مازلنا نشكو من السيطرة الصهيونية على الإعلام ووسائله عالميًّا، على الرغم من استحداث وكالات أنباء وفضائيات عربية وإسلامية عديدة.
وإذا كانت الأحداث الكبيرة المعلن عنها تحدث على أرض العرب والإسلام، فإنها تصنَّع إعلاميًّا في الخارج، وتعودُ إلينا بأسلوب وتوجيهٍ آخر موافق للفكر الغربي والإعلام الصهيوني، وتبث في قنواتنا الإعلامية هكذا، وبحرارة!
وكأننا عبيد للمنظومة الإعلامية الغربية فكرًا وإعلامًا، ووسيلة وأسلوبًا!
ولنأخذ (الإرهاب) مثلاً، الذي صُنع مصطلحه وإعلامه في الغرب، وردَّدته الحكومات عندنا واستعملته كما هو!
والغرب يريد به كل مسلم حمل السلاح، أو وافق على حمله، ضد الكيان الصهيوني، أو ضدَّ الغرب، أو ضدَّ أي طاغية مرتبط بهم، ولو عمل قتلاً وتدميرًا في شعبه بما يخالف جميع المواثيق والعهود المتفق عليها عالميًّا!
بل يريد بالإرهاب كل مسلم مخلص لدينه، لا يحبُّ سياسة الغرب ومثُله...
وقد نطق بهذا أعلام ومسؤولون كبار في الغرب، منهم الرئيس الأمريكي نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة" مبينًا قصد الأمريكيين من "الأصولية الإسلامية"، فقال: "إنهم هم الذين يريدون بعث الحضارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجعل الإسلام دينًا ودولة، وهم وإن نظروا للماضي، فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار"!
وقالت مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة: "إن تحدي الإرهاب الإسلامي إنما يشمل حتى الذين أدانوا أحداث 11 سبتمبر وابن لادن وطالبان، يشمل كل الذين يرفضون القيم الغربية، وتتعارض مصالحهم مع الغرب"!
وكتب المفكر الأمريكي فوكو ياما في العدد السنوي "للنيوز ويك" (ديسمبر 2001 م – فبراير 2002م)، يقول: "إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية، التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثل خطرًا أكثر أساسية من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله."
ولا يقصد بهذا المصطلح أية جماعة أخرى من أية ديانة كانت، ولو فعلت ما فعلت وزيادة! فهو مصطلح مقصود ألصق بـ (الإسلام) و(المسلمين) لتدمير نفسيتنا وعزيمتنا وسمعتنا ومبادئ ديننا بين الأمم.
وهكذا تردده الحكومات ووسائلها الإعلامية في بلادنا، وتعين بذلك أمريكا ودول الغرب على تحقيق أهدافها فيما تريد منا!
ومن موازين الإعلام التي لا يختلف فيها أن يُعلن عن الحدث كما هو، وأن يُعطى الخبر حقه من تسليط الضوء عليه، وإيجازه أو تفصيله بما يستحق، مقارنة بالأخبار والأحداث الأخرى.
وكما يعرف القارئ فإن مصطلح (الإرهاب) هو أكثر المصطلحات استعمالاً في وسائل الإعلام عالميًّا، والمقصود به (99%) هم المسلمون!
ولننظر حقيقة أي الأطراف أكثر إرهابًا واستحقاقًا بهذا الحجم من الإعلام فيه.
إن الإرهاب لا يكون إرهابًا إلا إذا صاحبته قدرة حقيقية على التخويف والإصابة والتدمير بشكل لا يتصور..
وإن حجم السلاح الموجود في الغرب لا يقارن بما عند الجماعات الإسلامية التي توصم بالإرهاب، فالغرب يملك من الأسلحة النووية والفتاكة والمبيدة ما لو استعمله كله لما بقي حيٌّ من الأحياء على وجه الأرض، لا إنسان ولا حيوان...
والجماعات عندنا لا تملك عشر معشار هذه الأسلحة، ولا أقلَّ من هذه النسبة عشرة معشار أخرى، بل إن ما تستعمله من أسلحة تعتبر بدائية عند الغرب، وكانت بعض التفجيرات التي تصنعها حتى وقت قريب من روث الحيوانات، وما إلى ذلك من موادَّ وطرق بدائية وصعبة، ولا تُحدث آثارًا إلا في مساحة محدودة.
فإذا وجد عندها ما هو أقوى، يكون مصدره الغرب.
والغرب يستخدم تقنية عالية وسريعة ومصانع ضخمة لإنتاج أفتك الأسلحة وأكثرها تدميرًا وإبادة، وتبيع منها بالمليارات سنويًّا..
