لم تعد الكتابة سهلة عن الشباب مثل قبل، فقد ازدادت الحياة تعقيداً، وزادت معها علاقة الشباب بجوانب الحياة، الإعلامية والترفيهية خاصة، وصار الحديث عن الأخطار المحدقة بهم أكثر منها عن الآمنة حولهم.
الحديث عن الشباب في تراثنا الإسلامي كان أكثره عن أربعة جوانب: طلب العلم، والجهاد، والعمل، والأدب.
فقد كانت الحياة جادة ومهيأة للشباب، في ظل حضارة تحثُّ على الإيمان، والبناء، والدعوة، والعلم، فكان الشباب زهرة الحضارة وعطرها، وإذكاءً لها وحفاظاً عليها، كانوا جادِّين في العلم خاصة، يرحلون في طلب العلم سنوات طويلة، يتركون الأهل والمال والوطن، ويعملون ويتاجرون في البلدان بما يساعدهم على الرحلة والتزود بالزاد.
ومنذ سنوات ليست بالطويلة، كان المثقف يكتفي بمذياع عند رأسه يعرف منه أخبار بلده وأخبار العالم، ويملأ سائر وقته بالمطالعة والعمل...
واليوم صارت أدوات العلم كالترفيه للشباب، فالشبكة العالمية للمعلومات وسيلة ثقافة وترفيه معاً، وصار الشاب لا يستغني عن بريده الإلكتروني، وقد يستغني بهما عن الأصدقاء أوقاتاً طويلة، ولكن أين التوجيه في هذا كله؟ وما هي الضوابط التي تتحكم بالشاب ليوزع مهامه بين العلم، والترفيه، والعمل، والعلاقات الاجتماعية؟
إن أساس هذا كله ليس المدرسة، فالمدرسة تعني المدرِّس والصديق، وكلاهما أصحاب مواقف وآراء مختلطة، قد تفيد وقد تؤذي.
وليس هو الشارع بالتأكيد، فإن فيه الوفي الوديع، والمجرم العاتي.
وليس هو وسائل الإعلام، التي صار معظمها وباء وسماً زعافاً ينشر الفساد والرذيلة...
ويبقى البيت والمسجد هما حضن التربية والتوجيه، يبقى توجيه الأب الملتزم المتدين، الذي يحرص على نجاة ابنه من فتن الدنيا ونيران الآخرة، فيوجهه بما يناسبه، ويتخذ الإسلام مبدأ وميداناً رحباً بينهما، ويربط علاقاته بأهل الخير والدين من أهله وجيرانه وأصدقائه، ويجعل آداب البيت متناسقة وممهدة لتقبل هذه التوجيهات، بحيث إن الابن أول ما تطأ قدماه البيت، يعلم أنه في جوٍّ خاص به وبإخوانه وبوالديه، ويتكيَّف مع هذا الجوِّ وينشأ عليه، ثم يحافظ عليه ويدافع عنه، ويحاول هو أن يُنشئ إخوانه عليه، حيث رأى فيه نجاته من كوارث وجرائم وعقوبات طالت أصدقاءه لأنهم لم يلتزموا بأدب ودين، فكانت عاقبتهم قاسية ومحبطة وكارثية، وهو التزم بالدين والأدب، وصار في أمن واستشراف مستقبل قريب.
إن الإسلام هو ملجأ كل من يطلب النجاة، الذي يرى فيه كل ما يناسب عقله وفطرته، وتوجهه نحو الأفضل والآمن، وهذا ما يجده المرء عند والده المؤمن، وفي المسجد، حيث العالم المرشد، والأخ الناصح، والعبادة لرب الخلائق.
وإن صحبة العالم، والتعلق بالدعوة، يفتح آفاقاً جديدة في عقول الشباب وقلوبهم، فيشعرون بمسؤوليتهم أمام مجتمعات منحرفة، وشبابٍ يقع في الموبقات، ويرون أنفسهم بفكرهم المستنير، وقلوبهم المؤمنة، وعاطفتهم الجياشة، ونشاطهم وحركتهم، أنهم رسل إصلاح، ورجال إنقاذ، ومحطات أمان.
والشاب لا غنى له عن عالم يكون مرجعاً له، أو صديق أكبر منه عرف إخلاصه في الدعوة، وليُعلم أن من لا شيخ له فالغالب عليه الجدال والتمرُّد وعدم التناسق في العلم والثقافة، إلا من رحمَ ربي، ومن له شيخ فالغالب عليه الأدب والعلم، والعلاقة الطيبة، والهدوء والرزانة، والحكمة والتعقل، والله الهادي.