مما يؤسف له أن لا يوجد حتى الآن مجمع أو مركز علمي فيه كل المعلومات مما يتعلق بالقرآن الكريم وعلومه.
إن الإجلال العظيم والتقدير الكبير الذي يكنه المسلمون لكتاب ربهم شيء لا يُحَدّ ولا يتصور، وإن كل خدمة تقدم لكتاب الله تعالى تعود فائدتها إليهم، فهو دستورهم، ونظام حياتهم وزادهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ولا شك أن ما كتب عن القرآن الكريم كثير، منذ القرن الهجري الثاني وحتى يومنا هذا، وقد تنوعت علومه وموضوعاته ورتبت وكتب فيها جميعًا، وهي في ازدياد مستمر، وقد أوصل الإمام السيوطي أنواعه إلى ثمانين نوعًا في كتابه "الإتقان في علوم القرآن"، فزاد وفصَّل مسائل لم توجد في البرهان للزركشي.
ومن أشهر علومه: جمع القرآن، أسباب نزوله، إعرابه، غريبه، بلاغته، ناسخه ومنسوخه، أحكامه، مجمله ومبينه ومؤوله، محكمه ومتشابهه، وجوهه ونظائره، مقدمه ومؤخره، منطوقه ومفهومه، مطلقه ومقيده، تفسيره، ترجمته، تجويده وقراءاته، أمثاله وقصصه، فضائله، أدعيته، آدابه، خواصه...
وله أنواع دقيقة ونادرة، مثل: جدله، حضريه وسفريه، نهاريه وليليه، ما تكرر نزوله، صيفيه وشتائيه، فراشيه ونوميه، أرضيه وسماويه، ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه...
واستحدثت علوم أخرى له في عصرنا، مثل الإعجاز العلمي فيه، والتفسير الموضوعي له، وكذا التفسير الأدبي، والعلمي، والنفسي، ومخطوطاته، وترجماته،... ولعل آخرها علم الأصوات فيه، وهو غير التجويد، وإن تعلق به.
إن ما كتب في هذه الموضوعات وغيرها قديمًا وحديثًا كثير جداً، وبخاصة إذا أضيف إلى الكتب البحوثُ والدراسات وأوراق الأعمال المقدمة إلى المؤتمرات والندوات والملتقيات، بالإضافة إلى المقالات المتنوعة... ما نشر منها وما لم ينشر.
وهي مشتَّتة مبعثرة بين المخطوطات، والمطبوعات، والجرائد والمجلات، ومنها ما هو مفقود لا يعرف له أثر، أو هو في التراث المخبوء من التركات أو عند التجار وسماسرة الكتب والتراثيات...
ولا شك أن القيام بجمع هذه المعلومات وتخزينها بواسطة الآلات الإلكترونية الحديثة مطلوب وضروري، فإن كل دولة تجمع تراثها وتاريخها وآثارها وتجند علماء وخبراء لتصنيف أوعية معلوماتها وفهرستها وترتيبها ونشرها وتوزيعها والدعاية لها، وكذا الجماعات الفكرية والمذهبية والدينية والأحزاب والمراكز المتخصصة علميًا وأدبياً، وهكذا الأفراد الذين يهتمون بنتاجهم وتتابعها نقاباتهم ورابطاتهم وما إليها...
وكتاب الله تعالى أولَى من كل هذا، لأنه الكتاب السماوي الصحيح الوحيد على وجه الأرض، ولأنه كتاب للعالمين جميعًا، فهو موجَّه للناس كلهم، وليس لأفراد أو جماعة أو قومية أو زمان معين، وهذا يحفز إلى أن يكون الاهتمام به على قدر جلاله وعالميته وأهميته، فهو أكبر وأعظم وأجلُّ من كل كتاب وشخص وجماعة ودولة، وما لم يكن كذلك فإن التقصير فيه واضح، والمسؤولية فيه قائمة.
