يتحرَّجُ بعضُ الكتَّابِ والمفكرين في إيرادِ حججِ خصومِ الإسلامِ وتمويههم حتى لا تثيرَ الشبهَ وتبلبلَ الأفكارَ عند المسلمين، والحقُّ أن هذا لا يُخشَى منه، فالإسلامُ دينُ الله الحقّ، ويستطيعُ ردَّ جميعَ الشبَهِ مهما كانت مثيرة، وقد أوردَ القرآنُ حُججَ وشُبَهَ الكافرين وردَّ عليها، وفيها صراحةٌ كبيرة، ولو كانت إلحادًا وكفرًا بالذاتِ الإلهية، واستهزاءً بالرسلِ وأتباعهم من الفقراءِ والعبيد، وتهكمًا بإيمانهم باليومِ الآخر، وفيها دفاعهم عن الباطل، وتحدِّيهم وثباتهم على عقيدتهم الباطلة.
وذلك مثلُ كلماتُ فرعونَ النابية، المليئةِ بالكفرِ والطغيان، والكِبْرِ والبهتان {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (سورة القصص: 38).
و{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} (الشعراء: 27).
وقال المشركون: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 13].
أي أنهم قالوا في غرورٍ وبَلَه: أنؤمنُ كما آمنَ هؤلاءِ السفهاءُ -يَعْنُون الصحابةَ رضيَ اللهُ عنهم- ونَصِيرُ وهم بمنزلةٍ واحدة؟! لكنَّ الحقَّ أنَّهمُ همُ الجهلاءُ...
وأنكرَ الكافرونَ يومَ القيامةِ وتحدَّوا! مثالهُ في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (الآية 78).
أي: ضربَ هذا الكافرُ بالبعثِ مثَلاً لنا، ونَسيَ بَدْءَ خَلقِنا له، فجاءَ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم وفي يدهِ عظمٌ قديم، ففتَّتَهُ أمامَهُ وقال له: أتزعُمُ أنَّ اللهَ يبعثُ هذا بعدما أَرِم؟
فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نعَم، يَبْعَثُ اللهُ تعالَى هذا، ويُميتُك، ثمَّ يُحييك، ثمَّ يُدخِلُكَ نارَ جهنَّم". رواهُ الحاكمُ وصحَّحه.
{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (79).
قلْ لهم أيُّها الرسُول: سيُحيي العظامَ الذي أَوجدَها أوَّلَ مرَّةٍ وهيَ لا شيء، وهوَ العليمُ بجميعِ المخلوقات، وأجزائها وعظامِها المتفتِّتةِ والمتفرِّقةِ في أنحاءِ الأرض.
وقولهم: {أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ . لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ . قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (سورة النمل :67- 69).
يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمهُ الله ما ملخَّصه: استبعدَ الكفّارُ إعادةَ الأجسادِ بعدَ صيرورتها عظامًا ورُفاتًا وترابًا، وقالوا: مازلنا نسمعُ بهذا نحن وآباؤنا ولا نرَى له حقيقةً ولا وقوعًا، وهو كلامٌ أخذهُ قومٌ عمَّن قبلهم وليسَ صحيحًا.
والردّ: قل يا محمَّد لهؤلاء: سيروا في الأرضِ وانظروا كيف كانت عاقبةُ المكذِّبينَ بالرسل، وما جاؤوا به من أمرِ المعادِ وغيره، كيفَ حلَّتْ بهم نِقَمُ الله وعذابهُ ونَكاله، ونجَّى الله من بينهم رسلهُ الكرامَ ومن اتَّبعهم من المؤمنين، فدلَّ ذلك على صدقِ ما جاءتِ به الرسل.