أولاً: تعريف الإعلام الإسلامي:
لم يتفق الباحثون المتخصصون في الإعلام على تعريف جامع له حتى الآن؛ فهو مصطلح لعلم جديد، وتعريفاتُ العلوم لا تستقر ولا تتبلور إلا بعد بيان جوانبه المختلفة، والاتفاق على أسسه ومبادئه، والاستقرار عليها، ومع ذلك نورد أهمَّ التعريفات له.
فقد حظي تعريف "أوتوجورت" الألماني للإعلام باحترام من قِبَل الدارسين الإعلاميين، وهو موجود في معظم كتب الإعلام، وقد عرَّفه بقوله: "الإعلام هو التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولرُوحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت"[1].
ويعرفه الدكتور عبداللطيف حمزة بقوله:
"تزويد الناس بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات، بحيث يعبر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًّا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم"[2].
وبعد أن يورد الدكتور سيد الشنقيطي مجموعة من التعريفات للإعلام، وفيها بيان أنه يعتمد على الحقائق المجردة مع الصدق والموضوعية .. إلخ يقول:
وبالنظر إلى أن الإعلام الوضعي ليس له طبيعة واحدة، فمنه ما هو صادق، ومنه ما هو كاذب، ومنه ما هو خير، ومنه ما هو شر، ومنه ما هو ضلالٌ، فإن التعريف الذي يوضع له لا بد أن يشمل كافة أنواعه، وذلك ما لم نلاحظه في التعريفات الإعلامية السابقة؛ حيث غلب على معظمها الميلُ إلى الحكم بغاية الإعلام، أو بما يجب أن يكون عليه الإعلام.
ثم يبدأ هو بتعريفه في الصفحة التالية فيقول:
هو كل قول أو فعل قصد به حمل حقائق أو مشاعر أو عواطف أو أفكار أو تجارِب قولية أو سلوكية شخصية أو جماعية إلى فرد أو جماعة أو جمهور بغية التأثير، سواء أكان الحمل مباشرًا بواسطة وسيلة اصطلح على أنها وسيلة إعلام قديمًا أو حديثًا...[3].
أما الإعلام الإسلامي فقد بين الأستاذ الباحث زين العابدين الركابي أن المقصود به رؤية الأحداث والقضايا والأخبار والعلاقات من منظار إسلامي إعلامي، وعرَّفه بقوله:
نقل المبادئ وشرحها شرحًا واضحًا وصحيحًا وثابتًا، ومستهدفًا تنوير الناس وتثقيفهم ومدَّهم بالمعلومات الصحيحة بموضوعية أيضًا، معبرًا عن عقلية الجماهير، ومراعاة الأسلوب واللغة التي تخاطب الجماهير[4].
ويعرِّفه الدكتور محيي الدين عبدالحليم بقوله:
تزويد الجماهير بصفة عامة بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال وسيلة إعلامية دِينية متخصصة أو عامة، بواسطة قائم بالاتصال، لديه خلفية واسعة ومتعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها، وذلك بُغيةَ تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويدركها ويتأثر بها في معتقداته وعباداته ومعاملاته[5].
ويصفه الدكتور الشنقيطي بأنه إعلام عن الله ولله؛ أي: إنه حمل مضامين الوحي الإلهي ووقائع الحياة البشرية المحكومة بشرع الله إلى الناس كافة بأساليب ووسائل تتفق في سموِّها وحسنها ونقائها وتنوعها مع المضامين الحقة التي تعرض من خلالها، وهو محكوم - غايةً ووسيلةً - بمقاصدِ الشرع الحنيف وأحكامه[6]، ويلاحظ تقارب التعريفات الثلاثة في أكثر الجوانب، وتكملة بعضها للبعض الآخر في الجوانب الأخرى .. كما يلاحظ الاحتياط والدقة في تعريف الشنقيطي أكثر؛ فقد بيَّن ما احتوى على "الحكمة" في التبليغ والإعلام، ولا بد منها في هذا الجانب استجابةً لأمر الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125]، وقد خلا التعريفان السابقان من هذه، إلا أن يكون قصد الشيخ الركابي من "الموضوعية" هو "الحكمة"، ولكن التعريف الأخير أشمل وأكثر دلالة.
