قال: لماذا لا تكتبُ في السياسة؟
قلت: لأني لا أتقنُ هذا الفن.
قال: ولكنَّ كلَّ الناسِ يقولون فيه ويكتبون.
قلت: وعن علمٍ وخبرةٍ وكياسة، أم ظنونٍ وآراءٍ عابراتٍ وكما يقولُ الناس؟
قال: بل يضربون فيه بسهمهم كيفما كان.
قلت: ويعرفون دهاليزَ السياسةِ وخفاياها وما يحاكُ من مؤامرات،
وما يتفقُ عليه الساسةُ سرًّا ويُظهرون غيرَهُ علنًا؟
أم يغترفون من وكالاتِ الأنباءِ الغربية ومصادرَ حكوميةٍ غاصبةٍ وظالمةٍ وما لا يُعرف،
وصحفيين مشبوهين وعناصرَ غيرِ ثقات؟
قال: بل من كلِّ مكان، وقليلًا ما يتحرَّون الصدقَ والبحثَ عن الحقيقة.
قلت: ويصيبون في تحليلاتهم وحواراتهم وتوجيهاتهم...
قال: لا يهمهم هذا،
المهمُّ أن يقولوا رأيَهم أو رأيَ الجهة التي ينتمون إليها ويشاركوا في الحدَث.
وقد يرجعون عن رأيهم، او يتعصبون له وهم يعرفون أنه خطأ..
أو يتركونَهُ وينتقلون إلى موضوعٍ آخر... وهكذا.. في مجالسَ أو صحفٍ أو فضائيات..
قلت: أمَا اعتبرَ المسلمون منهم مما وردَ في القرآنِ الكريم،
عندما سألَ أهلُ الجنةِ أهلَ النار:
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}؟
فكانَ من جوابهم:
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [سورة المدثر: 45]،
أي: وكنَّا نتكلَّمُ في الباطِل، وفيما لا يَعنِينا، وفيما لا نَعلَم،
معَ هؤلاءِ الذين لا يَزالون يَتكلَّمونَ صباحَ مساءَ في أفكارٍ ونَظريَّاتٍ وأمورٍ شَتَّى،
ولا يُبالونَ فيها بحقٍّ ولا باطِل،
فنَميلُ معَهمْ حيثُ مالُوا، ولا نُبالي.
وقلتُ لصاحبي: وهذه هي رسالةُ المسلمِ في الحياة؟ أن يشوِّشَ على نفسهِ والآخرين؟
ويتكلمَ فيما لا يعلم، ويعطيَ رأيهُ دون بيِّنة ومن غير تأكيدٍ للخبرِ أصلًا؟!
وقد يشاركُ في تزويرِ الكلامِ ونشرِ الباطلِ والاتهامِ من غيرِ حقّ؟
ومدحِ الظالمِ والافتراءِ على الضعيف؟
أين هو من قولهِ تعالى:
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: 36].
أعطاكَ الله كلَّ هذه الحواسَّ لتَسمَعَ وتَعرِفَ وتَتدبَّر.
ولتعلمَ وتتأكدَ وتَصدق، وأنت مسؤولٌ عنها كلِّها، كما في الآية.
وهذا ما ينبغي أن تتميزَ به شخصيةُ المسلمِ المتزنة.
وما لم تفعلْ فإنك محاسَبٌ بين يدَي الديّان.
وأشخاصٌ لا يحصون،
غرَّتهم السياسةُ بظاهرها فدخلوا في طرقها الوعرةِ من دونِ علمٍ ولا خبرة،
فصدَّعوا الناسَ وتصدَّعوا...
دخلوا في أحزابٍ علمانية، ودعَوا الناسَ إليها،
ثم رجعوا بعد أن رأوا ضلالهم.
لقد أخطأوا، بعد أن ضلُّوا، وأضلُّوا آخرين،
وما زالَ الذين أضلُّوهم في الأحزابِ يعملون، وهم أيضًا يَدعُون غيرَهم!!
وكانوا يُبدون رأيهم كما تملي عليهم أحزابهم وتجمعاتهم،
وينادون بحياةِ أصنامٍ وطواغيت، حتى كلَّتْ حناجرهم ونَفِدتْ محابرهم.
عقودًا من الزمن!!
وتأتيهم الذنوبُ حتى بعد موتهم،
من دأبِ الذين أضلُّوهم، فما زالوا يعملون، وهم يُضِلُّون آخرين...
يعني أنهم اكتسبوا جبالًا وجبالًا من الذنوبِ والآثام.
بعضهم علماءُ في الدين،
ومؤرخون، ومثقفون، وعلماء اجتماع، وأساتذة، ومصلحون، وأدباء...
كانوا ملءَ العين!
وقعوا في أخطاءٍ كبيرةٍ جدًّا؛ لأنهم دخلوا في علومٍ لا يتقنونها، ولا يعرفون أسرارها،
ولأنهم لم يؤتَوا خشيةَ الله مع العلم،
فقالوا كما يقولُ الناسُ من دونِ تحرٍّ ودون خشية،
ودون خوفٍ من الحساب.
فاتقِ الله أيها المسلم،
ولا تضربْ بسهمِكَ فيما لا تعلم،
إن الله لا يسألُكَ لماذا لم تقلْ فيما لا تعلم،
ولكنْ يسألُك: لماذا قلتَ فيما لا تعلم.
فكلٌّ يكتبُ فيما يعلم.
وإياكَ أن تقولَ أو تكتبَ فيما لا تعلم.
فهلّا اعتبرت، واكتفيتَ بما تعلم؟