مواقف مع الداعية

وقفات مع الداعية..

الحمد لله العليم الحكيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالدعوة وظيفة كل مسلم بالغ عاقل عارف بدينه، ومَن كان مؤديًا لها، مُخلصًا فيها، فليَحمَدِ الله، وليسأله الثواب والقبول، ومَن كان تاركًا لها، أو كسولاً في تأديتها، فليَنزع عنه لباس الكسل، وليَستعِن بالله، وليُبلِّغ ما استطاع تبليغَه، فما ترك قومٌ الدعوة إلى الدين الله إلا ذلوا.

والداعية المتعلِّم وظيفته أخصُّ وأعمق؛ فيُطلَب منه الانتباه واليقظة لما يَجري حوله، وعليه بالحكمة والتثبُّت في الأمور، وتنظيم حياة الأفراد ممَّن يَتولاهم، وتبيين تفاصيل وأحكام ومعاني الدِّين؛ نظرًا لعلمِه الواسع، وإحاطته بأمور الدين أكثر من غيره؛ قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران: 104].

وهذه الدعوة تحتاج إلى علم، ويختص بالدعوة كل مَن عرَف شيئًا من الدين، وكل مسلم يدعو إلى الله بالقدر الذي يَعلمه منه؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف: 108].

مِن زاد الداعية:

ومن صفات الداعية، أن يكون أكثر التزامًا بالآداب من غيره، وهي كثيرة ومتعددة؛ ومن أهمها:

- أن يكون فاهمًا لعقيدته، ومتدبرًا لحكمة دينه، عارفًا لأحكامه بشكل عام؛ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المجادلة: 11]، وقال - عزَّ مِن قائل -: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [سورة الأنعام: 57].

- وعليه أن يكون دائم الطلب للعلم، مُلمًّا بكل جديد.

- أن يكون مُخلصًا في دعوته، لا يطلب بذلك شهرةً، أو مَنصبًا أو ثناءً، فإنَّ كلَّ عمل أو قولٍ له شرطان في القبول:

1 - أن يكون موافقًا للشريعة.

2 - أن يكون خالصًا لوجه الله.

وعلى الداعية أن يكون معه هذا الميزان أينما حلَّ أو ارتحل؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [سورة الأنعام: 162، 163].

- التعلُّق بالآخرة، وعدم الركون إلى الدنيا؛ فإن زوال الدنيا شيء مُحقَّق، ولقاء الآخرة يقين مؤكَّد؛ قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [سورة النساء: 77]، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبحتَ فلا تحدِّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدِّث نفسك بالصباح".

- واليقظة والتدبير والحكمة: فلا يغترَّ بوعود الكافرين والمنافقين، ولا تخدعْه أحابيلُهم. {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [سورة البقرة: 9].

- ولا يكون غَضِبًا عصبيَّ المزاج، سريع الحكم، كما لا يدَع الخلافات الفرعية، وسفاسِف الأمور تُسيطِر على منهج دعوته.

- التعلق بالله، وطلب الهداية والقوة والتوفيق منه؛ فهو المؤيد والهادي إلى سواء السبيل، وبفضله تتم الصالحات؛ قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [سورة آل عمران: 150]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الحج: 38].

- الشجاعة والثبات، والجِهاد والتضحية؛ بالقلب واللسان واليد، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فليس هناك عقيدة دون تضحية، ولا تَنتشر فكرة منظمة وهادفة إذا لم يكن هناك شجاعة وقوة وشكيمة وبأس ومثابَرة، والمؤمن يرى المخاطر نعيمًا إذا عرف أنها أمر الله ورسوله، ويَصبِر على النوائب عندما يعلم الثواب العميم على ذلك؛ قال - عز وجل -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة التوبة: 120].

- لا يأس في حياة الداعية ولو طال عليه زمن الانتظار؛ {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سورة يوسف: 87]، بل يَعيش دائمًا طالبًا رضوان الله بعد أداء مهمَّة التبليغ، ويَحيا حياةً مِلؤها الحب في الله، والبُغض في الله، والخوف والرجاء منه - عز وجل - وهذا من ثمرات الإيمان العميق.

- وعلى الداعية أن يكون بحرًا في الأخلاق[1] والخلال الحميدة؛ فيكون صابرًا {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر: 10]، ولا دعوة بلا صبر، وقد أوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أذًى بليغًا فصبروا، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]، فعلينا أن نتحمَّل أعباء الدعوة، حتى نظفر بما وعدنا الله تعالى به؛ قال سبحانه:

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة: 214].

- ومنها الصدق في القول والعمل، والذي له الآثار الكبيرة على سَيْرِ الدعوة، وقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة: 119].

- ومنها اللُّطف والصفح والعفو عن الناس، والرحمة بهم؛ قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سورة الأعراف: 199]، وقال: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [سورة آل عمران: 159].

