الذين لهم صحبةٌ مع الشيوخِ الطيبين،
من العلماءِ العاملين،
والعارفين من السالكين طريقَ ربِّ العالمين،
يعرفون كم تكونُ قلوبهم مطمئنةً إذا كانوا بصحبتهم،
وكم يشعرون براحةٍ نفسيةٍ وتواؤمٍ ومحبَّةٍ في مجالسهم.
وأعظمُ من هذا ما كان من أمرِ الصحابةِ رضي الله عنهم مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم،
وما كانوا يشعرون به من جلالِ الموقفِ في مجلسهِ الكريم،
واطمئنان قلوبهم إذا دعا لهم واستغفر،
وسعادتهم إذا زارهم في بيوتهم أو مجالسهم،
أو لاطفهم وداعبهم،
وقد قال الله تعالى في كتابهِ العزيز:
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [سورة التوبة: 103]،
أي: ادعُ لهم واستغفر،
إنَّ دعاءكَ يَبعثُ في نفوسِهم الأمنَ والرحمةَ والطمأنينة.
ولهذا تغيَّرت قلوب الصحابة بعد وفاتهِ صلى الله عليه وسلم،
وحدثتْ حوادثُ بينهم رضوانُ الله عليهم،
وأفصحَ عن هذا الصحابيُّ الجليلُ أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه بقوله:
"لمَّا كانَ اليومُ الذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ أضاءَ منها كلُّ شيءٍ، فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منها كلُّ شيءٍ، ولمّا نفَضنا عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ الأيدي وإنَّا لفي دفنِهِ حتَّى أنْكَرنا قلوبَنا"!
رواه ابن حبان في صحيحه (6634)، وأحمد في المسند (13336)، والترمذي في السنن (3618) وقال: حديث غريب صحيح. وصححه في صحيح سنن الترمذي.
قال في فتح الباري (8/149): "يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة؛ لفقدان ما كان يمدُّهم به من التعليم والتأديب" .
ولعله أخذه من قول التوربشتي رحمه الله، الذي قال: "يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة؛ لانقطاع مادة الوحي، وفقدان ما كان يمدُّهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من التأييد والتعليم، ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق". (تحفة الأحوذي 10/62).
كما استفاد ابن عبدالبرِّ القرطبي من الحديث "أن أحوال الناس تغيَّرت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نساءً ورجالًا". (التمهيد 23/394).
ما أطيب الطيبين،
وما أطيب قلوبهم،
وما أطيب مجالسهم،
وما أصعب فراقهم!