هناك خمسة أضلاع رئيسية تؤثر في سلوك الفرد، ومن ثم فهي المسؤولة الرئيسية عنه، وهي: نفسه، والداه، أصدقاؤه، العلماء، الدولة، بمؤسساتها التعليمية والتثقيفية.
وتتسع دائرة المسؤولية من ضلع إلى آخر حسب الأمور الجارية، ومدى قربها من المذكورين، وكثيراً ما تشترك جميعها في هذه المسؤولية.
فالخمر حرام، وهذا ما يجب أن ينتهي عنه الفرد بمجرَّد ما ذُكر، وعلى العلماء أن يبينوا حكمها، وما يترتب على شاربها من عقوبة دنيوية وأخروية، وعلى الدولة أن تمنعها حتى لا تصل إلى يد أحد، وعلى الوالدين أن يتابعا تربية الأولاد ولا يمكِّناهم من تعاطي ما يضرهم ويحرم عليهم، وعلى الأصدقاء - من باب التعاون والنصيحة الواجبة على المسلم تجاه أخيه المسلم- أن ينبهوا أخاهم إذا وقع في إثم، وينقذوه بقدر ما يستطيعون.
وقد شغلني، كما شغل المربّيِن من غيري، أمرٌ يشتركُ في مسؤوليته اثنان من الفئات السابقة من المسؤولين، هما: الدولة، والعلماء، وبناء على جهودهما يتصرَّف المسؤولون الباقون.
وهو هذه المشروبات الغازية، وسكاكر الأطفال، المنتشرة في جميع البقالات، لا تكاد تجد أسرة لا تتعاطاها، وهي لا تقدر أن تمنع الأولاد منها، وكثير من الكبار لا يستغنون عن تلك المشروبات، وخاصة في الدول التي ترتفع فيها درجة الحرارة... مع أن وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة تطالعنا بين كل آونة وأخرى بمضراتها، في بحوث وتجارب علمية وعملية، بعضها من جامعاتنا، سواء ما وجد فيها من نسبة معينة من الكحول، أو ما ذُكر فيها من مواد أخرى مضرَّة، ومع ذلك فالإقبال عليها لا ينقطع!
إن الذي يقرأ عن مضارِّ هذه المشروبات -إذا صدقت- يكاد أن يسلِّم أنها أكثر مضرَّة من الدخان، الذي حرَّمه معظم العلماء، والسبب لا لأنه مُسكِر، فإن الدخان ليس مُسكراً، بل لأنه مضر ومضعف للجسم. وإن الكتب والرسائل والنشرات التي كتبت في حكم الدخان وذكر مضاره تبلغ آلاف الصفحات، أما عن الحكم الشرعي للكولا وأمثاله، فلا يكاد يوجد، ولا أدري لماذا؟ فالعلماء ولأطباء والمختبرات والأجهزة كلها موجودة، وبالإمكان إصدار حكم شرعي بشأنه بعد التأكد من النتائج فقط، وهو ما لا يأخذ وقتاً طويلاً.
ولعل الذي يبطِّئ البحث في ذلك هو عدم الشعور بمرض مفاجئ بعد تناول هذه المشروبات، التي يتناولها الأطباء، والعلماء، ورجال الدولة، بل يشعرون بانتعاش إثرها. وقد ذكرَ لي أحدهم أنه سأل الشيخ عبدالعزيز بن باز - مفتي السعودية- عن البيبسي، وما ذكر عن مكوِّناته وآثاره، فقال له: اسكت، كلنا نشربه! والذي سأله هذا وقاله لي هو آخر رئيس لتحرير صحيفة "المسلمون" رحمها الله!
ولو أني أوردت نتائج المختبرات والبحوث العلمية وأنواع الأمراض التي يسببها الكولا لطال الأمر وترك القارئ قراءة المقال، فلا صبر عنده لسماع ذلك ولا قراءته، ويكفي أنه يرى الناس جميعاً يشربون، وهو مثلهم، وليصبه ما أصابهم!
هذا هو منطق القارئ العادي، لأنه يظن أن الأمر إذا كان حقاً وخطيراً إلى هذه الدرجة فستمنعه الدولة، وسيبين حكمه العلماء، فإذا لم يوجد هذان الأمران، فلا حرج عليه فيما يأكل وفيما يشرب!
والحقُّ أن الدول الغربية إذا منعته في أسواقها لمضارِّها، فسنمنعه نحن أيضاً في أسواقنا! وبعد ذلك سيكثر الكلام، وستُملأ الصفحات، وستكثر الندوات والمؤتمرات في مؤسسات الدولة، وسيجتمع الأطباء، وسيحكم العلماء! أما أن ننطلق من مسؤولياتنا التي أوجبها الله علينا في ديننا، ونعلم أن الفرد والمجتمع المسلم أمانة في أعناقنا، وأن نبادر إلى بيان الأحكام قبل تفشِّي آثارها، فيبدو أنه غير وارد في وقت ضعفنا وإهمالنا. فالأمر كله يتعلق بضعفنا وتواكلنا ولامبالاتنا، أما التقليد وانتظار ما يقوله الغرب، فنحن جاهزون للُّهاثِ وراءه، وإن لم نلحقه.