وكذلك دلت هذه الجملة على أن الإعلام - سواء بالقول أو العمل - يجب أن يكون خالصًا لله؛ أي: لا يبتغي من وراء تقديم هذه المعلومات والحقائق شهرةً أو منصبًا في الدنيا، بل دفاعًا عن الإسلام وجهادًا في سبيل الله وخالصًا لوجهه الكريم؛ إذ إن ميزان قبول الأعمال شرطان:
- أن تكون موافقة للشريعة.
- أن تكون خالصة لوجه الله.
والحقيقة أن الشيخ الركابي لا يمانع من تطبيق تعريف الإعلام بمعناه العام على الإعلام الإسلامي، والفَرق أن الأول مصدره وضعي، بينما الإسلام مصدره إلهي، كما أن الإعلام الإسلامي نشاط شامل، وفيه الأسوة أو القدرة، ودليله في هذه أن من صفات الإعلام:
- تزويد الناس بالأخبار الصحيحة.
- المعلومات السليمة.
- الحقائق الثابتة؛ وذلك لتكوين رأي عام حول هذه المعلومات.
- الموضوعية.
- التعبير عن عقلية الجماهير واتجاهاتها أو ميولها العقلية.
- الوضوح، عكس الغموض.
- الصراحة؛ لأنها تقنع القارئ أو المستمع أو المشاهد.
- الدقة.
- التوثيق؛ فيجب ذكر المصادر في كل حالة.
- الصدق.
- التنوير أو التثقيف.
- مخاطبة العقول لا الغرائز.
ويقول - من ثم -: إنه ليس هناك مانع أن تطبق المميزات السابقة للإعلام على الإعلام الإسلامي، كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل[7].
ثانيًا: أهداف الإعلام الإسلامي:
إذا كان الهدف من العملية الإعلامية كلها هو "الإنسان" - أي تسخير الوسائل والأساليب الإعلامية لإيصال فكرة معينة إلى المستقبِل، سواء أكان فردًا أو جماعة أو شعبًا، وإقناعه بها، ليحصل المرسِل على الاستجابة التي خططها - فإن الهدف من الرسالات السماوية كلها هو "هداية الإنسان" ليحيا على حق، ويكون على بيِّنة، ويعيش في سعادة وأمن في هذه الدنيا، وينجو بنفسه يوم الآخرة؛ أي: إن مقصده تحقيق مصالح العباد، ودرءُ المفاسد والأضرار عنهم في العاجل والآجل.
وتأتي مهمة رجل الإعلام المسلم لبيان الحقائق الإسلامية، والوصول إلى قلوب الجماهير وعقولها بالحكمة المطلوبة.
وتقوم أهداف الإعلام الإسلامي في العصر الحديث على أسس كثيرة، نذكر منها:
- تجديد الدعوة إلى التوحيد، وهذه الدعوة لا تعني أن التوحيدَ غير موجود، بل هو تذكير مستمرٌّ ينبغي أن يركز عليه الداعيةُ الإعلامي دائمًا.
- دعوة المسلمين بعضهم بعضًا إلى الخير.
قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3].
- ومعنى هذه الدعوة هو إرجاع المسلمين إلى جوهر الإسلام وتشريعه الحكيم وتعميق ذلك في نفوسهم.
- دعوة غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام.
- الجمع بين تحريك الإيمان في نفوس المخاطَبين والمجتمع الإسلامي، وإثارة الشعور الديني، وبين إكمال الوعي وتنميته وتربيته.
- صيانة الحقائق الدينية والمفاهيم الإسلامية من التحريف وإخضاعها للتصورات العصرية الغربية، أو المصطلحات السياسية والاقتصادية التي نشأت في أجواء خاصة وبيئات مختلفة ولها خلفيات وعواملُ وتاريخ، وهي خاضعة دائمًا للتطور والتغيير، فيجب أن نغار على هذا الحقائق الدِّينية والمصطلحات الإسلامية غيرتنا على المقدَّسات وعلى الأعراض والكرامات، بل أكثر منها وأشد؛ لأنها حصونُ الإسلام المنيعة وحماه وشعائره.
