ما أكثرَ الزورَ والتلفيقَ والبهتانَ في إعلامنا المعاصر!
وما أقلَّ خشيةَ المصابين بهذا الداءِ فيه،
وما أكثرَ ما تنتكسُ ضمائرهم بذلك،
إنهم يقولون الزورَ ثم ينامون وكأنهم لم يفعلوا شيئًا!
وكأنهم لم يظلموا، ولم يكذبوا، ولم يلفِّقوا، ولم يزوِّروا الحقائق!
وهم يجعلون الحقَّ باطلًا، والباطلَ حقًّا!
وهم مسلمون!
وقد يصلي بعضهم ويصوم!
فبماذا يجيبون ربَّ العالمين إذا حاسبهم على كذبهم وبهتانهم؟!
إنهم يغتابون أقوامًا وأفرادًا ويلصقون بهم تهمًا لا أساسَ لها،
ويصفونهم بأبشعِ الأقوالِ وأخسِّ الصفاتِ وهم منها براء!
وإذا مدحوا اخترعوا لهم صفاتٍ حسنةً وهم غُفلٌ منها.
إنه صناعةُ الدجلِ والكذبِ والضرار،
لا إعلامُ الحقِّ والاستقامةِ والنهجِ العدل.
وقد شدَّدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قولِ الزورِ وحذَّرَ منه تحذيرًا،
وما زالَ يكرِّرُ التحذيرَ حتى تمنَّى صحابتهُ رضوانُ الله عليهم لو سكت!
وكان عبدالله بن سلام من أحبارِ اليهود،
ويقولون عنه: "سيِّدُنا وابنُ سيِّدِنا وعالِمُنا وابنُ عالِمِنا وخيرُنا وابنُ خيرِنا"!
وعندما أسلمَ رضيَ الله عنه لم يصدِّقوا ذلك،
حتى خرجَ إليهم فقال: "أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله".
فقالوا: "بل هو شرُّنا وابنُ شرِّنا وجاهِلُنا وابنُ جاهِلِنا"!
فقالَ رضيَ الله عنه: "ألمْ أُخبِرْكَ يا رسولَ اللهِ أنَّهم قومٌ بُهْتٌ"!
فكم من بُهتٍ في إعلامنا؟
وكم من إعلاميٍّ يتشبَّهُ بقومٍ بُهت؟
(الحديثان رواهما البخاري وغيره، وفيه نصهما الكامل، ولفظ الأخير من صحيح ابن حبّان 14506).