يقولُ علماءُ النفسِ والاجتماعِ وغيرهم من الحكماءِ والفلاسفة الذين قرأتُ لهم:
إن الأملَ هو الذي يبعثُ الإنسان على حبِّ البقاءِ في الدنيا،
ويعنون الأملَ في الحياة،
وتبعَهم في ذلك مَن تبعَهم من الكتّابِ والمفكرين المسلمين.
والحقُّ أن نظرَ المسلمِ إلى ذلك هو تفويضُ الأمرِ إلى الله،
وليس الأملَ وحدَهُ كما وصفوه،
فهو يدعو بالدعاءِ الذي ندبَهُ إليه رسولُ الله عليه الصلاةُ والسلامُ بقوله،
كما في الصحيحينِ وغيرهما:
"اللهمَّ أحيِني ما كانتِ الحياةُ خيرًا لي،
وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي".
ويدلُّ عليه حديثٌ يصبُّ في معناه،
وهو عند مسلمٍ وغيره:
"واجعلِ الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خير،
والموتَ راحةً لي من كلِّ شرّ".
فالذي يحدِّدُ نظرةَ المؤمنِ إلى الحياةِ هو أملُ إصابةِ الخير،
أما إذا لم يكنْ هناك خيرٌ فلا حبَّ في الحياة،
بل أملُ الموتِ عند ذلك هو الأحبُّ إلى المسلم،
لأنه راحةٌ من الشرِّ وأهله.
والذي يعرفُ مستقبلَهُ أهو في الخيرِ أم في الشرّ،
هو الله وحده،
ولذلك فوَّضَ أمرَهُ إليه.
وقد ذكرَ الإمامُ النوويُّ في شرحهِ على صحيحِ مسلم (17/7)،
أنه لا كراهةَ في تمني الموتِ إذا خافَ المسلمُ ضررًا أو فتنةً في دينه. اهـ.
أما خيريةُ البقاءِ فهو في العملِ الصالح،
كما حدَّدَهُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم،
في الحديثِ الذي صححهُ الترمذي،
الذي جاءَ فيه:
"أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ خيرٌ؟
قال: من طالَ عمُرهُ وحسُنَ عملُه".
وهذا كلُّهُ بالنسبةِ للمسلم،
أما الكافرُ فصحيحٌ ما قيلَ فيه من أملهِ في الحياةِ الدنيا،
وهو كما قالَ الله تعالَى في كتابهِ العزيز:
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [سورة الحِجر: 3].
أي: "يشغلهم أملُهم في الدنيا والتزيدُ منها".. كما أفادهُ ابن عطية في تفسيره (المحرر الوجيز) ص 1064.
وهذا مدخلُ مقالٍ يطولُ شرحه.