- تحرير العقيدة مما قد يداخلها من أباطيل الخصوم وافتراءاتهم، ومهمة رجل الإعلام الإسلامي التصدي لهذه الافتراءات .. ولا بد أن يكون متفهمًا للدعوى الإسلامية حتى يستطيع نشرها، كما أنه لا بد من دراسة هذه الافتراءات دراسة جيدة، وإن لم يكن رجلُ الإعلام الإسلامي مسلَّحًا بهذا العلم فلربما انجرف مع التيار المنحرف والمضلل.
- الدعوة إلى التعلم؛ فالعلم طريق إلى الإيمان.
- تأكيد معنى الحرية؛ فالإسلام أعطى الحرية الكاملة للإنسان فيما يفعل، وهي مقيَّدة بعدم المساس بمبادئ الإسلام، والإساءة إليه.
- الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، فما أصاب المسلمين وما يصيبهم بسبب أنهم غير متحدين؛ قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]؛ فهدفُ رجلِ الإعلام هو الدعوة إلى الوحدة بين المسلمين.
- دعم اللغة العربية الفصحى، والتمسك بالدعوة إليها؛ فالفصحى هي لغةُ القرآن، ومن أسباب فُرقتنا عدم محافظتنا على هذه اللغة، فاللهجات المحلية المتفرقة، والدعوةُ إلى الكتابة بها وجعلُها لغةَ التعليمِ ووسائلِ الإعلام - تسبِّب الافتراق، ويقع على عاتق رجل الإعلام بيانُ هذا ..
- بعث الفِكر الإسلامي الأصيل والتماس منابعه في القرآن والسنَّة، فكل مقوِّمات الحضارة موجودةٌ في الفكر الإسلامي، وأكثر العلوم الحالية أصلُها إسلامي.
- بناء الحضارة الإسلامية المعاصرة، ونحن ندعو إلى الماضي ولا نفرِّط فيه، بل يكون هناك ربط بين الماضي والحاضر.
- تجلية محاسن الإسلام ومزاياه وتقريب مفاهيمه وحقائقه حسَب قدرات الناس ومداركهم.
- الربط بين الدِّين والعِلم، والعِلم والدِّين والأخلاق، وبين الدِّين والتربية والمجتمع، وبين الدِّين والدنيا.
- بث الفضائل الأخلاقية والسلوك القويم والعادات الإسلامية السليمة، مثل الوصاية بالجار، وردِّ الحقوق إلى أهلها، وكفالة اليتيم، والعناية بالأرملة؛ فالإسلام من حيث المعاملات الأخلاقية يقوِّم السلوك الإنساني، ورجل الإعلام ينبغي أن يكون متصفًا بهذه الأخلاق ثم يدعو إليها؛ ليكون كلامه مؤثرًا، ودعوتُه مقبولة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم معروفًا بين قومه بالصادق الأمين.
- حماية المجتمع الإسلامي من الأخطار الخارجية والدعايات المسموحة، وذلك بالردِّ عليها والعمل على نشر المعلومات والأخبار الصادقة.
- غرس مبادئ الإسلام والثقافة الإسلامية على مستويات مختلفة، أهمها: الأسرة - المدرسة - المسجد - وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها وسائل النشر، من صحافة وكتب وإذاعة وتلفاز ..
- إنشاء المعاهد والكليات الإعلامية المتخصصة الإسلامية ..
- الاستيعاب الحق لتقنيات الوسائل الإعلامية الحديثة عِلمًا وممارسة.
- الاهتمام بالجانب الترفيهي الهادف من خلال برامج ومشاهد وصفحات .. إلخ.