- ومنها التواضُع وعدم التكبُّر؛ فبين الدعوة والتكبر تنافر شديد، وما دخل الكبر في معاملة إلا شانَها ونزَع منها الخير والبركة؛ قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة القصص: 83].

ويقول علي بن الحسين - رحمه الله -: ما دخل قلب امرئ شيء من التكبُّر قطُّ إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلَّ أو كثر.

- المخالطة وطيب العِشرة؛ لحلِّ مَشاكل الناس، وبثِّ الدعوة ونشر الدين من خلال هذه العِشرة؛ وذلك بالأخلاق الحسنة والكلمات الطيبة، والعمل الجاد والمخلص؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "المسلم الذي يُخالط الناس ويَصبِر على أذاهم خير من الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

- ومن الآداب الشخصية للداعية أن يكون رمزًا عمليًّا في العمل الصالح، وقدوةً حسنةً في الأسرة والعمل اليومي، بين الأهل والأصدقاء، وأن يكون دائم الذِّكر والتعلق بالله، وأن يكون مُعتنيًا بصحته، نظيفًا، معتدلاً، غير مُسرِف ولا مُقتر، وفيَّ العهد، صريحًا، ومعترفًا بالخطأ، منصفًا من نفسه، وقورًا، حييًّا، عادلاً، نشيطًا، محبًّا للخير والتعاون، مؤثرًا لغيره على نفسه، مغيثًا للمحتاج والضعيف، سموحًا، بعيدًا عن الجدل، مبتسمًا، غير هيَّاب عند النوازل والنكبات، مُحترمًا للكبير، عطوفًا على الصغير، ذا مِهنة يكفُّ بها وجهه عن حاجة الناس، مُشجِّعًا لأعمال الخير، نافعًا لنفسه ولغيره، مواظبًا على الصلاة، حريصًا على الجماعة، تائبًا، مستغفرًا، مجاهدًا لنفسه، بعيدًا عن قرين السوء وأماكن اللهو، ناشرًا لدعوته بكل شرق وحب، وفي كل وقت وحين.

التنقية والتنشئة:

الداعية يَفتخر عندما يعلم أن وظيفته هي وظيفة الأنبياء والمُرسَلين، وما أجلَّ هذه النعمة وما أعظم هذا السبيل! {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف: 108].

ولا شكَّ أن مُهمتهم كانت صعبةً ودقيقة، لكنهم صبروا، وآثروا رضاء الله على سخط الناس، فضَّلوا حياة الآخرة ونعيمها على لحظات الدنيا الفانية، ولم يكترثوا بكفْر أكثر الناس، واستهزاء السفهاء منهم، فلو كان فيهم خير لهَداهم الله، لكنهم كانوا صمًّا لا يسمعون قول الحق، وبُكمًا لا ينطقون إلا بما يَنفث في روعهم الشيطان، وعُميًا لا يُبصرون السبيل السويَّ بل يرون الطريق الأعوج مستقيمًا، والمستقيم أعوجَ، فكيف يهتدون؟!

وهذا معنى قوله تعالى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [سورة آل عمران: 26]، فهو يعزُّ الذي يفتح قلبه للخير ويُقبل على طاعة الله إذا عرف أمره، ويُذلُّ مَن ضرب سورًا بينه وبين سماع كلمة الحق.

والمسلم الداعية حريص على معرفة الناس في الجو الذي يعمل فيه، وفي البيئة التي يدعو فيها، ويدرس عوامل كثيرة؛ أهمها:

1 - المعتقدات المتوارَثة.

2 - الحاجات والمشاكل الاجتماعية.

3 - نفسية الفرد، وأسلوب التأثير فيه بشكل يُناسب هذه النفسية.

وإذا كان الناس - ولو في مجتمع واحد - تختلف نفسياتهم ومشاكلهم كاختلاف صورهم وألوانهم، فإن الداعية الحكيم، يُصنِّف ويرتِّب، ويجمع النفوس المتشابهة والقريبة من بعضها، ليَأتلفَها ويضمَّها إلى بعضها، فتحسُّ وتشعُر بوحدة في الآمال والآلام، وهذا ما يقرب إلى روح التأثير الجماعي، وبث الأفكار خلال اللقاءات الجماعية، ويُحدث التحابب بعد إلقاء الكلمات والاستماع للمشاكل الخاصة والعامة، وتقديم الحلول الإسلامية لها، وتكون هناك لحظات سعادة، بعد تفريج الكروب.

وأكثر ما تؤثر الكلمات هو أثناء هذه الحال، فالمرء يُرهِف حسَّه، ويضبط أعصابه، ويصغي بكل عقله وأحاسيسه إلى قولِ غيره، عندما يعلم أن المتكلم يدخل في أعماق نفسه، ويدق باب فطرته، ويُجلِّي الشك عن باطنه، فيقع في أزمة فكرية حادة، ربما كانت المرحلة الانفعالية، أو المرحلة الانتقالية، أو قل: لحظة الهداية.. إذا أعانَ اللهُ! والإنسان هو الإنسان.. إنه يتأثر، ويُنكر، ويجادل، ويشكُّ، ويسأل، ويبحث، ويَستقرئ خيرًا إذا فتح قلبه للنور المبين.

