المعروف.. وولاء المسلم

إسداءُ الكافرِ معروفًا لمسلمٍ ضعيفِ الإيمانِ يسبِّبُ له مشكلةً في العقيدة!

وخاصةً إذا وقعَ هذا المعروفُ في وقتِ الحاجةِ والظروفِ الصعبة، كحالِ اللاجئين المسلمين في الغرب، فإن القلبَ يميلُ إلى مُسدي المعروف، فيَحمَدُ المحتاجُ صنيعهُ وخُلقه، في مقابلِ من كان يرَى منهم في وطنهِ الظلمَ والقهرَ والتعسفَ ممن يدَّعون انتماءهم إلى الإسلام.

وقد ينسَى ضعيفُ الإيمانِ دينَهُ في هذه الظروف، ويتلفَّفُ بعباءةِ الكافر، ويدخلُ تحت مظلَّةِ علمانيتهِ وحكمهِ وإعلامهِ المضلِّل، ويدافعُ عنه وعن قضاياه، ناسيًا أو متناسيًا ولاءَهُ السابقَ لدينه، فالولاءُ والبراءُ من صميمِ عقيدةِ الإسلام: الولاءُ لله ولرسولهِ وللمؤمنين، والبراءةُ من الكافرين ومن عقائدهم ونُظمهم، فمن لم يفعلْ ذلك فليس من المسلمين.

ولذلك يقولُ ربُّنا سبحانهُ وتعالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.

والآيةُ بنصِّها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورةُ المائدة: 51].

فمن تولَّى كافرًا فهو كافر.

والولاءُ يعني المحبَّة، والتأييد، والرضَى بنهجِ الكافرِ المناقضِ للإسلام.

فالموالي هو الناصر، والحليف، والمؤيِّد، والمعِين، كموالاةِ المنافقين في المدينةِ لليهود.

والغربُ لا يقبلُ من المسلمِ عدمَ اندماجهِ في المجتمعِ الغربي، يعني أن يتخذَ المسلمُ شعاراتٍ لا توافقُ قيمَ الغرب، فيعيشَ على مبادئ الإسلامِ وآدابهِ وأخلاقهِ كما هي.

بل يريدُ من المسلمِ أن يمشيَ في ركبِ الحضارةِ الغربية، وأن يندمجَ مع المجتمعِ الغربيّ، ويقبلَ ثقافته، وإباحيته، وربويته، ونهجهُ في الحياة، ويعني بذلك "العولمة"، لتفنَى فيها شخصيةُ المسلمِ ومميزاتهُ الدينيةُ أمامَ القوةِ المدنيةِ والثقافيةِ والإعلاميةِ الضاغطةِ للغربِ. وهو ما يرفضهُ المسلم.

ويقولُ الغربُ عن هؤلاء الذين يحبون الإسلامَ وحدهُ دون الغربِ وعاداتهِ وقيمهِ إنهم يبثُّون الكراهية، يعني كراهيةَ الكافرِ والمشرك، وكلِّ من لم يكنْ موافقًا للإسلام.

وكأن الغربَ لا يعرفُ أن هذا من عقيدةِ المسلم، فيقولُ الله سبحانهُ وتعالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران: 32].

وإذا كان الله لا يحبهم فإن جميعَ المسلمين لا يحبونهم.

بل وردَ قولهُ تعالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة: 98].

ومن كان اللهُ عدوَّهُ فإن المسلمين جميعًا أعداؤه.

ويقولُ سبحانهُ أيضًا: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [سورةُ المجادلة: 22].

أي: لا تجدُ أحدًا منَ المؤمنينَ باللهِ واليومِ الآخِرِ - بصدقٍ وإخلاصٍ - يُوالُونَ ويُصادِقونَ أعداءَ اللهِ ورسولِه، ولو كانَ هؤلاءِ الأعداءُ آباءَهم، أو أبناءَهم، أو إخوانَهم، أو قبيلتَهم وعشيرتَهم، أو أيًّا مِن أقاربِهم، فالعقيدةُ أهمُّ مِن النَّسَب، ومَن وَالاهم فهو معهم يومَ القيامة.

أما قولهُ عزَّ وجلَّ:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة: 8]، فإنه لا يعني أبدًا محبَّتَهم والرضا بنهجهم، إنما تعني الآيةُ الكريمة: أنَّ اللهَ لا يمنعُكم مِن البرِّ والإحسانِ إلى الكافرين الذين لم يقاتلوكم في الدِّين، ولم يُجلُوكم مِن ديارِكم، فلا بأسَ أن تُحسِنوا إليهم، وتَعدِلوا فيهم، واللهُ يحبُّ الذين يَعدِلون في حُكمِهم وأهاليهم وما وَلُوا.

فليحذرِ المسلمُ المهاجرُ واللاجئ، ولا ينسَ دينه، فإن كثيرًا من الذين يضطرُّون إلى الذهابِ للغربِ يلاقون معاملةً طيبةً من أهله، فيطوِّقهم معروفُهم ويأخذُ بمناطِ قلوبهم، فيصابون في دينهم وينسونه، فيكونون مثلهم.

وأذكِّرُ إخواني السوريين خاصةً ألّا يكونوا ضحيةَ الإعلامِ الغربي المضلِّل، وليعتبروا كيف كان يتأثرُ بعضهم بإعلامِ طاغيةِ الشامِ وحزبهِ وحزبِ نصر الله، بل كانوا ضحيةَ مصطلحاتٍ وشعاراتٍ قوميةٍ زائفةٍ جوفاءَ عقيمة، كالنضالِ والتحريرِ والمقاومةِ والحريةِ والديمقراطية والوحدةِ وما إليها، تسترًا وراء معانيها البراقة، وتزييفًا لها ولأهدافها وغاياتها، فكم حرَّفوا من أفكار، وكم خرَّبوا من ضمائر!

والغربُ مثلهم وأضلّ، فإنهم أعداءُ الإسلام، لا يريدون أن تظهرَ له قوةٌ أبدًا، حتى يعيشَ المسلمون تحت قيادتهم ووصايتهم. وتاريخهم القريبُ والبعيدُ دليلٌ واضحٌ على ذلك.

والمؤمنُ فطن، لا يغترُّ بالمظاهرِ والشكليات، ولا يبيعُ دينهُ بالمصالحِ الدنيويةِ ولأجلِ راحته، بل يبقى عزيزَ النفسِ كريمًا عصاميًّا أبيًّا، مخلصًا لعقيدتهِ ومبادئه كما علَّمهُ دينه.