هذا ويمكن أن تكون أهداف النظام الإعلامي هي عينها الأهداف الكبرى التي يسعى المجتمع بكافة أنظمته ومؤسساته إلى تحقيقها، والتي يمكن إرجاعُها إلى أصول كبرى، تتمثَّل في ترسيخ عقيدةِ التوحيد في النفوس، وتحقيق السيادة لشرع الله، وتثبيت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبناء مجتمع طاهر نقي عفيف كريم، وشمولية في الإعلام بدين الله، أو هي في تركيز شديد: تدعيم الإسلام وتعميمه؛ ذلك أن أيَّ نشاط إعلامي يصدر عن مسلمين في نطاق بناء حياة إسلامية متكاملة لا يُتصوَّر أن تغاير أهدافُه أهدافَ أنشطة أخرى يقومون بها للغرض نفسه[8].
ثالثًا: الغاية من الإعلام في الإسلام:
إن الغاية يجب أن تكون أساسًا إرضاءَ الخالق جلَّت قدرته، حتى لو لم يرضَ بعض الخَلْق، وليست إرضاءَ بعضِ الخَلْق بغضبِ الله عز وجل.
وإذا كانت الغاية هكذا من أنبلِ ما يكون، فإن رجل الإعلام يتحرَّى الدقة والأمانة في تبليغه وتعليمه وتربيته، ويبحث عن كل ما فيه خير الأمة ونفعها؛ لينال رضا خالقه ومثوبة من عنده؛ قال عز وجل: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سورة الليل: 19 - 21].
وليست غاية الإعلام في الإسلام غسيلَ رؤوس العباد - كما هو في كثير من الأنظمة الحديثة - حتى تتسع لكل التقلُّبات، ولا عمليةَ تخدير حتى تتقبل الأمة أمرًا خطيرًا ما كانت لتقبَلَه لولا هذا التخديرُ[9].
(نشر في مجلة "الداعي" الهندية، ع 9 – 10 (رمضان – شوال 1424ه)
[ولم أكتب هذا المقال، ولعل المحرر نقله أو لخصه من كتاب لي في الإعلام الإسلامي]
([1]) الإعلام والدعاية، عبداللطيف حمزة - ط2 - القاهرة: دار الفكر العربي، 1398هـ، 1978م، ص 76.
([3]) مفاهيم إعلامية من القرآن الكريم: دراسة تحليلية لنصوص من كتاب الله. سيد محمد ساداتي الشنقيطي. - الرياض: دار عالم الكتب، سيد محمد ساداتي الشنقيطي. - الرياض: دار عالم الكتب، 1406هـ، 1986م، ص 17 - 18.
([4]) محاضرات ألقاها الشيخ الركابي على طلاب السنة الأولى قسم الإعلام - ماجستير، كلية الدعوة والإعلام (المعهد العالي للدعوة الإسلامية سابقًا) 1403هـ، الرياض.
([5]) الإعلام الإسلامي وتطبيقاته العملية، محيي الدين عبدالحليم، ط2، القاهرة: مكتبة الخانجي، الرياض: دار الرفاعي، 1404هـ، 1984م، ص 147.
([6]) مفاهيم إعلامية من القرآن الكريم. سيد محمد ساداتي الشنقيطي، ص 18.
([7]) محاضرات ألقاها الشيخ الركابي ... مصدر سابق.
([8]) انظر في أهداف الإعلام الإسلامي: بعض سمات الدعوة المطلوبة في هذا العصر، أبو الحسن علي الحسني الندوي. المدينة المنورة: مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية، د.ت (من بحوث المؤتمر الأول لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة) ص7، 13، والدعوة الإسلامية: مفهومها وحاجة المجتمعات إليها. محمد خير رمضان يوسف - الرياض: المؤلف، 1407هـ 1986م، ص 25 - 26، ومحاضرات ألقاها الشيخ زين العابدين الركابي .. مصدر سابق، وأصول الإعلام الإسلامي وأسسه: دراسة تحليلية لنصوص الأخبار في سورة الأنعام. سيد محمد ساداتي الشنقيطي - الرياض: دار عالم الكتب، 1406هـ، 1986م، ج 1 ص 12 - 13.
([9]) انظر - بتصرف: الإعلام موقف. محمود سفر. جدة: تهامة، 1402هـ، 1982م. (الكتاب العربي السعودي - 63) ص 62 - 63.