تصلي على جثَّة ممدودة أمامك.
تدعو له، وتسلِّم.
ثم تشعر بحركة غريبة تنتاب أهله ومشيِّعيه، فهم يُهرَعون إلى هذا الجسد الميت ليحملوه بسرعة غريبة، وتدافعٍ وتكاثف..
وهو لا حراك به.. لا رأي له ولا موقف، لا يقول لا ولا نعم، إن حملوه أو لم يحملوه، إن دعَوه أو رمَوه.
لقد انتهى دوره في هذه الحياة.
كان قبل ساعات شيئاً يتحرك، ينظر، يسمع، يتكلم. والآن لا شيء. جثة هامدة، قطعة جسد جامدة، لا تعمل أعضاؤها ولا حواسُّها. انتهت.
وتدعو لهذا المسكين، الذي انتهت ألفاظه وكلماته، لم يعد قادراً على قول لا إله إلا الله، ولا أن يسبِّح الله أو يحمده، ولسان حاله يقول: قد كنتُ مثلك قبل قليل أذكر ربي، أسبِّح وأهلِّل... وأنا الآن محتاج إلى دعاء منك، دعاء بالرحمة والغفران...
لقد حُمل على آلة خشبية، وسيغيب عن نظرك بعد قليل، لن تراه بعد اليوم...
اللهم ارحمه، اللهم كن له، اللهم كن في عونه، اللهم إنك رحيم فارحمه.
اللهم اجعل هذا اليوم أسعد أيامه، واجعل هذه الليلة أسعد لياليه.
إلى ربٍّ كريم، إلى ربٍّ رحيم.
اللهم ارحمه يا رحيم، اللهم أكرمه يا كريم...
إنهم يسرعون به إلى سيارة تقلُّه، ليقطع مسافة قصيرة...
وهاهم ينزلونه بتؤدة... والقبر بانتظاره، لحدٌ ممدود، حفرة عميقة أُعدَّت لهذا الجسد الجامد ليمدَّد فيه، ملفوف في قماش أبيض، مربوط في أول رأسه وآخر قدميه.
ويُهال عليه التراب.. ليغيب عن العيون، ولا يُرى بعد اليوم.
لقد انتهى أمره في الحياة الدنيا، انتقل إلى حياة أخرى، هي حياة البرزخ، ليتولى شأنه الملائكة... إنه الآن يُسأل.
اللهم كن في عونه، اللهم ثبِّته.
لم يضعوا معه في قبره هويته، ولا مفاتيح بيته، أو محلِّه، أو سيارته، ولا هاتفه النقال، الذي ما كان يفارقه ليل نهار، ولا قلماً، أو كتاباً يستأنس بقراءته... ولا مالاً يشتري به طعاماً، أو يدفع به وبالاً...
لا يفيده هذا كله، ولا يشعر به، ولا يلقي له بالاً.
لا قيمة للمال هناك، حتى الذهب، مثله مثل التراب الذي أُلقي عليه، ومثل الحجارة والهوام من حوله...
لقد ذهبوا به بعيداً، إلى عالم آخر، إلى حيث الحساب والجزاء.