الفرقُ بين المؤمن والكافر كالمفاضلة بين الدنيا والآخرة!
فالأصلُ عند الكافر (الدنيا)، والأصلُ عند المؤمن (الآخرة).
ويشير إلى هذا قوله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [سورة النازعات: 37 – 39].
أي: فأمَّا من تجاوزَ الحدّ، فكفرَ وعصَى، وتجبَّرَ وعتا، واختارَ الحياةَ الدُّنيا ولذائذَها وشهواتِها وقدَّمها على دينِ الله، ولم يستعدَّ للدَّارِ الآخرة، فإنَّ مصيرَهُ جهنَّم، يُعذَّبُ فيها ولا يموت.
ويقو ربُّنا سبحانه وتعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [سورة الأعلى: 16 – 17].
والكافرُ يُعرِضُ عن الآخرة كفرًا بها، والمسلمُ إذا فعلَ فلإيثارِ معصيةٍ وغلَبة نفس، وقبل ذلك لضَعفٍ في الإيمان.
فالمؤمن الحقُّ لا يفضِّل الدنيا على الآخرة، لأنه إن فضَّلها كان من أهلها، والآخرة عند المؤمن هي الأصل ومحلُّ الإيثار، لأنها خيرٌ وأبقى، فهي الدائمة التي لا تنقطع، والدنيا مرحلة مؤقتة للامتحان، تنقطع بعد أداء الامتحان والاختبار، والجزاءُ والبقاءُ في الآخرة.
والغاية عند المؤمن هي إرضاء الربِّ سبحانه، ولا يتحقَّق هذا إلا بطلب الآخرة ونبذ الدنيا من قلبه.
والمؤمن لا يهمل الدنيا إهمالاً كلياً، بل لا يقدر على ذلك: لأنه كائنٌ فيها، وعائشٌ منها، فلابدَّ أن يأكل ويشرب، ولابدَّ أن يعمل ليأكل ويعيش. وفي كتاب ربِّنا سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص: 77].
أي: ...ولا تتركْ حظَّكَ من الدُّنيا، ممَّا أحلَّ اللهُ لكَ منها من المأكلِ والمشربِ والملبَس، والمسكنِ والمنكح..
والفرق بين المؤمن والكافر فيها أن المؤمن يلتزم أحكاماً شرعية للعيش فيها، فلا يأكل حراماً، ولا يظلم فيها أحداً، ولا يعتدي على حقوق الآخرين ولا يأكل حقوقهم، وإن قدر على ذلك، وإن غابت عنه سلطة الحاكم.
ويكون معنى القسم الأول من الآية الكريمة: واطلبْ بهذه الأموالِ التي أعطاكها اللهُ طاعتَهُ وشكرَهُ والإنفاقَ منها فيما يُرضيه، ليَجلُبَ لكَ ذلك الرِّضَى والثوابَ في الدارِ الآخرة.
والكافرُ يتخذ الدنيا غاية في ذاتها، فلا حياة عنده إلا هذه الحياة، فلا يرى غيرها، ولا يتحول عنها، فيتخذها وسيلة وغاية! ويجمع لها قلبه وعقله وجميع قدراته، ولا يفكر بجزاء أو حساب أخروي.
والمؤمن حياته متعلقة بالله، ويعلم أن دقّات قلبه معدودة، وأنها بيد الله، يوقفها متى ما أراد، فيزداد من الخيرات قبل أن يموت، ويتقرَّب من ربِّ العباد ليوفِّقه ويسدِّده ويهديه، ليكون عوناً له في تحقيق ما يصبو إليه من حياة كريمة في الآخرة.
ولا يتصور المؤمن حياةً بدون الإيمان والإسلام، ويعلمُ أنه سيُعاقب إذا لم يلتزم بفرائض الله، في الآخرة، وربما في الدنيا أيضاً.
ويكون دائم التفكير بهذا والذكرِ لله ربِّ العالمين، يظنُّ أنه سيُبتلى أو يُصاب حتى إذا فاتته أدعية الصباح والمساء وأذكارهما، ومنها آية الكرسي والمعوِّذات، فإن هذا جزء من حياته.
والكافر لا شأن له بهذا كله، بل كلُّ تفكيره ينصبُّ على "الحياة" في الدنيا ومشاريعه للتشبث بها والبقاء فيها، وجمع المال، والسعي للشهرة، والتلذذ بالنساء والمطاعم والمشارب...
وكلٌّ يعمل على شاكلته..
والموعد الجنة أو النار.