الشابكة ساحة عالمية كبيرة لكل الناس، وفيها مواقع للخير وأخرى للشر، ومن المؤسف أن مواقع الشر تجذب كثيراً من الناس، ليس لأن كلهم أشرار، بل إن كثيراً منها تُزار حباً في الاستطلاع لا غير، وتكمن المشكلة في أن الزيارة الأولى تجذب الثانية، وهكذا يغدو الزائر مدمناً، ومن ثم قد يَزيغ بعض الناس ويصير فاسداً وشريراً ومنحرفاً! وهذا ما حدث لكثيرين!
ولذلك يُنصح المسلمون الذين يبحثون في الإنترنت إلا يزوروا تلك المواقع أصلاً، ولا شكَّ أنه لو قيل لواحد منهم إن مجرمين، أو شياطين، أو مدمني مخدرات وسكارى موجودون في مكان معين، فإنه غالباً ما يتحاشاهم ولا يريد المرور بهم، لأنه يعرف أن أمرهم كله سوء وشر، وبضاعتهم الإجرام والفساد، فلماذا يذهب إليهم وهو يعرف شأنهم؟ وكذلك هي المواقع السيئة، فأي فائدة في حب الاستطلاع لها.
إن المسلم بطبيعة تربيته الإسلامية يبغض الانحراف وقلة الأدب واستعمال الكلمات البذيئة والمصطلحات السافلة، وهو يعرف أن الهدف من المواقع التي تتخصص في مثل هذه الأمور المتدنية هو هدم الآداب والفضائل في المجتمعات، وقتل روح الغيرة والالتزام عند الشباب خاصة.
أقول هذا وقد مرَّ بي ذكر موقع ألماني "خاص بالأشرار"! ممن يكرهون العالم ولا يطيقون واحداً من حولهم، وينقمون على كل شيء!
فبدل أن يوجّهوا هؤلاء إلى الخير، ويحلُّوا مشكلاتهم وعقدهم النفسية لئلا يكونوا شاذين عن الناس ومنحرفين في المجتمع، زادوا في انحرافهم وكرسوه في نفوسهم، وأنشأوا هذا الموقع لهم ولأمثالهم للتواصل مع أقرانهم من الكارهين والمُبغضين والحقودين والنقمين، وقد أطلقه معهد العلامة التجارية العلمية (لعله في عام 1428 هـ)، وهدفه "مساعدة" الذين يعشقون الكراهية، فيدعوهم إلى توزيع الكراهية بالتساوي على الأشياء! كما "يساعد" زواره على اختيار الكلمات الكريهة التي يريدونها، والمساهمة في أبواب النميمة والشتائم وتبادل السباب!!
إننا -معشر المسلمين- ندعو إلى البناء لا الهدم، وإلى التصحيح لا التمادي في الخطأ والضلال، ونطلب الهداية والصلاح وحسن الحال لجميع المجتمعات، ونحن نعلم أن الشر والفساد والكراهية تزيد الأخطار والأمراض الاجتماعية في العالم، وتسبب الجرائم والحوادث الفظيعة، وإن واجب الدعوة والإصلاح يوجب علينا نبذ هذه الدعوات وأمثالها، والمسلم صاحب رسالة تحمل الخير والبرَّ والنصح للناس، فلا يجوز له أن يكون عنصراً مهادناً أو مساهماً أو موافقاً للمواقع المغرضة والمشبوهة {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [سورة النحل :90] وعلى الأولياء أن يأخذوا تعهدات ممن يتولونهم بألا يزوروا المواقع السيئة والمغرضة، وإذا لاحظوا عليهم انحرافاً خلقياً أو تعاملاً شاذاً لم يعهدوه منهم، فعليهم تداركه ومعالجته قبل استفحاله.
ولست مطلعاً على المواقع الإسلامية كلها، وأقترح مقابل ذلك الموقع وأمثاله إنشاء موقع "الآداب والأخلاق الإسلامية"، الذي لا شك أنه من الممكن أن يزوَّد بأفضل المواد والموضوعات الأخلاقية الطيبة، من القرآن والسنة، وشمائل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وسلوك الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والتابعين الأجلاء رحمهم الله، وسير أخرى مبثوثة في كتب التاريخ والتراجم، بالإضافة إلى لقاءات مع أعلام الدعوة والتربية الإسلامية في العصر، وإبراز الكتب والبحوث التي ألفت في الفضائل الإسلامية ومكارم الأخلاق، القديمة والحديثة، ولعل أوسعها وأكثرها جمعاً لهذا الشأن هو "موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: موسوعة قيم أخلاق التربية الإسلامية لما أمر به ونهي عنه في الكتاب والسنة" التي أصدرتها دار الوسيلة بجدة سنة 1418 هـ في (12) مجلداً. ولو أنه خزِّن في الموقع لكانت الفائدة منها ظاهرة. والله الموفِّق.