صفات أنبياء كرام

في سورة مريم وصف فريد للأنبياء عليهم الصلاةُ والسلام،

فكلٌّ وُصِفَ بصفاتٍ رائعة ومتميزة،

 

1- ففي الآية (7) قال ربُّنا في يحيى عليه السلام: {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً}

أي: لم يُسَمَّ أحدٌ قبلهُ بهذا الاسم.

ووُصف بصفاتٍ أخرى في الآيات (12- 15)، فقال عزِّ مِن قائل:

{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}

أي: وأعطيناهُ النبوَّة، أو الفهمَ والعلم، وهو صغير.

{وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً}

معناها: وآتيناهُ رحمةً مِن عندنا وشفقةً عظيمة، وطهارةَ نفس، وطاعةً وإخلاصًا، فلم يقترفْ ذنبًا.

{وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً}

أي: وطاعةً لوالدَيهِ وإحسانًا إليهما، ولم يكنْ متكبِّرًا متعالِيًا عن قبولِ الحقّ، أو متطاولاً على الخلق.

{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً}

يعني: وسلامٌ على نبيِّ اللهِ يحيَى وأمانٌ له يومَ وُلِد: مِن أنْ يَنالَ منه الشَّيطانُ شيئًا، ويومَ يموت: مِن عذابِ القبرِ ووحشته، ويومَ يُبعَثُ حيًّا: مِن هولِ القيامةِ وعذابِ النَّار.

 

2- وتكلمَ عبدُ الله ونبيُّه عيسى وهو في المهد، فقال:

{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً}

إنِّي عبدُ الله - وسبحانَ مَن جعلَ هذا أوَّلَ كلامهِ - قضَى ربِّي أن يؤتيَني الإنجيل، ويجعلَني نبيًّا.

{وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}

أي: وجعلني نفّاعًا، معلِّمًا للخير، أينما كنت، وأمرني بالصَّلاةِ والزَّكاةِ مدَّةَ حياتي.

{وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}

أي: وأوصاني أنْ أكونَ محسنًا إلى والدتي، ولم يجعلني مستكبرًا، عاصيًا.

{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}:

والسَّلامُ والأمانُ عليَّ يومَ وُلِدتُ: فلم ينلني الشَّيطانُ بسوء، ويومَ أموتُ: مِن عذابِ القبر، ويومَ أُبعَثُ حَيًّا: مِن هولِ القيامةِ وعذابِ جهنَّم.

 

3- وقال سبحانه في خليله إبراهيم عليه السلام:

{إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً}

أي: إنَّهُ كان كثيرَ الصِّدق، ملازمًا له، نبيًّا عظيمًا.

ووهبه ربنا إسحاق على كبر، وهو شيخٌ كبير، فقال تعالى:

{وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً}

 

4- ووصف موسى عليه السلام بأنه {كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}

أي: اصطفاهُ اللهُ مِن بين النَّاسِ لحملِ رسالته، فكان رسولاً، نبيًّا مِن أُولي العزم.

واستجاب الله دعاءه في أخيه هارون: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً}

أي: أجبنا دعاءَهُ فوهبنا له أخاهُ هارونَ ليكونَ نبيًّا معه، يساعدهُ ويؤازرهُ في دعوته. وكان أفصحَ منه لسانًا. عليهما الصَّلاةُ والسَّلام.

 

5- ووصف نبيَّ الله إسماعيلَ عليه السلام بأنه {كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}

أي أنَّه كان صادقًا في وعدهِ وفيًّا، لم يَعِدْ أحدًا إلاّ وفَى له. وقال لوالده: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [سورة الصَّافَّات: 102] فصدَق. وكان رسولاً نبيًّا، أرسلهُ اللهُ إلى قبيلةِ جُرْهُمَ العربيَّة.

كما وصفه ربنا بأنه كان {يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}

أي: كان يأمرُ أهلَهُ بطاعةِ اللهِ سبحانه، بإقامةِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة. وكان رضيًّا عند ربِّه؛ لاستقامةِ أقوالهِ وأفعاله.

 

6- ووصف نبيَّه إدريس عليه السلام بأنه {كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً}

أي إنَّه كان كثيرَ الصِّدق، ملتزمًا له، نبيًّا كريمًا.

كما قال فيه سبحانه: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}

أي: وأعلينا قدرهُ ورفعنا ذكرهُ.

وقد سلَّمَ عليه رسولُنا صلى الله عليه وسلم في السَّماءِ الرَّابعةِ عندما عُرِجَ به، كما في صحيحِ البخاريّ.

***     ***     ***

وفي ختام حديثه سبحانه عن أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، قال فيهم:

{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}

أي: أولئكَ الذين تفضَّلَ اللهُ عليهم وأعلَى مرتبتَهم بين البشر، مِن النبيِّين، مِن ذرِّيَّةِ آدم: إدريسُ ونوح، ومِن ذرِّيَّةِ مَن حمَلناهم مع نوح: إبراهيمُ، ومِن ذرِّيَّةِ إبراهيمَ: إسماعيلُ وإسحاقُ ويعقوب، ومِن ذرِّيَّةِ إسرائيلَ (وهو يعقوبُ): موسَى وهارونُ وزكريّا ويحيَى وعيسى. هؤلاءِ مِن جملةِ مَن أرشدناهم إلى الحقِّ واصطفيناهُم للنبوَّة، إذا سمعوا كلامَ اللهِ المتضمِّنَ لآلائهِ وبيانِ قدرتهِ وعظمته، بادروا إلى السُّجودِ لربِّهم، وقد خشعتْ قلوبهم لذكره، وفاضت عيونُهم خشيةً منه، إقرارًا منهم بالعبوديَّةِ له سبحانه.

(تفسير الآيات من: الواضح في التفسير، لكاتب المقال 2/818-824)