وليتذكر المسلمون كم تحمَّل الصحابة رضوان الله عليهم مسؤوليته حتى حافظوا عليه ودونوه وبلَّغوه، من عند أنفسهم وبتكليف ومتابعة من أعلى منصب في الدولة، وعلينا أن نكمل ما قامت به الأجيال المسلمة السابقة في خدمة هذا الكتاب العظيم، ونستشعر مسؤوليتنا حقيقة تجاه ذلك، وهذا العمل جزء من العمل المطلوب منا تجاهه وليس كله.
إنها لخيبة وحسرة وألم ألاّ يوجد حتى الآن مجمَّع معلومات يرصد كل ما يتعلق بكتاب الله الجليل، الذي يلزم أن ينهض به ويتحمَّل مسؤوليته المسلمون بطبيعة الحال، وخاصة علماؤهم ومسؤولوهم وأثرياؤهم. وفي القيام بهذا العمل خير كثير وفوائد لا تحصى في حياة المسلمين، بل هو ضروري لهم، وهم مقصرون جداً في تأجيله، والخير والنفع بيد الله وفي كتابه والاشتغال به...
وليتصور المرء مثلاً قارئًا أو كاتبًا أو باحثًا يريد أن يعرف موضوعاً في القرآن الكريم هل كتب فيه، وأين يجده، وكم عقبة سيصطدم بها حتى يصل إلى مقصوده، هذا إذا وصل، فإذا وصل كم معلومة تفوته من أصل ما هو موجود؟
وأقرب من هذا طلاب الدراسات العليا في الجامعات، الذين إذا اختاروا موضوعًا اشترطوا عليهم ألاّ يكون كتب فيه من قبل، ويلزمون بالبحث والتأكد من ذلك، ويكُلِّفون بذكر الموضوعات المشابهة لما يكتبون فيه، وذكر الفارق بينه وبينها. فكم هي المعاناة التي يجدونها حتى يُحصِّلوا أمثال هذه المعلومات.
ومثل ذلك تحقيق كتاب تراثي، ونسخه المشتتة، وتحصيلها...
هناك فرق كبير بين أن يبحث كل من يلزمه أمر في القرآن فيسأل ويبحث وقد يسافر وينفق المال والجهد حتى يحصل على ما يريد، أو جزء مما يريد، وبين أن تكون هناك مؤسسة تجمع هذه المعلومات وتوفر جهود آلاف الساعات، وتكون المعلومات فيها أشمل وأكثر تنويعًا على الغالب.
ولا يتصور أن يكون هذا عملاً مستحيلاً، أو كبيرًا بحيث لا يمكن حصره وجمع نواحيه، فإن الهمة والعزيمة مطلوبة، ولا يوجد يأس في حياة المسلم إذا كان متوكلاً على الله، والمشروع الذي يبدأ فيه ينمو ويكثر بإذن الله، ويصير بعد عقد من الزمن كشجرة طيبة مباركة، تؤتي ثمارها لكل الناس، والله يوفق من أخلص في عمله ويبارك فيه.
ويمكن الاستفادة من أعمال جاهزة سبق أن قام بها أفراد أو مؤسسات، ثم يكمل ما بعده.
فقد قامت مؤسسة آل البيت في عمَّان بعمل شامل طيب من خلال إصدار فهرس عام يشمل بيانات جميع مخطوطات علوم القرآن في العالم، بالاستفادة من الفهارس العامة المطبوعة للمخطوطات في بلدان عديدة، وتلزم متابعة العمل وبذل الجهد لإضافة ما استجد من فهارس المخطوطات الجديدة، وبخاصة التي أصدرتها مؤسسة الفرقان في لندن...
وبالنسبة للكتب المطبوعة فإن هناك "معجم مصنفات القرآن الكريم" الذي سبق صدوره في أربعة أجزاء منذ زمن، ويشمل المخطوط والمطبوع، ولعله صار ضعف حجمه، وسبق أن أعلنت جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت عن عزمها على طبعه بزياداته الجديدة إن أمكن، ولم يصدر.
والأفضل هو القيام بعمل جديد، من خلال متابعة الببليوجرافيات الوطنية التي تصدرها كل دولة، وتخزنها في أقراص.
