سورة عظيمة

هناك حديث شريف رواه الصحابي الجليل عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه كثير من الرواة بألفاظ متقاربة، منهم ابن حبان في صحيحه، وأحمد، والحاكم بإسناد صحيح.

يقول عقبة: تَبعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فجعلتُ يدي على قدمه، فقلت: يا رسول الله، أقرئني إما من سورةِ هود، وإما من سورةِ يوسف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عُقبةَ بنَ عامر، إنَّكَ لنْ تَقرأَ سورةً أحبَّ إلى اللهِ ولا أبلغَ عندَهُ مِن أن تَقرأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، فإنِ استَطعتَ أن لا تَفوتَكَ في صلاةٍ فافعَل". واللَّفظُ لابن حبان.

 وسورة الفلق سورة عظيمةٌ لمن تمعَّن في تفسيرها.

وقد أعجبني من بيان لفظ "الفلق" في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الكبير، فإن أكثر المفسرين يرون أن معناه "الصبح"، وتوسَّع في ذلك آخرون وانتصر لهم الفخر فقال ما ملخصه: الفلقُ عبارة عن كل ما يفلقه الله، كالأرْضِ عنِ النَّبات، والجبالِ عن العيون، والسَّحابِ عنِ الأمطار، والأرحامِ عنِ الأولاد، والبَيضِ عن الفرخ، والقلوبِ عن المعارف.

قال: فإذا فسَّرنا الفلق بهذا التفسير صار كأنه قال: قل أعوذ بربِّ جميع الممكنات، ومكوِّنِ كلِّ المحدَثات والمبدعات، فيكون التعظيم فيه أعظم، ويكون الصبح أحد الأمور الداخلة في هذا المعنى.

وقوله تعالى: {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ}: أي: مِنْ شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ خَلقَهُ الله.

ومعنى: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}: ومِنْ شَرِّ القمَرِ إذا دخلَ في الخسُوف.

قالتْ عائشَةُ رَضيَ اللهُ عنها: نظرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى القمَرِ فقال: "يا عائشَة، استَعيذي باللهِ مِنْ شَرِّ هذا، فإنَّ هذا الغَاسِقُ إذا وقَب". رَواهُ الترمذيُّ والحاكمُ وأحمَدُ بإسنادٍ صَحيح.

ويورِدُ المفَسِّرونَ مَعنَى الآيَةِ بأنَّه: اللَّيلُ إذا أظلَم.

والظَّلامُ يَنتَشِرُ عندَ الخسُوفِ أيضًا، وخاصَّةً عندَ اكتِمالِ دُخولِهِ إلى مِنطَقَةِ ظِلِّ الأرْض، حيثُ يَخسِفُ كامِلُ قُرصِ القمَر.

وقوله تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي: ومِنْ شَرِّ السَّواحِرِ اللَّواتي يَعقِدْنَ العُقَدَ في الخُيوطِ ويَنفُخْنَ فيها، ليَضرُرْنَ النَّاسَ بسِحرِهنّ.

ومعنى {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}: ومِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذا أظهَرَ ما في نَفسِهِ مِنَ الحسَد، وأحَبَّ زَوالَ النِّعمَةِ عنْ غَيرِه، ولم يَرْضَ بما قسَمَ اللهُ له.

فهذا التجاء واعتصام بربٍّ عظيم، في سورة عظيمة ذكرها رسولُ ربِّ العالمين، يعصمكَ من شرور وفتن في هذه الدنيا، فاحرص على قراءتها، في الصلاة وغيرها، والله يحفظك.