الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أُيِّدوا بمعجزات تناسب عصورهم وبيئاتهم، لتكون حجة واضحة وقاطعة على من بُعثوا إليهم.
فقد كان السحر منشرًا في عهد موسى عليه الصلاة والسلام، فجاءت معجزته أقوى وأكبر من كل أعمال السحرة التي كانوا يتباهون بها، مع ما في سحرهم من حيل وخدع، ومعجزة موسى عليه الصلاة والسلام كانت حقيقية، بأمر من الله تعالى؛ لتكون دامغة، باعثة على التفكير، ثم الإيمان بنبوته عليه الصلاة والسلام، فلا يقدر على هذا بشر.
وفي وقت عيسى عليه الصلاة والسلام انتشر الطب وعلا شأنه، فكان إحياء الموتى على يديه بإذن الله تعالى أعظم وأجلَّ من كلِّ ما كان يبتدعه الأطباء والصيادلة في مهنهم العلمية، وما لا يقدرون على الإتيان بمثله.
أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد تميَّز عصره بالبلاغة الفائقة في النظم والنثر، حتى كانوا يعلقون الرائع منها بالكعبة، بعد دراسة وتحكيم. لكن ما جاء به عليه الصلاة والسلام من قرآن من عند الله تعالى أسكت جميع بلغاء عصره وحيَّر عقولهم، وتحدَّاهم ومن يأتي بعدهم بأن يأتوا بعشر آيات من مثله، أو بسورة منه ولو كانت قصيرة، لا تتجاوز ثلاث آيات، ولا تزيد عن سطر واحد!
وما تميَّز به رسولنا الكريم عن باقي الرسل عليهم الصلاة والسلام، هو أميته، في صلتها بمعجزة تغاير ما كان من أمر الأنبياء السابقين فيما أرسلوا به من معجزات تناسب عصورهم، في شكلها، ونوعها، وعمومها، واستمراريتها، في بيان من الله تعالى على قدرته على تنويع المعجزات كتنويع الخلق، فقد خلق آدم من تراب، من دون أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر على غير طريقة التزويج، وخلق عيسى من أنثى فقط بكلمة منه، وخلق نسل آدم من ذكر وأنثى..
وفي القدرة على تنويع علامات النبوة أرسل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم نبيًّا أميًّا لا يعرف قراءة ولا كتابة، ومع ذلك أيده بكتاب هو أبلغ ما يكون، وما لا يقدر على الإتيان به أحد من البشر!
ويعني هذا قوة أكبر في المعجزة، وأكثر جلاء ووضوحًا وتأييدًا لرسالة الإسلام، فإن من أُيِّد بكتابٍ أعلى بلاغة وهو أمي، تتبيَّن فيه المعجزة أكثر.
ولم يذكر عن الأنبياء السابقين – ممن أوتوا كتبًا - أنهم كانوا أميين غير عارفين بأسلوب أقوامهم في القراءة والكتابة.
وقد ذكر السيوطي في الباب الأول من "أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب"، وهو في الخصائص التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جميع الأنبياء ولم يؤتها نبي قبله، قوله: "وبإيتائه الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب".
ومع أميته عليه الصلاة والسلام فقد كان أفصح العرب! وأعلم الناس!
والحمد لله الذي جعلنا على دين خاتم أنبيائه، وأحبِّ خلقه إليه.