كتبتُ مقالًا بعنوان "ظاهرة وضع الحلول عند الإنسان"،
ونسيتُ أن أوردَ فيه مثالًا بارزًا يؤيدُ ما ذهبتُ إليه،
وهو "التهافتُ على الفتوى" على الرغمِ من خطورته.
فإنه إذا طُرحَتْ مسألةٌ جديدةٌ (نازلة) في مجلس،
تبارَى الجالسون في إبداءِ آرائهم،
ولو لم يكونوا علماء،
ولو لم يكونوا طلبةَ علم!
أما مَن أصابَ علمًا،
فإن بعضَهم، أو كثيرًا منهم،
يلجأُ إلى وضعِ الحلولِ على مستوًى أعلَى،
في القنواتِ الإعلاميةِ أو مواقعِ التواصل،
لتصلَ آراؤهم أو فتاويهم إلى أكبرِ عددٍ من الناس،
يتنافسون فيها على وضعِ الحلولِ ولو اختلفَ بعضُها عن بعض،
أو حتى تناقضت،
وهؤلاء لا يتورَّعون عن الإجابةِ على أيِّ سؤالٍ من العامَّةِ أو الأصدقاء،
ولم يكملْ بعضهم دراسته،
ولا درسَ علومًا على عالم،
ولم يحفظْ متنًا طوالَ حياته!
ولا يعرف قواعد فقهية أو أصولية...!
بل إنه إذا قرأ كتبًا في الفروعِ لم يفهم كثيرًا من مسائلها!
ولكنهُ يعرفُ خطورةَ من يتصدَّرُ للدعوَى!
وبينما كان السلفُ الصالحُ يتأخَّرُ عنها ويُحيلُها إلى غيرهِ ما استطاع،
خشيةَ أن يقولَ في دينِ الله ما لا يعلم،
فإننا نرَى الآنَ التهافتَ على الفتوَى،
بدلَ الإحالةِ على علماءَ متمكِّنين،
أو مجامعَ فقهيةٍ ومراكزَ فتوَى،
أو البحثِ عنها في مواقعها، وهي عديدة.
وماذا لو أزاحوها عن كاهلهم ما داموا يعرفون خطورتها؟
وماذا لو سكتوا ولم يجيبوا؟
هل يجبرهم أحدٌ على إبداءِ آرائهم؟
إنها ظاهرةُ الحبِّ والتعلُّقِ بوضعِ الحلول،
المتأصِّلةِ في نفسِ الإنسان،
إنها الحرارةُ التي تغلي في النفسِ فتقذفُ ما تريد،
وفيها حبُّ الكلام،
والزهوُّ بالمعرفة،
والمسارعةُ إلى الجواب قبل الآخر،
والبروزُ بين الأهلِ والأصدقاء..
فأما المؤمنُ الخائفُ العاقلُ فإنه يفكِّرُ ويتأنَّى،
ولا يكونُ مثلَ غيره؛
لأنه لا يريدُ أن يتكلَّمَ في دينِ الله بغيرِ علم،
إنه يخشَى الله تعالَى قبلَ كلِّ شيء،
ويُهمُّهُ رضا الربِّ لا رضا الناس.