الذي يتذكر خطب الرئيس أنور السادات، يذكر أنه كان لسِناً فصيحاً، يساعده فيها صوت جهوري قوي، مع تلوين ولحن وأداء عجيب، ولكن عيبه فيها أنه كثيراً ما كان يقول في آخر جُمل: وَ... وَ... وَ...، يعني: إلى آخره. وأذكر أثناءها أن نجاح العطار، وزيرة الثقافة السورية آنذاك، نقدت السادات في ذلك، وكتبت مقالاً في إحدى الصحف السورية بعنوان: واوات السادات.
تذكرت هذا وأنا أرى عبث الشباب في كتابات جديدة ظهرت لهم في الشبكة العالمية للمعلومات، وفي بريدهم الإلكتروني، ورسائل الجوال، فإذا كتبوا (مرَّة) وضعوا لها أربع أو خمس راءات، وإذا قالوا (يا سلام) جعلوا الألف الأخيرة ألفاتٍ عدَّة، وإذا شكروا كتبوا سبع أو عشر واوات لكلمة (مشكور)، وهكذا.
وهو من عبث الشباب وترَّهاتهم التي تجرُّ وراءها أمورًا أخرى، وهي الكتابة بالعامية، كل بلهجته، في عشرات اللهجات المنتشرة في العالم العربي، حتى صار ذلك ظاهرة منتشرة جداً في الكتابة، وقد يدخل في هذا شيء من الميوعة. وإن الأمر يؤسف له، وهو استبدال لغة عامية دارجة بلغة القرآن الفصيحة!
وجرَّ هذا الحديث إلى تصرُّفات أخرى تذكرتها لشباب، يتساهلون فيها بالآداب العامة، ويتخففون من المسؤولية، مثل الكتابة على الحيطان، التي تعطي واجهة مزرية للمدينة، ولا تعبر عن حضارة وخُلق، وقد تبقى هذه الخطوط القبيحة، وبعضها عبارات سيئة ومشينة، شهوراً وسنوات على تلك الحيطان. وآخر ما رأيت منها، مدرسة جددت دهان مدخلها الكبير في آخر العام الدراسي، فوجدت مكتوباً عليها بخط عريض وكبير ملأت نصف الحائط: (للبيع: المدرسة مع المدير)!
ومن ذلك هذه الملابس الفاحشة التي يرتديها الشباب تقليداً للغرب، مثل البناطيل القصيرة التي تأتي قريبًا من الركبة أو تحتها، فلم أر أفحش منها منظرًا، ومع ذلك يرتديها الشباب لا لشيء إلا لأنها أحدث (موديل)! ولو طلب منهم لبس ثوب يقصر عن الكعب للسنَّة لما فعلوا، ولكنهم أكثروا من شبيهٍ به وهو تقليد للغرب وأهلها!
وعادة أخرى تذكرتها لبعضهم، وهي إيقاف سياراتهم في أزقة وشوارع ضيقة، أو في وسط شوارع واسعة شعبية، وحديث بعضهم مع بعض، كل في سيارته، ويطيلون الحديث ووراءهم من ينتظر العبور، فيقفون لينحرفوا إلى جهة اليمين أو اليسار، أو هم يجدون صعوبة في العبور لضيق الشارع، أو يرجعون فيدخلون في شارع آخر.
إنها اللامبالاة، والعبث بحقّ الطريق، الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعطى حقَّه!
ومما يؤسف له من عاداتهم أيضاً وضع الأحذية عند الدخول إلى المساجد، فلا تكاد تجد أحداً منهم يأخذ نعله ويضعه في المكان المعدِّ له، بل يضعه أمام الباب، أو على الأرض أينما وجد فراغًا، أو فوق الأحذية. وعند الخروج ترى الفوضى في البحث عنها وقد طاشت، لأن خلعها أيضاً كان بفوضى، ولأن من يلبس نعله يضطر أن يدعس على غيرها...
ومن المؤسف أن يكون هذا فوضى عامة للمرتادين إلى المساجد، لا تخص الشباب وحدهم! وأذكر كلاماً لأستاذنا الشيخ أحمد العسّال رحمه الله (الذي توفي هذا العام 1431هـ) في محاضرة له: انظروا إلى الغرب أين وصل ونحن مازلنا لا نعرف كيف نرتب أحذيتنا!!
إن هذا الأمور التي ذكرتها لا تعدُّ ثانوية كما تظهر لأول وهلة، لأنها تدلُّ على نفسيةٍ وشخصيةِ جيلٍ يُطلب منه أن يقود البلاد في المستقبل، فإذا لم يكن باستطاعته أن يضبط عاداته ويوجهها نحو الأفضل، فإنه يدل على خلل في التركيبة الفكرية والسلوكية له، التي لا تبشر بمستقبل عال ومتزن، وعلى الشباب أن يكونوا قوة في الدفع نحو الأفضل، لا تكريساً لعادات وتصرُّفات وظواهر غير مقبولة.
والذي يعجبني في الشباب هو الأدب، والرزانة، وحب المسؤولية، والاهتمام بالعلم، والنشاط المفيد، والنظر في المستقبل، والتمسُّك بمكارم الأخلاق، والاهتمام بالأمَّة، وفداء الدين بالنفس، وترك الجدل والمخاصمات الفارغة التي لا تأتي بخير، والإقبال على ما ينفع، للأسرة، والمجتمع، والوطن.