ويَستطيع الداعية بفِكره الثاقب وهدْيه الإسلامي أن يُميِّز الطيب من الرجال، وأن يعرف من هو الحريص على الفهم السليم وتحمُّل أعباء الدعوة، مِن السفيه الذي لا يهمُّه إلا اتِّباع الهوى والشهوات.

وتأتي في هذه المرحلة أيضًا، الاتصالات الفردية، والتأثير الشخصي في الخلوة؛ حيث تُلقى على الأشخاص المركَّز عليهم محاضرات في التربة الإسلامية، في هدوء وعلى مراحل، وكلما كان إلقاء الفكرة طويل النَفَس وبإقناع تام، كان التأثير والقبول أكثر - بفضل الله وعنايته.

الواجب والأمل:

إننا نَزداد اطمئنانًا بهذه الدعوة، ونرفع بها الرأس عاليًا، عندما نرى شرور المدنية الحديثة تزداد، وتَكثُر فيها الجرائم والآثام، وتفشل جميع النظم الفكرية المعاصرة في إسعاد الفرد وتأمين حياة مُستقرَّة للمُجتمع.

ومما يزيد من عزيمة الداعية ويبشِّر مستقبله ومستقبل الدين بالخير، أن علماء الاجتماع وغيرهم قد تنبَّؤوا بأن هذه الحضارة المادية والمهزوزة ستَنهار لأنها غير مبنية على أسس أخلاقية وإنسانية سليمة، ولا حلَّ لهذه البشرية إلا هذا الدين الإلهي الخالد، الذي أمر الله المسلمين بتقديمه حلاًّ شاملاً لجميع مشاكل وطلبات العالم، إنه دين العلم والجهاد والسلام،

ولا غرابة؛ فإن النور ينبثق من بين الظلمات الكثيفة ليكشف الحق ويُنير الدَّرْب: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [سورة الأنبياء: 18].

وتتضاعف مهمَّة الداعية عندما يرى أمراض المجتمع وهي تزداد، وجروحه البليغة وهي تكثُر، إنه لا طبيب لها إلا يد الداعية الحكيمة الرحيمة؛ قال تعالى: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [سورة يونس: 57].

والأشرار لا يملُّون ولا يكلُّون من الدعوة إلى نظمهم الفاسدة والطاغوتية؛ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [سورة التوبة: 67].

وكلهم يُريد إطفاء نور الإسلام، فالنار تُحيط بالإسلام من كل جانب، ورجال الإطفاء قليلون، وعلى الداعية أن يُشعر المسلمين بخطورة الموقف تجاه ملَّة الكفر الواحدة وإن تنوَّعت وتعدَّدت أساليبها، وهذا ما يتطلَّب جهادًا وحماسًا ويقظة أكثر؛ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة التوبة: 71].

وهذا يعني أن نَنتهز كل فرصة للدعوة، ونملأ كل فراغ تصل إليه يدُنا، ونَلِج كل مدخل فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.

والدعوة لا تخصُّ وقتًا أو ظرفًا معينًا، بل تكون في المسجد، والمدرسة، والمتجَر، والمصنع، والسجن، وموطن الغربة، والصحراء، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الْتقى ببُرَيدة بن الحُصيب الأسلمي في ركب مِن قومه، أثناء هِجرته إلى المدينة، فدعاه للإسلام فأسلم، والموقف كان يتطلَّب سريَّة، لكنها سرية مِن بعض النواحي فقط، وهذا يوسف عليه السلام يدعو إلى دِين الله وهو في السجن؛ {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [سورة يوسف: 39].

ولا تسأل عن أجرِ الداعية، فثوابه مِن الله الرحيم الكريم، لا يضيع عنده شيء، ويُضاعِف لمن يَشاء.

إن الداعية المخُلِص هو أكرم الناس، وأعظمُهم قيمة وقدرًا، وأقربه إلى رحمة الله ورضوانه، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

اللهمَّ إنا نسألك التأييد لدعوة المسلمين، والنصر لجهادِهم، إنك سميع قريب مجيب[2].


(نشر في مجلة (هذه سبيلي) التي كان يصدرها المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالرياض، عندما كنت طالبًا في مرحلة الماجستير، 1402هـ)

[1] راجع فصل "أخلاق الداعي" من الكتاب القيم: "أصول الدعوة"؛ لعبدالكريم زيدان (ص: 333 - 355) ط: 3، وغيره من كتب الدعوة.

[2] أكثر اعتمادي في هذا المقال على كتاب "أصول الدعوة" للأستاذ عبد الكريم زيدان.