ويجب ألا يخلو هذا المقال من بيان شيء من مضار ما نحن بشأنه، ليتسم بشيء من العلمية والتذكير معاً، عسى أن يجذب ذلك رحمة الدولة بمواطنيها، فهي المسؤولة الأولى عن ذلك، ثم العلماء الذين عليهم وجوب بيان الحكم.
فقد نشرت وكالة الأنباء السعودية في موقعها في شهر ربيع الآخر (1429هـ) أن الأبحاث العلمية والطبية أكدت أن شرب البيبسي والكولا يؤدي للإصابة بالسرطان، لأن العنصر الأساسي فيهما مأخوذ من أمعاء الخنزير، الذي يأكل القاذورات والروث والبراز، الأمر الذي يجعل لحمه ملوَّثاً بالجراثيم والميكروبات المميتة والقاتلة، وقد أصدر رئيس جامعة نيودلهي للعلوم والتكنولوجيا بحثاً علمياً أثبت بموجبه أن العنصر الرئيسي للبيبسي والكولا مأخوذة من أمعاء ودم الخنزير، وأن مادة البيبسي تسبب السرطان للمعدة والقولون والبروستات والمرارة والبنكرياس والفم والبلعوم والمثانة، وهذا هو التفسير العلمي لارتفاع أعداد الوفيات بأمراض السرطان في العالم... الخ اهـ.
أما المواد الحافظة المضافة إلى المواد الغذائية، وخاصة الحلويات والشيكولاته وسكاكر الأطفال عامة، المصبوغة باللونين الأحمر القاشع، والأصفر الفاقع، بقصد جذبهم إليها، فقد ثبت أيضاً أنها تسبب السرطان وغيره من الأمراض المخيفة، ولذلك فإن المؤسسات العلمية في الدول الغربية تكثف من الأبحاث العلمية وتصدر توصيات بعدم استخدامها، بعد أن ثبت لديها أنها بمثابة سموم يتعاطاها الجسم يومياً. وهذه المأكولات موجودة وتباع في كل مكان بدون أي امتناع من الرقيب، ولا تحذير مصحوب بالمنع من هيئة المواصفات والمقاييس.
وهذه المواد متنوعة ومتشعبة في أصناف ما يحتاج إليه ويستعمله المستهلك، مثل العصائر، البودرة وغيرها، والحلاوة الطحينية ( تحتوي على حمض الستريك)، والعلكة (وما أدراك ما العلكة)، والبسكويت، والآيس كريم، ورقائق البطاطس... كل هذه المستوردة من الدول الأجنبية فيها السموم والمواد التي تسبب السرطان، وقد تأكد لدى باحثين مسلمين في الغرب، أن هناك شركات أغذية غربية تضيف مواد إلى أغذيتها المصدَّرة إلى الدول العربية والإسلامية فقط، دون الدول الأوربية وغيرها، ليس إمعاناً في الإضرار بها وبشعوبها فقط، بل إظهاراً للعداوة والتهكم بها، وكأن لسان حالها يقول: نبيعهم السموم ونأخذ منهم الفلوس!
وأشير إلى أن هناك بدائل وطنية وإسلامية لهذه البضائع لا تحتوي على المواد الخطرة المذكورة، ولكن الإقبال عليها ضعيف، لأسباب دعائية وغيرها.
وقد حذرت "جمعية الشراكة بين الأطباء والمرضى" البريطانية في تقرير لها صدر أوائل عام 2004م، بعد تجارب أجرتها على مئات الأطفال، حذرت فيه من تناول الأطفال لأمثال تلك المأكولات، لأنها أحد أهم أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السرطان والقلب والشرايين.
وعلى الجميع ألا يغترُّوا بما يُكتب على المعلبات من أنها غنية بمادة الكالسيوم أو فيتامين سي أو غير ذلك.
ومن الأضرار التي ذُكرت للمشروبات الغازية، أن العبوة الواحدة منها تحتوي على نحو (10) ملاعق سكر، تدمر الفيتامين (ب) الذي يؤدي نقصه إلى سوء الهضم والاضطرابات العصبية والأرق...
وأن هذه المشروبات تحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يضعف الأنزيمات الهاضمة التي تفرزها المعدة.
وأنها تحتوي على مادة الكافيين التي تزيد من معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم والسكر وغير ذلك.
كما تؤدي إلى ضعف وهشاشة العظام لوجود أحماض فوسفورية فيها.
وفيها من المواد ما يؤثر على المخ والذاكرة والكبد...
والمعلومات والتحذيرات كثيرة، ولكن كأننا مخدَّرون، أو أموات لا يشعرون!
اقرأ -عزيزي القارئ- هذا الخبر الذي نشر أخيراً، وهو مما عُلِم، فكيف بهذا وبغيره مما عُلم وما لم يُعلم!