وأشير إلى عمل آخر يُستفاد منه، وهو تصنيف ما أثير من شبهات حول القرآن الكريم من خلال الكتب والدراسات التي ألفها الملحدون والعلمانيون وأهل الكتاب والمناوئون عامة، والخروج بكتاب مرجعي شامل يرد على جميع هذه الشبهات ونشرها بلغات عالمية وتوزيعها على مستوى دولي، حتى لا تبقى حجة لأحد في عدم اتباع كتاب رب العالمين، وليكون تبرئة لذمة المسلمين وتبليغًا منهم لكتاب ربهم. ويكون هذا جزءًا من مشروع إسلامي عالمي لإخراج إصدارات موسوعية شاملة في الموضوعات المهمة التي تخص دينهم، فهم مسؤولون عن تبليغ دين التوحيد وتوصيله إلى الناس بلغاتهم.
إن جمع هذه المعلومات وتخزينها في وسائط إلكترونية، ومتابعة ما يستجد منها بالتعاون مع الجامعات والمراكز والجمعيات والمؤسسات الثقافية والمكتبات ومراكز المعلومات ودور النشر وما إليها، وتجنيد الخبراء في مجال المكتبات والمعلومات والإعلام والدعاية والنشر لأجل ذلك، وتصميم مواقع وإصدار دوريات ومتابعة نشاطات في هذا الشأن... كل هذا يساعد على نشر ثقافة إسلامية وقرآنية عامة، وعلاقات ثقافية بين الشعوب الإسلامية خاصة، من خلال التنبيه إلى ترجمة الأعمال العلمية الرصينة التي كتبت في التفسير وعلوم القرآن إلى لغات عالمية، كما أن قيام مجموعة من المتخصصين بتصنيف هذه المعلومات موضوعياً يبرز النقص الحاصل في هذا المجال، مثل معرفة التفاسير التي ترجمت، واللغات التي لم تترجم معاني القرآن إليها بعد، ويبعث الأمر على نشاطات فكرية وثقافية جديدة، من خلال ما تطرق إليه بلغات دون أخرى، والمعلومة تقدح المعلومة فتثيرها، والعلمُ يزيد بين اثنين.
إن إنشاء بنك معلومات عن القرآن الكريم تأخر كثيرًا في ظل الثورة العلمية والثقافية التي تنامت مع الاختراعات الجديدة في الطباعة والتخزين إلكترونيًا، وسهل لنا ما لم نحلم به قبل سنوات، ولنقارن ما كان يقوم به أجدادنا من نسخ مخطوطات في شهور وسنوات، وهو في يومنا هذا لا يحتاج إلى أكثر من النسخ واللصق في ثوان.
إننا أمة علم وإيمان، وأصحاب دعوة ورسالة، ودعاة إصلاح وتغيير، وعلينا أن نثبت أننا كذلك علمياً وعملياً... وهذا اقتراح "معلوماتي" يتعلق بمصادر العلم والثقافة، والمعلومات جمع معلومة، والمعلومة من العلم، والعلم نحن له إن شاء الله، وهو في دعوتنا قائم على الحق والعدل، والتوحيد والنصح لكل الناس.
وقد أشير أخيرًا إلى أمر لئلا يلتبس على القارئ أمره، وهو " المركز العالمي للقرآن الكريم" الذي أسسه أحمد صبحي منصور، وهو مؤسس فرقة القرآنيين بمصر، ومنكر للسنة النبوية، أنشأه بأمريكا بعد تدريسه في جامعة هارفارد بسنة واحدة، ويُعتبر هاربًا من ملاحقات قضائية بمصر، حيث كان أستاذًا في جامعة الأزهر، ثم طرد منها لإنكاره السنَّة.
أما كان على أهل السنة أن يكونوا سبَّاقين إلى إنشاء مركز عالمي لكتاب ربهم بحق؟
أدعو الله تعالى أن يلهم هذا المشروع القرآني عقولاً، ويحمس نفوسًا، ويثيرَ عزائم، لإيجاده على خريطة الواقع قريبًا إن شاء الله.