فمن أكثر إرهابًا؟ الغرب أم الجماعات الموصوفة بالإرهاب؟
وأين التوازن الإعلامي في هذا ببلادنا أو في غيرها؟
وهل يُذكر الغربُ في الإعلام على أنه الإرهابي الأول والحقيقي؟
ونتيجة سوء استخدام مصطلح (الإرهاب) لم تعد الشعوب المسلمة تثق بحكوماتها في إعلامها، لأنها لا تعطي مدلولاً صحيحًا لهذا المصطلح، ولا تذكر الإرهاب الحقيقي المسلَّط علينا من الغرب، وحجم قوته الضاربة الجاهزة ضدَّنا.
ونتيجة هذا الإعلام (الأعور) أو (الأعوج) في بلادنا، صار هناك تفاوت ثقافي طبقي واسع بين الحكومات والشعوب، وبين فئات من الشعب نفسه، التي تصدِّق ما يقال في وسائل الإعلام، فتكون فئة مع الغرب وإعلامه الموجَّه الكاذب، وأخرى مع الحقيقة.
إن التوازن الإعلامي مطلوب، وخاصة في المجتمع المسلم، الذي ينشد الأخوَّة لا العداوة، فهم جميعًا إخوة، وينبغي أن يزيد الإعلام من هذه الآصرة ويثبتها، ولا يكون سببًا في انقسامه وتشتته إلى طبقات متناقضة أو متعادية..
إن التوازن الإعلامي يعيد ردم هذه الفجوة، ويعيد المجتمع المسلم إلى قاعدته في الألفة والمحبة، وفي التواؤم والتعاضد، أما عدم التوازن فيبثُّ الكذب ويطمس الحق ويثبت العداوة بين المسلمين!
وكان في سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى من يدرك هذا المنحى في التوازن منذ القرون الأولى في الإسلام، ويعرف خطورته على بنية المجتمع المسلم..
وأذكر منهم في هذا المجال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله (لعله هو)، المتوفى سنة 198 هـ، الذي كان واسع العلم، كبير القدر، عُرف بمحدِّث الحرم المكي..
لم يرد هذا العالم أن يكون تخصصه في الحديث الشريف مبعدًا إياه عن واقعه، بل خدم به مجتمعه، وغاص في أنحائه، وضمد به جرحًا غائرًا فيه..
وكانت آثار الفرقة بين صف علي ومعاوية رضي الله عنهما مازالت تجد صدى لها بين بعض المسلمين، وخاصة في الكوفة والبصرة، فكان إذا مضى إلى الكوفة – وفيها أنصار عليّ – حدَّث بفضائل معاوية، وإذا كان في البصرة – وفيها أنصار معاوية – حدَّث بفضائل عليّ!
والهدف تقريب الفجوة بين الفريقين، بأن لا يقتصر كل طرف على المغالاة في فضائل واحد دون الآخر، بل على كلٍّ أن يعرف الآخر على حقيقته، ويعرف فضائله، فيحدث بذلك توازن إعلاميّ واجب في المجتمع، حتى يلتقي الطرفان على المحبة الإيمانية والأخوة الإسلامية المطلوبة منهما..
فهم إخوة، وعليهم أن يتعايشوا ويتجاوروا متحابين في الدين، ويعلموا فضائل كل من الصحابيين، ويغضُّوا الطرف عن أخطائهما وقد سلف زمانهما ومضى، ولا نُسأل عنهما ولا عن أعمالهما..
كانت تلك إضاءة أولية لموضوع (التوازن الإعلامي)، الذي ينبغي أن يأخذ حقه علميًّا وأكاديميًّا، ويُدرس بتوسع، ويطبق واقعًا.. ليعرف المسلم حقيقة ما يجري وما يقال، ولا يلقَّنَ أوهامًا وتضليلاً وخداعًا..
وكان ما عولج واقعًا عمليًّا عن المفهوم الذي أُعطي للإرهاب..
أما الحقيقة التي ينبغي أن تقال، فهي أن العدوَّ يجب أن يُرهَب، وينبغي على المسلمين أن يُرهبوا أعداءهم بما أُعطوا من قوة وسلاح، وإلا حصدوهم قتلاً، وأثخنوهم جرحًا، وسيطروا على مواردهم، واحتلُّوا بلادهم.. كما حدث لنا قريبًا، وكما يريد أعداؤنا أن يفعلوا بنا ذلك مرة أخرى..
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
[سورة الأنفال:60].
اللهم ألهمنا الرشد، وجنِّبنا الذلّ.