هكذا سماها الإمام القرطبي في تفسيره (مسألة عظمى) وحُقَّ له ذلك!
وملخصها أن الرضا بالمعصية مشاركة فيها.
وجاء هذا عند تفسير قوله تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ} [سورة آل عمران:181].
فإن اليهود في عهده عليه الصلاة والسلام لم يقتلوا الأنبياء، ولكنهم لما رضوا بذلك كانوا كمن قتلوهم. وهذا بنصّ القرآن الكريم.
وأورد هو وغيره من المفسرين هذه الحادثة: حسَّنَ رجلٌ عند الشعبيِّ قتْلَ عثمان رضي الله عنه، فقال له الشعبي: "شَرِكتَ في دمه". فجعل الرضا بالقتل قتلًا. ا.هـ.
ثم قال الإمام القرطبي: هذه مسألة عُظمَى، حيث يكون الرضا بالمعصية معصيةً. وقد روى أبو داود عن العُرْس بن عميرة الكندي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عُمَلتِ الخطيئةُ في الأرض، كان مَن شهِدَها فكرِهَها - وقال مرة: فأنكرَها - كمن غابَ عنها، ومن غابَ عنها فَرِضِيَها كان كمن شهِدَها" وهذا نص. [سنن أبي داود (4345) وحسَّنه في صحيح سننه].
أوردتُ هذا مذكِّرًا؛ للحروب الدائرة في عصرنا، وكيف أن الناس في مجالسهم وإعلامهم يبدون آراءهم ومواقفهم فيها، وفي التناحر بين المسلمين، أو بينهم وبين الكافرين، أو بينهم وبين الظالمين والطغاة والمتجبرين، أو بينهم وبين فرق ضالة، وكيف أنهم يؤيدون أو يعارضون بدون خشية ولا خوف، وكأنهم لا يعلمون أنهم مسؤولون عن أحاديثهم ومواقفهم. فليعلمْ كلٌّ أن تأييده لأي موقف أو حرب يعني مشاركته فيه، ويعني مسؤوليته عنه، كما هو النص في الآية والحديث.
وحتى أقرِّبَ الأمرَ للمسلمِ أكثر ليشعرَ به ويتمثَّله، أقول: إن تأييدكَ لفريق ظالم أو كافرٍ يقتلُ المسلمين ويعذبهم، يعني نصرتك له ورضاك به، ومن ثم هو كمشاركتك فيه وقتالك معه. هذا هو خطورة الرأي والمشاركة في الإعلان عنه.
ورحم الله من خشيَ ربَّه فسكت، واتقَى اللهَ في الدماء خاصة، وخاف من عقوبته، فما تكلم إلا بعد تدبر وتمحيص.