الذي يشعر بفراغ روحي، وهو غافل، يبحث عمّا يملأ هذا الفراغ، فلا بدَّ أن يفعل شيئًا، فيردد أغاني تعلمها ويهتزُّ لها قليلاً، ثم يتلهَّى بمأكولات وأشربة، ويتصل بالأصدقاء فيهرِّج ويضحك عاليًا.. وقد يخرج إلى نواد قريبة.. لينسى هذه الروح التي تناديه، وليقتل أيَّ صوت يصعد من داخله يريد جدًّا، وبحثًا عن الحق.. وعملاً مفيدًا.
وآخر يذكر الله خاشعًا موحِّدًا، معترفًا بالإله القادر، الذي يهدي ويسدِّد ويوفِّق للأمر الحسن، ويطَمئن القلوبَ ويثبتها على الحق، فيتفكر بهدوء، ويطلب الهداية والسداد منه سبحانه لأحسن الأعمال، وأحسن الأفعال، وأحسن الأقوال... فتتفاعل الروح مع النفس الطيبة، فينشط المرء للخير والعمل الصالح، في جوّ مليء بالقلق والتشكيك وارتفاع صوت الباطل والمنكر..
فهذا الذي يحصِّن نفسه من الشرور والأكدار ليكون نظيف النفس، قائمًا بالحق، ينتظر منه أن يكون عنصرًا فاعلاً ومفيدًا في مجتمعه، يبني الوطن بإخلاص، وعلى بصيرة من الأمر، لا يبغي غشًّا ومكرًا وأذى.
والآخر الذي ابتغى الدنيا لهوًا ولعبًا، ومصلحة وأنانية، ولذَّة وهوى، ينتظر منه المزيد من العبث والفساد ونتائجه السيئة.
وإنهما لطريقان: طريق الحق، وطريق الباطل.
وإنهما لمنفذان: إلى خير، وإلى شرّ.
وإن مآلهما: إلى ما يسرّ، وإلى ما يحزن.
فعاقبة اختيارهما تعود عليهما.
يقول ربُّنا جلَّ جلاله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [سورة يونس: 108].
قُلْ يا نبيَّ الله: أيُّها الناس، لقد جاءكمُ الحقُّ مِن ربِّكم، وهو القرآنُ العظيم، ودينُ اللهِ القويم، فمنِ اختارَ الهداية، والإيمانَ والطَّاعة، فإنَّ مَنفعةَ هدايتهِ تعودُ على نفسِه، ومنِ اختارَ الضَّلالَ والكفرَ والعصيان، فوبالُ اختياره يعودُ على نفسه كذلك.