعدة، مذهبية عنصرية حاقدة، هي إيران.
والأولى آذت المسلمين كثيرًا على مدى تاريخ صعودها، في بطش قياصرتها، وجرائم بلاشفتها بقيادة لينين وستالين، الذين قتلوا ملايين المسلمين، عذَّبوهم وهجَّروهم ونفوهم واحتلوا أوطانهم، وامتدَّت جرائمهم إلى ما بعد ذلك، ولو خفَّت، وحقُّها أن تكون هناك منظمة دائمة للانتقام منها، لما فعلته وتفعله بالمسلمين في أفغانستان والشيشان وسائر القوميات المسلمة التي كتمت أنفاسها في بلاد روسيا، فلا تدَع لها صوتًا يُرفَع، ولا شأنًا يُسمَع، إضافة إلى ما تفعله بشعب سوريا اليوم.
والأخرى دولة دينية متطرفة، مبنية على مذهب باطل، تبغض المسلمين في كل أنحاء الأرض لأنهم لا يدينون بمذهبيتها، وصارت تنفث حقدها وكراهيتها عليهم من خلال صنيعة لهم ينتمي إلى فرقة منهم، هو حاكم سورية الذي ورث عن أبيه الخطط لبقاء الطائفة النصيرية (العلوية) في الحكم وهم لا يتجاوزون عُشر أهل السنة أو نصف عُشرها، فجنَّد كلَّ شيء في الدولة لأجل ذلك، وأخذ احتياطاته ليوم يثور عليه الشعب، فإنه لابدّ، فوجَّه كلَّ ما ادَّخره من قوة عسكرية للشعب من أهل السنة، وليس للعدو، وخاصة قوة الدفاع الجوية، التي خصصها للقيادة العلوية، فقتل وذبَّح وشرَّد الملايين حتى ضاقت بهم الدول المجاورة ، ليس هروبًا من الحرب الداخلية وحدها، بل لأنه لم يعد بالإمكان الحصول مقومات المعيشة، حتى الدواء البسيط لم يعد بالإمكان العثور عليه، أو حتى إدخاله من الحدود إلا بصعوبة بالغة، حتى حبوب الإسبرين، بحجة أنها تصل إلى الجيش الحرّ!! وإنما الهدف إماتة الشعب وتحقيره وتذليله وتركيعه، حتى لا يعرف من الحياة سوى البحث عن قطعة خبز أو حبة دواء، ولئلا يفكر بدفاع أو مقاومة، ولا يمتلك ما يمكِّنه من ذلك.
ولن يطول الأمر إن شاء الله، فإن المسلمين صاروا يدركون الخطر الواقع عليهم أكثر فأكثر، من خلال ما يلمسون من آثار الطاغية وأعوانه يومًا بعد آخر، وهذا يبعثهم على الوحدة أكثر، والدفاع عن وطنهم وأعراضهم وأموالهم حتى إزالة الظلم والطغيان الواقع عليهم إن شاء الله، مهما نزفت الدماء، وافتُديت الأنفس، فإنهم إن لم يقدِّموا أنفسهم اليوم للدفاع، ذبَّح أبناءهم وذراريهم غدًا.
ولم يستمرَّ طاغية في الحكم حتى يستمرَّ هو، والشواهد كثيرة في التاريخ وفي الواقع، والمظلومون كثر، والدعاء على الطاغية مستمر.