"كشفت مصادر أمريكية أن شركات منتجة لمواد التجميل ومنتجات الأطفال قد شحنت كميات كبيرة منها إلى دول الخليج، وأُعلِن فيما بعد أن جميعها تحوي موادَّ "مسرطنة"؛ مثل مادة الـ"دايوكسان 1.4" شديدة الخطورة.
واعترفت منظمات أهلية أمريكية أن قائمة طويلة من مواد التجميل ومنتجات الأطفال التي يتمُّ تصديرها إلى أسواق الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، تتضمن موادَّ مسرطنة محظورة، ومن بينها منتجات تحمل علامات تجارية عالمية تلقى إقبالاً كبيراً في الدول الخليجية. وقالت المصادر: إن المستحضرات ومنتجات الشامبو ومواد التجميل التي يتم تصديرها إلى الخليج ومصر والأردن ودول أخرى (لم تسمِّها) تحتوي على مادة الـ"دايوكسان 1.4" المسرطن.
وأكّدت المنظمات المشتركة في الحملة المعنية بالحفاظ على صحة مستهلكي مواد التجميل أن "دايوكسان 1.4" منتج مشتق من البترول تعتبره وكالة حماية البيئة الأمريكية مسرطناً محتملاً للإنسان ومسبباً للسرطان ثابتاً للحيوان، وفق برنامج المواد السامة القومي.
وأشارت إلى أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن "هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية" الحكومية لا تراجع تلك المنتجات أو تقوم بتحليلها قبل أن تُباع، وإنما تطلب فقط أن تقوم الشركات المنتجة بذلك بنفسها.
وأثبتت التحاليل المعملية المستقلة عن وجود مادة "دايوكسان 1.4" في شامبو الاستحمام "هالو كيتي"، وفي منتج "هاجيز" لغسيل جسم الأطفال، وفي شامبو "جونسون" للأطفال، وفي شامبوهات تُباع تحت أسماء تجارية جذابة؛ مثل شامبو "سيسمي ستريت" وشامبو "سكوبي دو" أو شامبو "تيجر" بغرض جذب الأطفال إليها". (المجتمع ع 1795 (5/4/2008 م).
ونختم المقال بصيحة أخيرة حول ما سُمِّي بشراب القوَّة أو الطاقة، الذي يُقبل عليه الشباب خاصة، ليُعلم إلى أي درجة نعيش مأساة ما نأكل وما نشرب، وندمر حياة أولادنا بأنفسنا، بلا مبالاة المسؤولين لذلك، وسكوت العلماء الغريب عنه!!
تحت عنوان "مشروبات الطاقة تدمر الطاقة" نشرت صحيفة الأهرام في عددها (44282) وتاريخ 25/2/1429 هـ، التحذير التالي:
يُقبل عليها الشباب في مصر والعالم باعتبارها الحل السحري للقوة والطاقة، والحقيقة أن هذه المشروبات المعروفة باسم "مشروبات الطاقة" تدمر الطاقة!
الدكتور مدحت الشافعي أستاذ أمراض الباطنة والمناعة بجامعة عين شمس يؤكد أن هذه المشروبات تؤدي للأرق وخمول الجسم، وهي لا تزيد الطاقة الحرارية، بل الطاقة المنبهة من الكافيين، وتزيد وزن الجسم بدرجة عالية لاحتوائها على ماء الكربونات والسكر والجلوكوز، ونتيجة سرعة الامتصاص.
كما أنها تحوي ملونات ومكسِّبات طعم، وتُحدثُ إدراراً للبول بشدة، قد ينتج عنه جفاف بالجسم، خاصة لدى كبار السن، ولا يحس الشخص بالعطش في الوقت نفسه حتى يفقد خمسة ليترات من السوائل.
كما أن تلك المشروبات غير خاضعة للرقابة، رغم أنها خطيرة على مريض السكر في أي سن، ومرضى الدم المرتفع والحساسية. اهـ.
وأذكر أخيراً أن الفرد والمجتمع أمانة في يد الدولة أولاً، فهي التي تملك الخبراء والوسائل والمختبرات الكفيلة بالوقوف على حقيقة الأمر، والعلماء كذلك، الذين بإمكانهم طلب معرفة حقيقة الأمر من الدولة، ليصدروا الأحكام الشرعية المبنية على أسس صحيحة ومعلومات يقينية. والفرد والمجتمع تبع لما يقررون.
وإذا كان كلُّ ما يُسمع ويُقال دعايات شركات متنافسة، ولم يثبت عند العلماء منها شيء، فلماذا لا يصدر بيان شاف، مفصَّل فيما ذكر، يزيل القلق من النفوس؟ ولماذا تنشر الوكالة هذا الخبر؟ إن التأثير السلبي للكولا وغيرها موجود بالتأكيد، وقد قام أفراد عاديون بتجارب عليها فدهشوا من تأثيرها على مواد غذائية.
والله في عون الجميع.